خبر عن الغضب والبطولة -معاريف

الساعة 07:50 ص|27 ابريل 2011

عن الغضب والبطولة -معاريف

بقلم: روتي سيناي

(المضمون: نجاح التونسيين في اسقاط حكم ساد فيهم على مدى ربع قرن أزال بقدر كبير حاجز الخوف الذي شل السكان في الدول العربية على مدى السنين - المصدر).

        في كانون الثاني 1969، في ميدان براغ المركزي، أحرق نفسه طالب يدعى يان بلاخ، احتجاجا على الاجتياح السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا. انتحار بلاخ جعله قدوة الشجاعة، رمز المقاومة للقمع.

        بعد 32 سنة، في ميدان تونس المركزي، أحرق نفسه محمد بو عزيزي، ابن 26 سنة، عاطل عن العمل أقام بسطة خضار دون الحصول على رخصة. وعندما أمرت الشرطة باغلاق البسطة أحرق نفسه حتى الموت. انتحاره جعله هو ايضا رمزا للبطولة، وأضرم نار التمرد في أرجاء العالم العربي، من تونس وحتى طهران. ثمانية مواطنين عرب على الأقل ساروا في طريق بو عزيزي وأحرقوا نفسهم حتى الموت في الاشهر الاخيرة، تعبيرا عن اليأس والغضب ضد حكام فاسدين. الآلاف قُتلوا على أيدي السلطات في بلدانهم وهم يتظاهرون من اجل حرياتهم التي يستحقونها.

        أحاسيس قوية من الاهانة، الظلم، الاحباط واليأس وحدها يمكنها ان تحرك مواطنين مطمئنين نحو الدبابة ووابل الرصاص والغاز المسيل للدموع. الفقر المدقع وانعدام الأمل وحدهما يدفعان الناس الى المخاطرة بالاعتقال، التعذيب وفقدان الحياة. البطولة السامية التي تظهر في الاشهر الاخيرة في مشاهد شبه خيالية في الدول العربية لا تقل عن بطولة المتظاهرين التي أضعفت أسس الستار الحديدي الذي فصل بين الغرب الديمقراطي والشرق الطاغي ودفن الدكتاتورية السوفييتية.

        ولكن ليس مثل حالة المتظاهرين إياهم، فان الموقف من الثوار العرب بشكل عام بارد وشكاك. هناك من يدعي بأن المتظاهرين، سواء عن قصد أم عن غير قصد، سيؤدون فقط الى تغيير حكم طاغ علماني بحكم طاغ ديني، مثلما في ايران قبل ثلاثين سنة. آخرون يطرحون حجة غبية في ان العرب غير جاهزين للديمقراطية لانه يوجد تضارب بنيوي بين هذه القيمة وقيم الاسلام. كيف يكون الناس غير الجاهزين للديمقراطية قادرين على ان يضحوا بأنفسهم كي يحققوها؟.

        ينبغي الافتراض بأن للمتظاهرين أحلام مختلفة – سواء كانت هذه تطلعات لحكم اسلامي أم لمكان عمل ومصدر رزق أم لحرية التعبير. هذا لا يغير في الامر من شيء. الحقيقة هي انهم جاهزون لأن يضحوا بأنفسهم ويُعرضوا للخطر أحبائهم من اجل معتقداتهم وأحلامهم.

        للكثيرين ليس هناك ما يخسرونه. فهم غارقون في البطالة والفقر ولا يرون أملا في التحسن. فقد اكتسبوا التعليم العالي، تنقلوا من القرية الى المدينة وأملوا في مستقبل أفضل من مستقبل آبائهم وأمهاتهم، ولكن الانظمة في دولهم خيّبت آمالهم. وقد عبّر عن ذلك جيدا رجل ذو شارب وقف في ميدان التحرير، أمام جنود مسلحين، ورفع يافطة كتب عليها: "أريد أن آكل، راتبي الشهري 267 جنيه (نحو 25 دولار) وعندي اربعة اطفال".

        نجاح التونسيين في اسقاط حكم ساد فيهم على مدى ربع قرن أزال بقدر كبير حاجز الخوف الذي شل السكان في الدول العربية على مدى السنين. وقد نشرت عدوى هذا النجاح في الجماهير جرثومة الثورة، وبث الأمل في قلوب مواطني ليبيا الذين ذبحتهم القذائف من الجو فيما هم لا يحملون غير العصي والحجارة.

        العاجز مقطوع الأطراف الذي تقدم على كرسي المقعدين في ميدان التحرير نحو الصف الاول في وجه الزعران الذين أرسلتهم السلطة؛ النساء والرجال الذين ساروا في البحرين نحو قوات الجيش التي قبل يوم من ذلك فتحت النار الحية على المتظاهرين؛ الممرضون والاطباء الذين تجاهلوا تهديدات الجنود وركضوا نحو الجرحى لمعالجتهم، بعضهم بثمن ضربات قاتلة، والتهديدات بالاغتصاب والقتل. بجسارتهم نجح متظاهرون هادئون في اسقاط زعماء قدامى الامر الذي تحقق حتى الآن فقط بواسطة قوة الذراع للجيوش الغربية.

        ومثل الرجل الذي وقف أمام طابور الدبابات في ميدان تيانمين في بجين قبل عشرين سنة، هكذا ايضا الابطال الشعبيون في المغرب يطالبون بالحرية والكرامة. كفاحهم العنيد هو انتصار لروح الانسان على وحشية آلات اطلاق النار. الفيلسوف اليوناني توكيديدس كتب يقول ان "سر السعادة هو الحرية وسر الحرية هو البطولة". لا ريب أن ربيع الشعوب العربية، النُبل والبطولة، هي دليل على صحة تشخيصنا.