خبر من يُرَوْن ولا يرون- هآرتس

الساعة 08:41 م|25 ابريل 2011

من يُرَوْن ولا يرون- هآرتس

بقلم: جدعون ليفي

إن اكثر من 300 ألف اسرائيلي يعودون الآن الى بيوتهم؛ فقد استجموا وتنزهوا خارج البلاد مرة اخرى. الشعب المسافر – يُرى ولا يرى. ترونهم في كل مكان من الهند الى اثيوبيا، وتسمعونهم ايضا يُضجون العوالم لكن أكثرهم سيعودون دون أن يروا كثيرا واستوعبوا أقل من ذلك ايضا.

سيعود نحو من 20 ألفا من سواحل سيناء دون ان يروا مصر؛ ويعود آلاف الطلاب كل سنة من بولندة دون ان يتبادلوا كلمة واحدة مع بولندي؛ وسافر مئات الآلاف من الاسرائيليين سنين الى تركيا من غير ان يتعلم أكثرهم شيئا عن حضارتها وواقعها؛ ويعود عشرات الآلاف من الشباب من سنة خدمة في ارض النار أو سواحل غاوا من غير ان يستمعوا للحظة ما عند هندي أو هندي احمر يقوله لهم. سافر مئات الآلاف من الاسرائيليين الى امريكا واوروبا والى الشرق والغرب، وسيعودون متبلدين مغلقين كما خرجوا. يبدو انه لا يوجد شعب آخر يسافر بهذا القدر، نعني الاسرائيلي المتنقل، ولا يوجد شعب آخر يدير ظهره وقفاه للعالم مثلهم. كان يمكن ان نتوقع من أبناء شعب سواح الى هذا الحد أذنا مصغية وعينا مفتوحة لما يمكن ان يُرى ويُسمع في العالم، لكننا في شأننا وفي انطوائنا وتبلد حسّنا عما يفكر فيه العالم.

تبدأ كل رحلة عندنا بحملة تخويف وطنية. جُملة من تهديدات الارهاب والتحذيرات من السفر لا تتحقق كلها تقريبا، ولا نستجيب لها. كانت الصيحة الاخيرة في نهاية الاسبوع ان عملية عالمية اخرى في الطريق. فماذا يفترض ان نفعل، هل ان نحذر؟ كيف بالضبط؟ ألا نسافر؟ ألا نسافر في سيارات أجرة؟ على كل حال، قُتل في اسرائيل في العمليات التفجيرية عدد أكبر كثيرا من الاسرائيليين دون أي تحذيرات سفر. الى جانب تهديدات مقر محاربة الارهاب، جاء الكلام المعتاد المهدِّد على العالم الذي كله ضدنا. فالبولنديون معادون للسامية، ولا يوجد ما نقول عن الالمان والاتراك، والسويديون كارهون والفرنسيون كذلك. سيعود كل شاب تقريبا مع قصة مختلقة عن واقعة معادية للسامية مزعزعة.

بعد التخويف يأتي التكبر الاسرائيلي المعتاد ايضا. فالامريكيون مربعون، والهنود بدائيون، والامريكيون الجنوبيون ضعفاء، والاتراك مسلمون، والبريطانيون قدماء، والاسكندنافيون ساذجون والايطاليون سخفاء. أما اسرائيل فالشعب المختار. سنعلم الجميع درسا في الارتجال والقدرة على البقاء والاحتيال والخديعة. لا يعني انه لا يوجد ما نُعلم العالم بل يوجد ويوجد، لكن ألا يكون ذلك بقليل من التواضع؟ أفلا يوجد ايضا في العالم ما يعلمنا إياه؟ لا، هذا غير موجود. فكل محلي لم يسمع بايتمار جاهل، وماذا نعلم عنهم؟ لا شيء.

بعد ذلك يأتي الانطواء. ما ألذ ان يجلس الاخوان معا. بين بيت حباد في نيبال ومطعم حمص موشيه في تايلاند يجتمعون جماعات جماعات، وفرقا فرقا، اسرائيليين مع اسرائيليين ودخول الغرباء محظور. يأكلون الشاورما والشكشوكة، وقطع اللحم في الأرغفة والبيتزا في أطباق، كما في البيت؛ وكذلك المرق والكورن فليكس من البيت. من اجل هذا سافروا طول هذا الطريق الى هناك. كُن اسرائيليا في خيمتك واسرائيليا في خروجك: حتى في روما لا يسلكون سلوك الرومان.

كان يمكن ان نتوقع من هذه الرحلات المباركة في ذاتها شيئا مختلفا. كان يفترض ان تغرس قدرا أكبر من الانفتاح والتواضع وحب الاستطلاع والمعرفة. وكانت تستطيع ان تعلمنا انه برغم كل ما قالوا لنا فليس العالم كله ضدنا، وأننا لسنا دائما في مركزه، وأن هناك عالما بلا اسرائيل وهو غني بثقافة مختلفة ودروس. كان يفترض ان توسع الرأي وفهم انه يحسن من آن لآخر ان نصغي لما عند العالم ليقوله لنا لكننا في شأننا: فالقانون الدولي لا يتعلق بنا ومثله ايضا المؤسسات والمنظمات الدولية، والرأي العام العالمي لا يعنينا، وكذلك ايضا مواقف حكوماته. ولا يوجد ما نستمع اليه من دروس تاريخية لشعوب اخرى.

وجدت من قبل شعوب منغلقة اخرى جاءت وذهبت في بلدان البحر. لكن ادارة الظهر للعالم على هذا النحو مع التنقل الذي لا ينتهي فيه هو اختراع اسرائيلي حقا. لماذا؟ لان كونك اسرائيليا يعني ان تكون الأكثر شعورا بذلك.