خبر الدولة الثابتة في المقبرة - إسرائيل اليوم

الساعة 10:08 ص|08 مايو 2011

الدولة الثابتة في المقبرة - إسرائيل اليوم

بقلم: حاييم شاين

تتحدث المقبرة العسكرية في كريات شاؤول بصمتها عن قصة نهضة دولة اسرائيل. انها دولة صغيرة قامت من رماد المحارق والابادة الفظيعة والحل الذي كاد يكون نهائيا للمشكلة اليهودية. اذا كانت توجد معجزات في العالم فان أكبرها هي قدرة بقايا السيف على إحياء رؤيا العظام التي جفت والخروج في رحلة اخرى للتضحية والتغرير بالنفس من اجل تجديد البعثة اليهودية في ارض اسرائيل بعد ألفي سنة جلاء.

في كل سنة في يوم ذكرى ضحايا معارك اسرائيل أخطو بين صفوف طويلة من شواهد القبور دُفنت تحتها أحلام لن تتحقق أبدا وأمل لن يرى النور. الازهار الحمراء والنباتات الخضراء بين القبور سقتها دموع الآباء والاخوة والاصدقاء. وهي دموع تُسفح في تيار لا ينتهي في هاوية النسيان التي لا تنسى.

منذ يوم انشاء دولة اسرائيل حتى هذا اليوم لم تكف هذه الارض عن استيعاب الضحايا الذين بذلوا أنفسهم من اجل نهضة الشعب والبلاد. إن كثرة القبور تضلل احيانا، فكل جندي سقط هو عالم كامل خرب. عالم بلغ نهايته قبل أن يبدأ وجدان أوله. مثل اشجار الزينة تلك التي اجتُثت قبل أن تُخرج ازهارها الجميلة.

ماذا كان يحدث لو؟ اسأل نفسي أكثر من مرة وأتخيل رفاقي الذين سقطوا في حرب يوم الغفران. رفاق السلاح. خرجنا معا لحرب دامية، ولم نتخيل ان الحروب تبدو كذلك: حمراء وسوداء ومهدِّدة. إن مئير شتاين الذي كان معي في دبابة وقُتل حينما أصابتنا قذيفة اصابة مباشرة كان يمكن أن يصبح واحدا من قادة جهاز الامن العام وجدا لأحفاد. ويسرائيل اغلبرغ مع مواهبه المميزة كان يمكن أن يصبح صاحب مشاريع هاي تيك ناجحا تسع العالم، وايال شاحم الذي خدمت معه في دورة ضباط مدرعات وفي اللواء 188 كان يمكن ان يصبح ضابطا كبيرا متقاعدا مثل والده في حينه تماما. وقائمة اولئك الذين كانوا يستطيعون ان يكونوا طويلة ومؤلمة. انهم عوالم كاملة خربت.

إن قطعة ارض من سقطوا في حرب يوم الغفران الزحام فيها أقل في السنين الاخيرة. فكثير من آباء القتلى لم يعودوا أحياء. أخذوا معهم الى قبورهم الحزن الذي لا ينقطع، والابتسامة المكفوفة والشوق الذي لا نهاية له كالصحراء. يسمع أبناء اخوة شبان أصبحوا هم أنفسهم جنودا في جيش الدفاع الاسرائيلي، حول القبر قصصا وتفاصيل معلومات عن أعمام لم يعرفوهم وقُتلوا قبل أن يولدوا. قُبيل نهاية مراسم الذكرى أتوجه الى قبر إشعياء بروختمان من السرية ب في الكتيبة 890 في قطعة الضحايا في عمليات الرد في الخمسينيات. وتكاد هذه القطعة تخلو من الزائرين. لم أعرف إشعياء. كنت ولدا عندما قُتل بصفة جندي من الطلائعيين في سلاح المظليين. كان بيت والديه بالنسبة إليّ أول لقاء لي مع الثكل. في غرفة الضيوف لديهما كانت صورة لاشعياء بالبزة العسكرية، وقد وضعوا على وسادة صغيرة جناحي الهبوط المظلي والرمز العسكري. كان ذلك مذبحا صغيرا لضحية في بيت في تل ابيب، فهمت آنذاك الثكل لأول مرة – لا نهاية له والألم لا يقف لحظة واحدة. لا تستطيع أي رتابة حياة ان تطرد التوق والشوق عند أم الى ابنها الذي قُتل.

أورثنا ضحايا المحرقة بموتهم دولة. وأورثنا ضحايا الحروب دولة كان يفترض ان تكون مستقيمة وسليمة وعادلة. دولة تسوغ التضحية الضخمة للساقطين في الحروب وأبناء عائلاتهم.