خبر حين يرحب بعض الإسرائيليين بالمصالحة الفلسطينية!! ..ياسر الزعاترة

الساعة 08:27 ص|10 مايو 2011

حين يرحب بعض الإسرائيليين بالمصالحة الفلسطينية!! ..ياسر الزعاترة

 

في ظاهر الموقف الإسرائيلي من المصالحة الفلسطينية ثمة هجاء واضح لها من طرف نتنياهو، مع قليل من التهديد للسلطة بضرورة الاختيار بين حماس وبين المفاوضات أو السلام، وهو موقف لا يعبر في واقع الحال عن خوف من تلك المصالحة، بقدر ما ينطوي على استثمار لها في سياق سياسي يتعلق بتحريض المجتمع الدولي على رفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية في شهر أيلول سبتمبر، ونذكر هنا بأن الاعتراف بالدولة يختلف عن إقامتها حتى لا يختلط الأمر على بعض الطيبين ممن يعتقدون أن جماعة السلطة قد اكتشفوا القمر أو ركبوا الموج العاتي حين قرروا الذهاب إلى مجلس الأمن وتالياً إلى هيئة الأمم المتحدة إذا ردت واشنطن بالفيتو.

 

يستحق هذا الأمر وقفة أخرى للحديث عنه، لكننا نتحدث الآن عن ردة الفعل الإسرائيلية حيال المصالحة، وحيث ركز البعض على موقف نتنياهو رغم معرفتنا بأن طبع الأخير هو الإحجام عن مديح أي موقف فلسطيني، مع استمرار الحديث عن «غياب الشريك» ما دام مرشح الشراكة لا يقدم كل المطلوب، والذي لو قدمه لانتهى سياسياً، لأن الشعب الفلسطيني لن يسكت على موقف كهذا، ولعل إنكار القوم لما قدموه في المفاوضات مع أولمرت (كما فضحته وثائق التفاوض) دليل على ذلك.

 

على أن موقف نتنياهو من المصالحة لم يكن قادراً على إخفاء قدر من الرضا، وربما الاحتفاء الإسرائيلي بها، ويكفي أن يقول تقرير سري لدائرة التخطيط الإستراتيجي في وزارة الخارجية (كشفته صحيفة هآرتس) إن «الخطوة الفلسطينية ليست فقط خطراً أمنياً، بل فرصة إستراتيجية لخلق تغيير أصيل في الساحة الفلسطينية»، ويضيف أن «هذا التغيير كفيل بأن يخدم المصالح الإسرائيلية على المدى البعيد».

 

أما شاؤول موفاز، رئيس الأركان ووزير الدفاع الأسبق ورئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست حالياً، فقد رأى في اتفاق المصالحة «بشرى إيجابية»، واقترح أن يبكّر نتنياهو بالاعتراف بدولة فلسطينية والقبول بتسوية انتقالية على طريق التسوية الدائمة.

 

وكما جميع الذين رحبوا بالمصلحة الفلسطينية يركز موفاز على أن المصالحة ينبغي أن تورط حماس في الاعتراف بشروط الرباعية الدولية الثلاثة (الاعتراف بالكيان الصهيوني، نبذ العنف، والاعتراف بالاتفاقات الدولية الموقعة مع السلطة ومنظمة التحرير).

 

الجانب الأهم في المصالحة بالنسبة للإسرائيليين يتمثل في أن جوهرها هو دمج الحالة الفلسطينية برمتها في سياق «نبذ العنف» والمضي في برنامج التفاوض أياً تكن نتائجه (الاعتراف بالدولة لن يغير من حقيقة أن ما يفرزه التفاوض هو الحقيقة الوحيدة على الأرض وليس القرارات الدولية)، ولا قيمة هنا لحديث المقاومة الموسمية الاحتفالية في بلعين ونعلين (كل يوم الجمعة كما قال الرئيس في احتفال توقيع المصالحة) مع كامل الاحترام للمشاركين فيها من غير الإسرائيليين (هل يقبل هؤلاء الانسحاب الكامل من القدس الشرقية وعودة اللاجئين وتفكيك جميع المستوطنات؟!)، والسبب أن تلك المقاومة ليست من النوع الذي يوجع الاحتلال، اللهم إلا إذا تحولت إلى ممارسة تشمل سائر المناطق، وحيث تشتبك الجماهير بعشرات ومئات الآلاف مع الحواجز الإسرائيلية وتعلن برنامجاً واضحاً لا لبس فيه هو دحر الاحتلال بدون قيد أو شرط من الأراضي المحتلة عام 67، وصولاً إلى تفكيك المشروع الصهيوني برمته.

 

ليس مطلوباً من قيادة السلطة أن تحلم معنا على هذا النحو في ظل الثورات العربية، فهي أكثر «واقعية»!! من ذلك، كما أن أمراً كهذا لا ينسجم مع «البزنس» للأولاد والتسهيلات وبطاقات الفي آي بي، لكن المطلوب منها هو الحديث عن مسار يحقق برنامجها الذي تتحدث عنه ممثلاً في الدولة المستقلة كاملة السيادة على الأراضي المحتلة عام 67 بما فيها القدس الشرقية، وهو مسار لن يحققه نضال يوم الجمعة ضد الجدار في عدد من القرى (ماذا يقولون في حكم محكمة لاهاي ضد الجدار الذي بقي حبراً على ورق؟!).

 

لا نريد تخريب العرس، ونقدر صدق مشاعر معظم من احتفلوا بتوقيعه، لكننا لن نتجاهل العقيدة التي بنيت عليها أجهزة الأمن في الضفة (التنسيق الأمني لم يتوقف إلى الآن بحسب الإسرائيليين ولم يفرج عن المعتقلين)، كما لن نتجاهل غياب البرنامج السياسي للمصالحة، أعني البرنامج الذي يحقق الدولة العتيدة، واكتفائها بتسوية شبه عشائرية، الأمر الذي كان مفهوماً بالنسبة للسلطة ولم يكن كذلك بالنسبة لحماس لولا ورطتها في القطاع التي دفعتها نحو صيغة تلبي مطالب سلطة أوسلو وليس قضية التحرير التي يريدها قادة السلطة من خلال التفاوض مهما امتد زمنه، فيما أخذوا إلى جانب ذلك فرصة تصحيح الوضع «الشاذ» من خلال انتخابات رئاسية وتشريعية بعد سنة، مع انتخابات للمجلس الوطني لن تجري إلا في الداخل خوفاً من تفوق حماس في الخارج (قد تجري في لبنان أيضاً)، والنتيجة هي منح البوصلة العبثية ما يلزمها من شرعية، أو فوز حماس وعودة الحصار أو تقديمها المطلوب سياسياً (شروط الرباعية إياها).

 

لذلك كله نجد من الصعوبة الترحيب بالمصالحة بصيغتها التي نعرف، تماماً كما نرفض الاستفتاء على الثوابت، لكننا مع ذلك لا نتمنى لها أن تتعثر، بقدر ما ندعو الله أن تؤدي إلى حوارات جدية بين الطرفين تفضي إلى اتفاق على مسار ينهض بالقضية في ظل أجواء عربية رائعة وغير مسبوقة تسمح بإنجازات حقيقية في مواجهة الاحتلال.

 

صحيفة الدستور الأردنية