خبر جنين جنين -هآرتس

الساعة 08:10 ص|07 ابريل 2011

 

جنين جنين -هآرتس

بقلم: آري شبيط

(المضمون: ازدواجية نظرة التنور الغربي واليسار الاسرائيلي الى الشرق والغرب فهما يعاملان الشرق وقوى الظلام فيه بمقاييس لا يعاملان بها ما يريانه شرا في مجتمعاتهما - المصدر).

ليس صعبا أن نصف ماذا كان سيحدث لو أن جوليانو مير كان قُتل على أيدي يهود. كان القتل سيحظى بعنوان صحفي ضخم في صحيفة "هآرتس". وكانت ستظهر تحت العنوان خمس مقالات غضب – واحدة منها لي. وكان الكُتاب سينددون بشدة بالقتل اليهودي ويدعون الى الخروج لحرب ثقافة لمواجهة التطرف اليهودي. وكان بعضهم سيطلب عدم تكرار الخطأ الذي تم بعد قتل غولدشتاين واخلاء مستوطنات فورا. وكان آخرون سيطلبون التحقيق فيما يحدث في المعاهد الدينية التحضيرية وفي جهاز التربية الرسمي – الديني.

        كانت ستُستل مقتبسات عنصرية مختارة من كتابات لحاخامين ظلاميين، وكانت ستتم مقارنات تاريخية مع مقتل إميل غرينسفايغ ومقتل اسحق رابين ومقتل مارتين لوثر كينغ. وفي غضون يوم كان مير سيصبح أيقونة. ومع خروج السبت كان آلاف سيجتمعون ومشاعل في أيديهم لرثاء بطل السلام والثورة على قوى الظلام. كان قتل مير على أيدي يهود سيقيم اليسار من جديد ويوحد اليسار من جديد ويرسل اليسار الى معركة جديدة مع الفاشية اليهودية القاتلة.

        لكن جوليانو مير لم يُقتل على أيدي يهود. لهذا لم يحظ بعنوان صحفي ضخم بل بعنوان صغير. لهذا لم يحظ في ذلك اليوم بخمس مقالات غضب بل بمقالة حزن (جميلة) واحدة. لم يتحدث أحد عن العنصرية وعن التطرف وعن الفاشية. ولم يتحدث أحد عن اجهزة تربية تذيع الكراهية وعن رجال دين ظلاميين. ولم يصبح مير أيقونة ولم يحظ بمظاهرة آلاف.

        لم يثر مقتل مير احتجاجا أو هبّة أو غضبا مقدسا. إن اليسار الاسرائيلي، الذي يعرف بالضبط ماذا يفعل في القتل على أيدي يهود، لا يعرف ماذا يفعل في القتل على أيدي فلسطينيين. إن قتل بطل سلام على أيدي فلسطينيين هو قتل لا مكان له في الخريطة الشعورية والقيمية لليسار. إن قتل بطل حرية على أيدي فلسطينيين هو حدث يثير دغمائية ويثير مبدأ بالنسبة لليسار. وإن قتل مير على أيدي فلسطينيين هو قتل حكمه أن يُكبت.

        القضية عميقة وواسعة ولا تتعلق باليسار الاسرائيلي فقط. إن أحد المميزات البارزة للتنوير الغربي في القرن الواحد والعشرين هو عدم قدرته على التنديد بقوى الشر في العالم العربي الاسلامي. إن التنور الغربي يحب انتقاد الغرب. وهو يحب على نحو خاص ان ينتقد حلفاء الغرب في الشرق. لكنه عندما يلقى شرا مصدره الشرق يصمت، ولا يعرف كيف يواجهه.

        من السهل على التنور الغربي الثورة على حسني مبارك الموالي للغرب، لكن يصعب عليه الثورة على الاخوان المسلمين. ويسهل عليه الثورة على بنيامين نتنياهو، لكن يصعب عليه الثورة على بشار الاسد. وهو غير قادر على نضال احمدي نجاد الايراني كما ناضل بوش الامريكي، وبابوتا من جنوب افريقيا أو ميلوسوفيتش الصربي.

        والنتيجة هي سلسلة طويلة من التشويهات. إن دماء قتلى "مرمرة" أشد كثافة من دماء المشنوقين والمقتولين في ايران. ودماء قتلى غزة أشد كثافة من دماء قتلى دمشق ودرعا. إن عقدة بعد استعمارية تجعل التنور الغربي يتجاهل على نحو منهجي المظالم التي تسببها قوى معادية للغرب.

        بهذا يفقد قدرته على رؤية الواقع التاريخي في شموله وتعقيده. وبهذا يعمل ايضا على نحو غير نزيه وغير عادل. فهو يميز بين شر وشر، وبين دم ودم وبين ضحية وضحية. وهو ينظر الى مجتمعات العالم الثالث باعتبارها مجتمعات لا تخضع لقواعد الاخلاق العامة.

        ليس معلوما حتى الآن من الذي قتل مير. وهل كان السبب ماليا أو رومانسيا أو دينيا أو ثقافيا. لكن من المعلوم انه لم يُقتل لانه كان محتلا أو مضطهدا أو مستوطنا. قُتل مير لانه كان انسانا حرا، أشاع الحرية في مجتمع غير حر. تجب مجابهة هذه الحقيقة الصعبة ويجب النظر طويلا الى هذه الحقيقة الصعبة. إن التنور الغربي واليسار الاسرائيلي لا يستطيعان الاستمرار في تجاهل الجانب المظلم من الواقع في الشرق الاوسط.