خبر تعادل كله خسارة- معاريف

الساعة 08:12 ص|23 مايو 2011

تعادل كله خسارة- معاريف

بقلم: بن كاسبيت

(المضمون: هل قادر اوباما على تغيير نتنياهو؟ لا. هل يمكن لنتنياهو أن يخدع اوباما؟ لا أيضا. الامر الاكثر معقولية الذي يمكن أن يحصل هو أن ييأس اوباما ببساطة ويرفع يديه. حاليا على الاقل. وهو يمكن أن يسمح لنفسه بذلك. اما نحن فليس مؤكدا انه يمكننا ذلك - المصدر).

        صحيح حتى الان، هذه حرب لفظية، وليس عملية. ولكن المتنافسين هما الخطيبان السريعان في الغرب، ولهذا فالمعركة لم تحسم بعد. وهي تستمر بكل شدتها، بقوة عالية وبحماسة شديدة.

        بعد أن جلس نتنياهو في صالون اوباما والقى امام عينيه المتفاجئتين محاضرة علنية، بما في ذلك الوعظ الاخلاقي اللجوج امام كاميرات التلفزيون، دخل اوباما أمس الى الساحة الداخلية لنتنياهو وألقى هناك محاضرة ضيف، في رد سريع ودقيق عليه.

        الخطابة، كما سبق أن قلنا يعرفها الرجلان، ولكن كل واحد من اتجاه آخر. نتنياهو خبير في خطابات التخويف. اوباما فنان في خطابات الامل. كلاهما يأخذان شعاريهما بعيدا جدا. تخويف نتنياهو مبالغ فيه دوما، متنبىء بالسواد، بالضبط مثل أمل اوباما، الذي يكون دوما ساذجا، منقطعا عن الواقع ومتفائلا أكثر مما ينبغي.

        الحقيقة توجد في مكان ما في الوسط، بين الرجلين. فالسواد ليس اسود تماما، وكذا الوردية ليست وردية كهذه (كلون ربطة عنق أوباما أمس). اللون السليم هو السكني الفاتح. وفي النزال الخاص، صحيح حتى الان، اوباما لم يساوي امس النتيجة فقط، بل هو يتفوق بالنقاط. ولكن لنتنياهو، في العد النهائي، بقي خطابان آخران. بحيث ان كل شيء مفتوح وهذه اللعبة لن تنتهي الا بعد أن تغني السيدة وينتهي الخطاب الاخير. ينبغي الامل الا تعلق هذه الحرب في مرحلة الاقوال، بل ان تتقدم نحو الافعال.

        إذن ماذا كان لنا أمس؟ كان رئيسا امريكيا مصمما، واثقا بنفسه، بل ولعله معتدا بعض الشيء، وصل الى عرين الاسود وخرج منه مظفرا. اوباما كان مفعما امس بالحضور. وكان خطابه صنعة محسوبة من بناء نظرية ودحضها، بالتوازي مع النظرية المضادة.

        خطابه يجب تعلمه وتعليمه. قبل كل شيء، غلف كل الرزمة بوفرة من التشريفات، المداعبات، اوراق السلفان اللامعة وانتزع عددا لا يحصى من وقفات التصفيق. وعندها، عندما كان يخيل ان امامنا يقف سيدنا موسى بعظمته، سمح لنفسه بان يشرح لنتنياهو ماذا قصد بـ "خطوط 67"، وقد فعل ذلك بحسن وبخفة لدرجة كان ينبغي لنا أن نمسك بنتنياهو بالقوة كي لا يسارع فورا الى الانسحاب بقواه الذاتية، الى الخط الاخضر. اوباما لم يتراجع، لم يعتذر، لم يتلعثم. نعم، اضاف بعض الحسنات: تشديد زائد على منع النووي لايران بكل ثمن والذي انتزع موجة هائلة من الهتافات؛ ذكر الاعتراف بـ "التغييرات الديمغرافية" على الارض (تلميح بكتاب الرئيس بوش)، وان كان اوباما قصد أيضا التغييرات الديمغرافية في الجانب الفلسطيني.

        ولكن الاساس لم يغيره. لم يقل شيئا عن اللاجئين. لم يتحدث عن حق العودة، لم يلغِ قوله الاشكالي عن الحدود التي ستكون للدولة الفلسطينية (مع الاردن ومع اسرائيل، بمعنى أن اسرائيل لن تفصل بين اسرائيل والاردن، هذا يعني ان حلم نتنياهو بتواجد دائم في الغور سيبقى اضعاث احلام)، وهو تماما لم يتراجع عن الذكر غير المسبوق لـ "خطوط 67 كأساس للتسوية". ولكنه فعل ذلك بكفاءة جمة وبحسن نادر، وغلف كل شيء بغلاف مغرٍ، بحيث انه لا يمكن القول في نهاية خطابه انه ليس صديقا كبيرا لدولة اسرائيل. مع نتنياهو أو بدونه.

        الخلاصة، قبل ان نتناول الخطابين المتبقيين لنتنياهو (امام "يباك"وامام الكونغرس الجمهوري)، بسيطة: يوجد هنا صدام جبهوي بين شخصين متعاكسين تماما، والاسوأ من ذلك بين مذهبين متعاكسين تماما. من جهة اوباما المتفائل الخالد، الحالم والناظر الى الامام، هذا الذي يشخص دوما الفرص، حتى في ظل الازمة الكبرى. من جهة اخرى نتنياهو المتشائم الدائم، الرجل الذي سيبقى يحذر الى الابد، المنبه عند الباب، والمشخص ايضا للمخاطر التي في الفرص الكبرى. هذان الرجلان، الزيت والماء، القط والكلب، الايجابي والسلبي، لن يحبا الواحد الآخر في حياتهما الحالية هذه.

        السؤال هو هل سينجحا مع ذلك في العمل معا. في هذه اللحظة يبدو أن لا. يوم الجمعة شرح نتنياهو لاوباما، في البيت الابيض، بانه ليس واقعيا، وانه منقطع عما يحصل على الارض، وانه لا يفهم مع من نحن نتعاطى ومع من نحن نتصدى. يوم الاحد، في "ايباك" شرح اوباما لنتنياهو الامر المعاكس تماما.

        الرئيس الامريكي، الذي هو ايضا زعيم العالم الحر، قال في واقع الامر لبيبي أنه لا يفهم شيئا. وان الواقع يصفعه على وجهه، وانه حان الوقت للقول بصوت عال ما يهمس به الجميع في أن العمل يعمل في طالحنا، وانه بعد عقد من الزمان سيكون الوضع اسوأ بكثير مما هو اليوم، وان من لا يقرر، في نهايته ستجره موجات التاريخ التي تندفع الى الامام. من الزعامة، كما لمح اوباما، القدرة على تشخيص الفرص، اتخاذ القرارات، أخذ المخاطر.

        هل قادر اوباما على تغيير نتنياهو؟ لا. هل يمكن لنتنياهو أن يخدع اوباما؟ لا أيضا. الامر الاكثر معقولية الذي يمكن أن يحصل هو أن ييأس اوباما ببساطة ويرفع يديه. حاليا على الاقل. وهو يمكن أن يسمح لنفسه بذلك. اما نحن فليس مؤكدا انه يمكننا ذلك.