خبر تحريك تسووي.. وحراك لشطب حق العودة../ عبد اللطيف مهنا

الساعة 11:34 ص|24 ابريل 2011

تحريك تسووي.. وحراك لشطب حق العودة عبد اللطيف مهنا

لا شيء يشغل الغرب هذه الأيام بقدر ما هو منشغل الآن بما يعدها الثورة العربية الكبرى. اليقظة العربية الثورية بتجلياتها الإنتفاضية في عديد أقطار الأمة، أبعاداً ونتائج وتداعيات، هي محل متابعته الدقيقة وقراءته المدققه، وبحثه الدائب لكيفية درء انعكاساتها على مصالحه، وقبلها أمن إسرائيله ومستقبلها في المنطقة، وله في ذلك أهداف ثلاثة، أولها حماية إسرائيل وثانيها تقليل خسائره، وثالثها، وفي سبيل تحقيق هذين الهدفين، توفير سبل احتوائها وحرفها، ذلك عبر أشكال عديدة تتناسب مع كل ساحة من ساحاتها، فإذا عزّ التدخل المباشر، أو على الطريقة الليبية، فليكن عبر الثورات المضادة، وفي كل الحالات إذكاء الفتنة الطائفية ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وتدبير مكائد إشعال الحروب الأهلية ما تسنى له ذلك. وإذا كانت إسرائيل مستقبلاُ ووجوداً ودوراً ووظيفةً في سياق المشروع الغربي في بلادنا هي حجر الزاوية في هذا الإنشغال، فإن الإرتباك البادي والقلق الإستراتيجي الإسرائيلي المعبِّر عنه، أو الذعر الوجودي المكتوم الذي يلتاث الإسرائيليين جراء هذا الحدث التاريخي العربي، هو الآن المحرك الكامن وراء بداية الحراك السياسي المتعلق في الغرب.

 

الطرفان، الإسرائيليون والغرب، الآن لسان حالهما يقول: أنه إلى جانب ما تقدم، لا بأس من استغلال انشغال العرب بمتحولهم الجارف، وما تفرضه ظروف وخصوصيات وأولويات كل ساحة عربية على حدة، واستباقاً لبدء تصاعد فرص ميلاد رأي عام عربي فاعل يستعيد مسلمات الأمة حيال قضيتها المركزية في فلسطين... استغلاله لأمرين وعلى وجهين:

 

على الصعيد الإسرائيلي، دفع عملية التهويد إلى أبعد مداها لفرض أكبر قدر من الأمر الواقع، أو ما نشهده يومياً في الضفة المحتلة من استكمالات للتهويد الديموغرافي بعد الإقتراب من إكمال التهويد الجغرافي، وتشديد الحصار الإبادي على غزة. وعلى الصعيد الغربي، حراكاً تسووياً، أو بالأحرى تصفوياً، للقضية، ووفق المنظور الإسرائيلي، ذلك، كما قلنا، استباقاً لعواقب جاري التحولات العربية... حراكاً، إن لم تتحقق فرص فرض تسويته المرادة، فعلى الأقل، استخدامه كورقة إيهامية من أوراق الخداع المختلفة التي يجري لعبها في محاولات احتواء هذه التحولات والحد من خطرها.

 

بدأ الحراك تحريكاً مزمعاً لما تدعى "العملية السلمية"، كنا قد تطرقنا له في مقالنا السابق. في البدء كانت "الرباعية" ومحاولة طرح مبادرتها التحريكية، عاجلتها الولايات المتحدة بالضربة القاضية... دعوا الأمر لنا، أوباما هو من سيحرِّك. ابتلع الرباعيون ألسنتهم. بيد أن مقدمات ذلك التحريك الأوبامي المزمع لم تنقطع حتى قبل ما كان من الرباعية. كانت تلوح في تل أبيب ورام الله وباريس وواشنطن بتعابير مختلفة، كما كثر الحديث عن مسألة الاعتراف بـ"الدولة" الموعودة، بالتوازي مع الحديث في رام الله عن نية طرح المشروع على الجمعية العمومية للأمم المتحدة. ثم جاءت التصريحات الفرنسية الملوِّحة بالاعتراف الأوروبي. بيد أن قمة ما توصلت إليه هذه المقدمات كانت ما عبر عنه أبو مازن في باريس، ذلك في إجابة له على سؤال للفيغارو حول رغبة أوباما في تقديم ما عنده من تحريك، حيث أجاب: "نعم، ويجب عليه أن يفعل". أعقب هذا إعلانه عن مبادرات ينتظرها حول "عملية السلام" بينه وبين الإسرائيليين في مؤتمر سيعقد الشهر الذي سيلي القادم...

 

وأخيراً كشف دخان التحريك عن نار الحراك فيما سربته "النيو يورك تايمز"، حول جدل قالت أنه يدور داخل البيت الأبيض "حول ما إذا حان الوقت كي يلقي أوباما خطاباً مهماً حول الثورات العربية في العالم العربي، وما إذا كان عليه أن يستغل المناسبة لاقتراح خطة جديدة للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين". هيلاري كلينتون وخارجيتها تدعم، ودنيس روس مستشار أوباما لشؤون الشرق الأوسط يعارض! أما الخطة فمن أربع نقاط: "دعوة الإسرائيليين للقبول بدولة فلسطينية بحدود العام 1967. وقبول الفلسطينيين بالتخلي (أو تنازلهم) عن حق العودة. القدس عاصمة للدولتين. حماية أمن إسرائيل".

 

ما تقدم توازى مع حراك إسرائيلي غير منفصل عنوانه تظاهرة لما يدعى نشطاء من "اليسار" الإسرائيلي تطالب بإعلان "الدولة" الفلسطينية، وتماماً وفق ما تدعو إليه نقاط أوباما المسرّبة ومقدمات باريس المعلنة.

 

... إذأً، في حومة انشغال الأمة بتحولاتها التاريخية، وبلا معزل عن التحوط لتداعيات هذا التحولات التي لا راد لها، هناك شيء ما يطبخ لقضية قضايا العرب المركزية في فلسطين، والطبخة التي بدأت روائحها تفوح من باريس وواشنطن ليست وليدة تحضيرات هذه المرحلة فحسب، وإنما يمكن العودة لبدايات هذا يوم أن وعد سلام فياض جازماً بتحقيق دولته محدداً ذلك بأنه بعد سنتين، ومن يومها بدأ في التحضير لها على طريقته. موعد سلام اقترب أجله... وإذا كان "القبول الإسرائيلي"، وفق خطة أوباما، خاضع للانتقاص وتحت طائلة تبادل أراض، وبقاء الكتل الإستعمارية، إلخ الطروحات الإسرائيلية المعروفة، و"القدس الفلسطينية" وفق منطق إسرائيلي سابق هي بلدة أبو ديس، وحماية إسرائيل بالتسوية ومن دونها أمر مفروغ منه غربياً، والدولة الفلسطينية كانت قد أعلنت منذ العام 1988 في الجزائر، وإعلانها من عدمه، وحتى ولو اعترف بها كل العالم، هو رهن بما يقبله الإسرائيليون من خطة أوباما، فإن التحريك الذي غدا حراكاً، وبغض النظر عن ما سيسفر عنه، هدفه الرئيس هو الإجهاز على حق العودة، أو جوهر القضية الفلسطينية... ذلك الذي لا يتفق مع مسلمات شعب مناضل لن يستسلم وأمة هبت فاستعادت إرادتها وبدأت تستعيد مسلماتها الفلسطينية.