خبر جوكران سياسيان..هآرتس

الساعة 09:58 ص|16 مايو 2011

بقلم: الوف بن

الرجل الذي يعود دوما

في استقبال للجنود المتميزين في مقر الرئيس، في يوم الاستقلال، طُلب الى رئيس الدولة، رئيس الوزراء، وزير الدفاع ورئيس الاركان، أن يختاروا لأنفسهم أغنية وأن يغنوها بالبث الحي مع المغنين الذين شاركوا في الحدث. فاختار اهود باراك "ها أنا هنا"، لحاييم حيفر ودوبي زلتسر، المعروف بأداء يهورام غئون. "أنا أعود من بلاد غير مزروعة، أعود من ألف صورة"، غنى باراك مع هرئيل سكعت، "أنا الرجل الذي أعود دوما، دوما أعود".

        لمن قرأ المقابلة التي منحها وزير الدفاع لغيدي فايتس في ملحق "هآرتس" الاسبوع الماضي، ما كان ينبغي أن يكون شك: مثل بطل أغنية حيفر وزلتسر، باراك هو ايضا ينشغل بعودته الكبرى. ومع أنه لم يعبر عن تطلعاته في المقابلة، واضح أن باراك يخطط لعودته الى رئاسة الوزراء ويؤمن بأن لديه احتمال جيد بأن يرث بنيامين نتنياهو. في هذه الاثناء يُعد باراك البنية التحتية. ها هي ثلاثة نماذج كلها من الاسبوع الاخير. المقابلة الموسعة لغيدي فايتس، والتي تعمق فيها باراك مع الحجج حول كراهية الجمهور له وحول الغنى والشقة في أبراج اكيروف. خطابه في منتهى يوم الاستقلال، في الحفل السنوي لوزارة الدفاع، والذي دعا فيه نتنياهو الى عرض خطة سياسية تتضمن انسحابا من معظم الضفة الغربية، وأعد لنفسه عذرا للهرب من الحكومة. المؤتمر التأسيسي الذي عُقد أمس للحزب الوهمي "الاستقلال"، والذي يعد باراك بالتنافس من خلاله في الانتخابات القادمة.

        في هذه النقطة يثور السؤال: اهود باراك؟ عودة؟ الرجل الذي لا يطاق، الذي يحصل على صفر في الاستطلاعات ويتورط دوما مع من يحيط به؟ الرجل الذي تسلم كل منصب بصفته وعدا كبيرا وأنهاه بخيبة أمل مؤسفة؟ الشريك الهزيل لنتنياهو، الذي يُكثر من الحديث معه ويتجاهل توصياته؟ نعم، باراك إياه. إذ فقط باراك يعرض بديلا عن سياسة ولا شبر لليكود ولافيغدور ليبرمان، عرضا مسنودا بالتجربة، بالحضور وباستعراض مقنع للواقع الاستراتيجي. اذا ما حل التسونامي السياسي الذي يحذر باراك منه، فتُنبذ اسرائيل وتُعزل في العالم بسبب رفضها الخروج من المناطق واقامة فلسطين فيها، فان الجمهور سيبحث عن بديل عن سياسة متسادا وبيتار لحكومة اليمين. وبالسلوك السليم، سيكون باراك هناك لقطف الحكم.

        ليس له حزب وليس له مؤيدون، سيقول المشككون. هذا صحيح، ولكنه ليس مهما. الزعماء التاريخيون الذين يُبدي باراك اعجابه بهم – ونستون تشرتشل، شارل ديغول، موشيه ديان – دُعوا الى انقاذ الوطن في اوقات الازمة بسبب شخصيتهم وتجربتهم، وليس بفضل المنتسبين والخلطات السياسية. ثلاثتهم تنقلوا بين الاحزاب حسب اضطرارات اللحظة، وتجاهلوا البرنامج السياسي والمؤسسات. ويمكن أن يضاف الى هذه القائمة ايضا اريئيل شارون. عندما دُعوا الى خدمة العلم، الساحة السياسية تدبرت أمرها وفقا لذلك، والرأي العام ارتفع في لحظة من النفور الى الاعجاب. هذا يمكن ان يحصل ايضا لاهود باراك، واضح أن هذا هو نموذجه.

        كي يُنتخب الى رئاسة الوزراء عن اليسار، ينبغي ان يدمج بين الاعتدال السياسي، على الأقل في الاقوال، مع نزعة قوة أمنية ومرغوب فيها ايضا مع رتبة الجنرال. لا توجد صيغة اخرى. يكفي رؤية هتاف الفرح في اليسار مع عودة عمرام متسناع، اللواء في الاحتياط لطيف الحديث، الى السباق على قيادة حزب العمل. مع كل الاحترام للترهات الاشتراكية – الديمقراطية، فهي لا تعني أحد. في العمل يريدون قائدا في المقدمة، وليس عاملا اجتماعيا. وحتى الولاية المحرجة لعمير بيرتس كوزير للدفاع في حرب لبنان الثانية تساعده الآن في حملته. متسناع وبيرتس يتصدران السباق، فيما أن المرشحين الـ "مدنيين" تبخروا.

        عودة متسناع وبيرتس الى التنافس تثبت مرة اخرى ان في السياسة الاسرائيلية توجد دوما فرصة ثانية وثالثة ورابعة. اخفاقات الماضي تعتبر رسوم تعليم لزعيم المستقبل. ومع كل الاحترام لمتسناع، فان باراك يعرض سجلا أمنيا، سياسيا وجماهيريا أكثر اثارة للانطباع بكثير. فباراك نجح ايضا في أن يفر من مؤسسات العمل وأن يقيم حزبا خاصا مع لجنة تنظيمية، مثلما في أحلام متسناع. والآن مطلوب فقط الازمة الوطنية التي تعيده الى القيادة. إذ في لحظة الحقيقة سينسوا له الشقة في اكيروف – مثلما غفروا لديان سرقة الآثار والخيانات الزوجية عندما احتاجوا الى خدماته عشية حرب الايام الستة، ولم يتذكروها إلا مع تحطمه في حرب يوم الغفران.

        التحرير في الناصرة

        في السوق السياسية الاسرائيلية توجد مقدرات غير مستغلة: المقترعين العرب. اذا ما خرجوا بجموعهم للتصويت في الانتخابات القادمة، فسيكون بوسعهم إحداث تحول غير مسبوق في تركيبة الكنيست. كتلة عربية من 16 – 17 مقعد ستغير موازين القوى بين اليسار واليمين، وتعيد رسم الكتل السياسية من جديد. الساحة ستقف أمام معضلة: هل ستتحد الاحزاب الصهيونية وتتمترس خلف برنامج سياسي ليبرماني، لصد "الخطر العربي" – أم ستُشرك كتلة اليسار الكتل العربية في الحكم فتقترب اسرائيل من "دولة كل مواطنيها"؟.

        في الانتخابات الاخيرة للكنيست، في آذار 2009، شارك فقط 53.6 في المائة من اصحاب حق الاقتراع في البلدات العربية. معدل التصويت العام كان 64.7 في المائة (المعطيات من تقرير المعهد الاسرائيلي للديمقراطية، باعداد آشر اريان وميخال شمير). معدل التصويت العربي يوجد في انخفاض مستمر في العقد الاخير، كتعبير عن خيبة الامل من الساحة السياسية ومن الدولة.

        ولكن التصويت الهزيل للكنيست لا يدل بالضرورة على عدم اكتراث سياسي من جانب الجالية العربية في اسرائيل. في الانتخابات للسلطات المحلية، والتي جرت قبل أربعة اشهر من الانتخابات القطرية، سجلت مشاركة أكثر يقظة بكثير في تلك البلدات نفسها. وها هي بعض النماذج. في الناصرة صوت 34 الف نسمة للبلدية فيما صوت 22 الف فقط للكنيست. في أم الفحم صوت 20 ألف للبلدية و 14 ألف للكنيست. في رهط صوت 18 الف للبلدية وفقط 7.800 جاءوا للتصويت للكنيست. الاستنتاج واضح: المواطنين العرب يعرفون جيدا أين صناديق الاقتراع. وهم فقط يمتنعون عن المشاركة في اللعبة السياسية القطرية (في البلدات اليهودية الصورة معاكسة. المشاركة في الانتخابات البلدية أدنى بكثير منها في الانتخابات للكنيست).

        بالمقارنة مع الماضي، في الانتخابات القريبة سيسهل تجنيد المقترعين العرب حول برنامج سياسي مشترك، حتى لو استمر الانقسام الى عدة أحزاب. تعزز افيغدور ليبرمان وموجة التشريع المناهضة للعرب في الكنيست الحالية يمكن أن تشكل عنصرا موحدا: العرب يكافحون في سبيل حقوقهم المدنية، التي تسعى حكومة اليمين الى سحقها. كما أن المحيط الخارجي يعمل في صالح المشاركة والانخراط: الثورات الشعبية في الدول العربية واتفاق المصالحة الفلسطيني يمكنها ان تشكل نماذج أيضا للجالية العربية في اسرائيل. التصويت الجماعي للانتخابات في الكنيست سيكون ميدان التحرير بالنسبة اليهم.

        لدى العرب توجد هجرة مضادة من البلاد أقل بكثير بالقياس الى الوسط اليهودي، او سفريات طويلة الى خارج البلاد، والطاقة الكامنة للمقترعين عمليا تقترب جدا من عدد أصحاب حق الاقتراع. هذا يتضح بجلاء من الانتخابات للبلديات وللمجالس المحلية العربية، والتي يصل معدل التصويت فيها الى 80 – 90 في المائة. لو شارك في الانتخابات الاخيرة 150 الف ناخب عربي آخر، لكان بوسعهم أن يحصلوا على خمسة مقاعد اخرى في الكنيست. حداش (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة) حظيت بـ 500 صوت فقط في تل أبيب. حملة ناجحة يمكنها أن تجلب لها بضعة الاف آخرين من المصوتين من اليسار اليهودي، ولا سيما اذا ما اختفت ميرتس.

التصويت العربي حرج لكتلة اليسار، فهو سيؤدي بقدر كبير الى صعوده أو انهياره. في انتخابات 1992 انتخبت أغلبية صغيرة من المقترعين العرب الاحزاب "غير العربية". وكانت هذه هي المرة الاولى التي خلق فيها العمل، ميرتس والاحزاب العربية كتلة مانعة من 61 نائبا. اسحق رابين صعد الى الحكم ووقع على اتفاقات اوسلو. ولكن في الانتخابات التالية، في 1996، والتي جرت في ظل انهيار المسيرة السياسية وموجة عمليات شديدة في اسرائيل، سجل تحول. ثلثا المقترعين العرب انتخبوا الاحزاب العربية.

        هذا الميل تعزز منذ ذلك الحين. في الانتخابات الاخيرة، 82 في المائة من الاصوات في البلدات العربية توجهت الى الاحزاب العربية – القائمة العربية الموحدة – حركة التغيير الوطنية، الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والتجمع الوطني الديمقراطي. الاحزاب الصهيونية نالت الدعم فقط في البلدات الدرزية او في القرى البدوية في الشمال، الاماكن التي يخدم فيها الرجال في الجيش الاسرائيلي. تجمع التأييد للاحزاب العربية أجدى لها ورغم الانخفاض في معدل التصويت، زادت من قوتها في الكنيست الحالية من 10 الى 11 مقعدا. هذا كان رد الفعل لصعود ليبرمان.

        في مثل هذه الظروف كتلة اليسار لا يمكنها أن تعود الى الحكم دون أن تساوم: ان تتخلى عن برنامجها السياسي وان تشرك في الائتلاف احزابا يمينية تحبط المسيرة السياسية مع الفلسطينيين – او ان تتنازل عن التركيبة العرقية للكتلة وتشرك الاحزاب العربية في الحكم. أحزاب اليسار الصهيوني اختارت حتى اليوم الخيار الاول، الشراكة مع اليمين والاصوليين، فيما بقيت الاحزاب العربية خارج الحكومة.

        الخلاف على مكان الجالية العربية في اسرائيل يقف في رأس جدول الاعمال السياسية للكنيست الحالية. حكومة نتنياهو – ليبرمان، بتأييد جزئي من كديما، تحاول قمع التطلعات السياسية للمواطنين العرب وعرضها كمؤامرة غير شرعية. اذا ما نشأت في الكنيست كتلة عربية قوية فان الخلاف سيحتدم. ستتصاعد الدعوات الى تغيير طريقة الحكم واتباع النظام الرئاسي، او الانتخابات اللوائية للكنيست او كلاهما معا – وذلك من أجل اضعاف التصويت العربي (في الانتخابات الرئاسية، الاصوات التي تعطى للخاسر لا تحتسب؛ في الانتخابات اللوائية، مهما كانت صيغتها، سيشطب تصويت العرب في المدن المختلطة). كما ستتصاعد ايضا محاولات الاستبعاد المسبق للقوائم العربية.

        ولكن توجد أيضا امكانية اخرى، في أن تتسع الكتلة العربية وتتعزز لدرجة ان الاغواء (او الاضطرار) لادراجها في الائتلاف سيتغلب على الاراء المسبقة والخلاف السياسي. سيكون هذا تحولا تاريخيا: اسرائيل بقيادة ائتلاف يهودي – عربي ستكون دولة اخرى، سيتأكد فيها الخلاف بين "دولة يهودية" و "دولة اسرائيلية".

        هل مثل هذا التحول ممكن؟ الجوال منوط بمعدل تصويت العرب وبموقف زعمائها. هل سيكررون في الانتخابات القادمة مناورة عزمي بشارة، الذي سجل للتنافس على رئاسة الحكومة في 1999 وثبت تعبير "دولة كل مواطنيها" في القاموس السياسي – أم سيواصلون عملية الانغلاق والمقاطعة ويتخلون عن الاحتمال في ترجمة قوتهم الديمغرافية الى قوة سياسية؟ الخيار في أيديهم، وحسب حسمهم ستتصمم الساحة السياسية أكثر من أي عامل آخر.