خبر متى تصبح الجامعة جامعة فتجد لهذا الداء دواء؟!

الساعة 09:43 ص|20 ابريل 2011

متى تصبح الجامعة جامعة فتجد لهذا الداء دواء؟!

          بقلم:الدكتور/أيوب عثمان

            كاتب وأكاديمي فلسطيني

        جامعة الأزهر بغزة

 

بينما كنت صاعداً إلى الطابق الرابع من المبنى الغربي  K3عند العاشرة والربع من صباح هذا اليوم الثلاثاء 19/ 4/ 2011 لتأدية محاضرة تعويضية تسبق المحاضرة الأصلية عند الحادية عشرة وحتى الثانية عشرة، ووسط قوافل هجرة جماعية من القاعات التدريسية إلى خارجها، استوقفني بعض الأساتذة الزملاء لإبلاغي أنه لا محاضرات، فسألت مستهجناً: لماذا؟! فكان الجواب: "تعليق". سألت مستهجناً أيضاً " من مين التعليق؟!"، فكان الجواب: "يعني من مين؟! من اللي منه التعليق دايماً". كررت السؤال، فكان الجواب: " من الطلاب"!!!

 

صعدت إلى قاعة الدرس المخصصة لأجد طلبتي ( طلاب وطالبات / مشترك) في انتظاري، فَسُّر خاطري. غير أنه لم يمضِ على دخولي القاعة إلا نحو خمس دقائق فقط، حتى اقتحمت ( أي دخلتْ بلا استئذان مع الفوضى والصراخ والفجور وقلة الاحترام وانعدام اللياقة) القاعة مجموعة سَدَّ قوامها المكان طولاً وعرضاً من باب القاعة حتى جدارها الشمالي مع  كثافة المقتحمين في المكان الذي  أقف فيه عند الطاولة وحواليها. مجموعة من مجموعة الاقتحام تتوجه باستنفارها للطلبة كي يتركوا قاعة الدرس ويخرجوا، فيما المجموعة الأخرى تحاصر أجسادها وقفتي وتتعالى من أفواهها صرخات ليس فيها إلا قلة الأدب وانعدام اللياقة وطغيان الفجور: يا الله... اطلعوا... مفيش محاضرات ... ممنوع التدريس ... اطلع يا أستاذ ... علقنا الدراسة ...بالله يا أستاذ اطلع بالزوق ... يا دكتور ما تخلينا هه ... إحنا بنحكي معك بالزوق ... اسمع الكلام وما تضطرنا نشتغل شغل تاني... وهكذا!

 

حاولت أن آخذ بأيديهم وأوجههم وأصوب سلوكهم، فقلت لهم: يا شباب أنيبوا عنكم واحداً يتحدث باسمكم ولا داعي لوجود الجميع منكم في القاعة . قالوا: لأ ... سيبنا من الكلام الفاضي ويا الله اطلع .  قلت : من أنتم؟ فقالوا: إحنا مجلس الطلاب. قلت: إذا كنتم مجلس طلاب، مع أنه لا يوجد في الجامعة مجلس طلاب حتى الآن، فأنتم تتحدثون مع طلاب مثلكم، ولا تتحدثوا مع أساتذتكم. مرجعية الأساتذة والعاملين إما إدارة الجامعة وإما نقابة العاملين، وبالتالي أنا لا أعلق التدريس إلا إذا طلبت مني إدارة الجامعة أو نقابة العاملين ذلك. أما أنتم فلا قول لكم على  أي أستاذ أو عامل في الجامعة . قالوا وبكل فجور: كلامنا بدو يمشي عليك وعلى رئيس الجامعة قبلك. قلت: لن يسري كلامكم عليّ، والأفضل لكم أن تخرجوا من القاعة، وفوراً ...  أما انا فلن أخرج ... المحاضرة مستمرة، وطلبتي موجودون، وأنا أستاذهم ولن أخرج... أما من يريد من الطلبة أن يخرج فليخرج... هو حر وهذا خياره، أما أنا فلن أخرج... وأنتم ليس لكم الآن إلا أن تخرجوا بعد أن أبلغتم الطلبة بالتعليق.

خرجوا... ولكن كيف خرجوا؟! خرجوا وبعضهم يشتم، وبعضهم يهدد الطلبة ويستحثهم على الخروج، فيما بعضهم يركل الطاولة برجله، وبعضهم يصفع الجدار بقبضة يده، وبعضهم يضرب الباب بقدمه... وهكذا ... مع صيحات هيه..هيه..هيه!!!

بعد خروجهم، تحدثت مع طلبتي قرابة ربع ساعة، قبل أن ننصرف، حول هذا التصرف الفريد من نوعه في العالم من حيث انعدام الذوق وانعدام الأدب وانعدام اللياقة وطغيان الوقاحة والفجور، وكيف يمكن لنا معالجة هذا الداء المزمن دون اقتتال، ثم بادرت – في وجود طلبتي – بمهاتفة الأخ الدكتور/ أحمد التيان، بصفته رئيساً لمجلس النقابة الجديد المنتخب، حيث شرحت له ما جرى، على مسمع من طلبتي ومرآهم، طالباً منه التدارس مع إدارة الجامعة لوضع حد لمثل هذا التصرف الذي إذا ما استمر سكوتنا عليه، حققنا نحن بأيدينا تدمير جامعتنا وانهيارها بامتياز.

إننا الآن – والحالة كما وصفنا - نعيش في جامعة مهدرةٌ قيمة الأستاذ فيها... نعيش في جامعة يقتحم الطلبة على أساتذتهم قاعات الدرس بغية إخراجهم منها! أهكذا تكون الجامعة؟! إن الجامعة ينبغي لها الآن الآن، وليس غداً، أن تضع حداً لكل ما يشوه صورتها، ويذهب هيبتها، ويدنس قدسيتها وقدسية حرمها، ويسلب منها استقلاليتها.

وبعد، فبئست جامعة مثل أولئك هم طلابها، وبئست جامعة تحتوي طلاباً يقتتلون بالعصي والقضبان الحديدية والنبابيت والحجارة والسكاكين بين جنباتها وفي داخل حرمها، وبئست جامعة تظل إدارتها مغلولة الأيدي، مغلقة الآذان، معصوبة الأعين، فلا تحرك ساكناً ضد قبح صارخ وفاضح يحتويها، فيما تصر  هي على الادعاء بأن كل ما فيها جميل في وقت ليس الجميل فيها إلا أقل القليل.

أما آخر الكلام، فهل نسلط الضوء على عصي وسكاكين وقضبان حديدية يقتتل حاملوها داخل أسوار جامعة يسعون بما يفعلون إلى تزيينها وتجميلها في أعين المقيمين فيها والمنتفعين منها والمارين من الناظرين إليها، أم نسلط الضوء على طلاب يخرجون بالقوة وقلة الأدب والبلطجة من قاعات الدرس أساتذتهم، أم نسلط الضوء على إدارة جامعة لا حول لها ولا قوة، حيث مبلغ همها أن تجلس ولا تفعل، أم على إدارة جامعة تفهم أنه ليس لها إلا أن تفعل فتجلس... إدارة جامعة تجتهد فتجد لمثل هذا الداء دواء؟!