خبر المصالحة الفلسطينية بعد المتغيرات الإقليمية ..علي بدوان

الساعة 07:56 م|06 ابريل 2011

المصالحة الفلسطينية بعد المتغيرات الإقليمية ..علي بدوان

من نافل القول، أن الانتفاضة الشعبية المصرية التي أطاحت في نقلتها الأولى بنظام حسني مبارك وأركانه، ستترك آثارها وبصماتها الهائلة على مسار الأحداث والتحولات السياسية في المنطقة خلال الزمن القريب، وفي القلب من ذلك القضية الفلسطينية على ضوء انسداد أفق التسوية، واصطدامها بالعقبات الهائلة التي باتت تنسفها من أساسها بعد مرور عقدين من الزمن على انطلاقتها منذ مؤتمر مدريد نهاية عام 1991.

 

وفي هذا المقام، فإن مسار الحوار الفلسطيني الداخلي، ومسار المصالحة الوطنية المنشودة، كان الأكثر تأثراً بالحدث المصري، حيث بدت أمور المصالحة الفلسطينية في سكة جديدة في سياق توالد القناعة الراسخة لدى المجلس العسكري الانتقالي في مصر، بأن مشروع وطريق المصالحة الفلسطينية عبر (الورقة المصرية) التي ذاع صيتها لابد أن يشهد تعديلات جوهرية من حيث مضمون الورقة المصرية إياها، ومن حيث إدارة العملية التصالحية، وهو ما بدا واضحاً من خلال تواتر المعلومات التي تقول إن هناك اتصالات مكثفة تجري بين القاهرة وكل من حركتي فتح وحماس.

 

طريقة أمنية مخابراتية

 

في البداية، لابد من القول إن القاهرة في ظل النظام السابق، ارتكبت خطأ جسيماً في إدارتها للعملية الحوارية الفلسطينية الداخلية ولملف المصالحة الفلسطينية، من خلال أمرين اثنين، أولهما أنها تعاطت مع الموضوع المطروح برمته بطريقة (أمنية مخابراتية) غير مريحة، فأسندت الملف بكامله للجهات والمرجعيات الأمنية المصرية التي لا تعرف للسياسة العاقلة منطقاً، ولا تعرف سوى الإملاءات وإخضاع الآخرين. فقد أوكل للمخابرات العامة والمخابرات الحربية المصرية، متابعة ملف الحوارات الفلسطينية وقضايا الخلاف والاختلاف في الساحة الفلسطينية، حتى أصبح الجنرال عمر سليمان (حاكماً بأمر السلطان) على الوضع الفلسطيني، بل وحدا الأمر به في بعض الأوقات إلى توجيه الكلام اللاذع وحتى توبيخ بعض القيادات الفلسطينية أثناء جلسات الحوار التي عقدت في أوقات متفرقة القاهرة، وهو ما سمعناه على لسان البعض منهم مباشرة في حينها بعد انفضاض كل جلسة من جلسات الحوار، فلم تكن تلك القيادات تعود من القاهرة إلا وهي ترثي حالها جراء جلوسها مع رجال الأمن المصريين كاللواء عمر سليمان بعيداً عن رجالات السياسة أو أي من أركان الخارجية المصرية على سبيل المثال.

 

وثانيهما أنها كانت ترى في ملف المصالحة الفلسطينية وفي عملية الحوار الفلسطيني الداخلي، أمراً محصوراً بين يديها وحدها، (وبوكالة حصرية) لا تقبل المشاركة من أي طرف عربي أو حتى دولي صديق، وقد حدا الأمر باللواء عمر سليمان إلى إفشال الجهود التي تقدمت بها عدة أطراف لتحقيق المصالحة، ومن بين تلك الجهود كانت المساعي التركي التي بذلتها أنقرة على خط الحوار والتواصل بين حركتي فتح وحماس من أجل تقريب وجهات النظر بينهما وصولاً إلى تحقيق المصالحة المنشودة.

 

فالفلسطينيون اتفقوا أو كادوا يتفقون في لحظات معينة على «مخرج» من استعصاء الورقة المصرية إياها، بحيث يتم الحفاظ على هيبة القاهرة ومكانة مصر (التي رفضت، بل أجهضت أي دور تركي، عندما رفضت استضافة اجتماع لحركتي فتح وحماس بحضور أحمد أبو الغيط وأحمد داود أغلو، باعتبار أنها صاحبة الوكالة الحصرية بالوساطة بين حركتي فتح وحماس) فحركة حماس قبلت بتوقيع الورقة كما هي بعد انجاز الوديعة، والرئيس محمود عباس سهّل الأمر بتمكينه الوسطاء (منيب المصري وجمال الخضري) من السير على هذا الطريق، إلى أن جاء الموقف المصري في إصراره على «الورقة المصرية من دون زيادة أو نقصان»، فعطّل الجهد والمبادرة، وأعاد الأمور إلى المربع الأول.

 

مربع المصالحة عند عمر سليمان

 

وقد كان من الواضح في حينها، أن اللواء عمر سليمان كان يعمل بمساعيه الحثيثة في سياق عملية الحوار الفلسطيني ومشروع المصالحة، لتحقيق أغراض وأهداف واضحة تنبع من الرؤية المصرية لما هو مطلوب فلسطينياً في سياق عملية التسوية المختلة على مسارها الفلسطيني - الإسرائيلي، وبالتالي جر عموم الحالة الفلسطينية الفصائلية والسياسية إلى مربع واحد عنوانه انغراس الجميع بعملية التسوية، والقبول بالبرنامج المطروح للتسوية التي تقودها الولايات المتحدة، مستبعداً في الوقت ذاته أي مساعي لتحقيق (برنامج توافقي تقاطعي ائتلافي مشترك) يشكّل عنواناً للإجماع الوطني الفلسطيني بين مختلف مكونات الشعب الفلسطيني السياسية والأيديولوجية في فلسطين والشتات. ولذلك فإن جهود اللواء عمر سليمان اصطدمت دوماً بـ (العقبة الكأداء) المتمثلة برفض وامتناع العديد من القوى الفلسطينية النزول عند الاشتراطات المصرية بشأن عملية المصالحة الفلسطينية، بما في ذلك رفض بعض القوى ومنها حركتا حماس والجهاد الإسلامي وبعض الفصائل الأساسية في منظمة التحرير الفلسطينية كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لبعض النقاط التي وردت في الورقة المصرية، وحتى حركة فتح فقد سجلت أيضاً ملاحظات عدة على الورقة المصرية، وخصوصاً ما يتعلق منها بالملف الأمني، وموضوع منظمة التحرير وإعادة بنائها أو تفعيلها. بل وبلغت الأمور عند الطرف المصري الراعي للحوار والمتمثل بشخص اللواء عمر سليمان ومعاونيه من ضباط المخابرات العامة المصرية، أن شدد في أكثر من مناسبة بأن المطلوب من الجميع في الساحة الفلسطينية، توقيع الورقة المصرية إياها لا غيرها، دون أي نقاش، وترك الأمور والملاحظات الإضافية إلى ما بعد التوقيع.

 

إن أسوأ ما في المساعي المصرية التي بذلها نظام حسني مبارك البائد بشخص اللواء عمر سليمان، في إدارة عملية الحوار والمصالحة الفلسطينية، إن اللواء عمر سليمان تبنى بالكامل الموقف الأميركي إزاء النظرة للملف الفلسطيني ولعملية المصالحة، وقد تبنى بشكل أو بآخر عراقيل واشنطن التي كانت حاضرة على الدوام في جهوده وأجندته، حيث سعت الولايات المتحدة لترويج مقولتها المعروفة بأن قبول رفع الحصار كلياً عن قطاع غزة (كما كانت ومازالت تطالب الأسرة الدولية)، والتعاطي مع مجمل الحالة الفلسطينية بتشكيلاتها السياسية المختلفة بما فيها البرلمان (المجلس التشريعي) المنتخب، ورفع (الفيتو) الأميركي عن مسألة الوحدة الوطنية الفلسطينية، يستوجب من الجميع في البيت الفلسطيني «الاعتراف بشروط الرباعية الدولية» التي تتضمن الاعتراف المباشر بـ «إسرائيل» وحقها التاريخي بالوجود (لاحظوا العبارة: الاعتراف بحقها التاريخي في الوجود وليس الاعتراف بها)، ونبذ المقاومة بوصفها إرهاباً، والالتزام بالاتفاقيات الموقعة كاملة بين «إسرائيل» والسلطة الوطنية الفلسطينية، علماً بان الطرف الذي ماطل وخرج عن الاتفاقيات والتفاهمات الموقعة هو الطرف «الإسرائيلي» قبل غيره، خصوصاً حين قام الجنرال أرييل شارون باستهداف مواقع السلطة الفلسطينية التي دمرها الطيران الحربي «الإسرائيلي» أثناء حصار المقاطعة ورحيل الشهيد ياسر عرفات بين أعوام «2002/2003/2004».

 

المناخات الجديدة للمصالحة الفلسطينية

 

إن وقائع ما بعد انتفاضة مصر، وانتصار شعبها، وإزاحة كابوس نظام مبارك، باتت تفرض تحولاً جديداً في مسار المصالحة الوطنية الفلسطينية المنشودة، فالورقة المصرية لم تفلح في تحقيق المصالحة في ذروة وجود أصحابها في موقع القرار، فكيف بها وقد أصبحوا خارج دائرة الفعل والتأثير، وقد رماهم الشعب المصري إلى خلف ظهره.

 

إن التحولات الجديدة، وآفاقها المرتقبة بعد الحدث المصري الأخير، تعني في جملة ما تعنيه، أن سقف ومسار ومستويات (ولا نقول شروط) المصالحة الفلسطينية قد اختلف عند مختلف الأطراف والقوى الفلسطينية الفاعلة في ميدان القرار والحضور على الأرض في فلسطين والشتات من حركة فتح إلى حركة حماس وما بينهما من قوى فاعلة.

 

فما كان مقبولاً قبل سقوط (مبارك وسليمان) عند بعض القوى الفلسطينية (وتحديداً حماس والجهاد ومعهما تحالف القوى) قد يصبح غير مقبول ما بعد سقوط (مبارك وسليمان) إلى قعر الهاوية. وهو ما عبر عنه بشكل فصيح زياد نخالة نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي عندما قال في لقاء مشترك «إن وثيقة 2005 الفلسطينية الموقعة بالقاهرة أصبحت من الماضي، ومن ارث نظام بائد، ولابد من وثيقة توافقية فلسطينية جديدة»، وبالطبع نحن هنا لا نتبنى موقف زياد نخالة إنما نشير إلى مغزى موقفه المشار إليه، والمتضمن ضرورة النظر بالمتغيرات الجديدة وانعكاساتها على ملف المصالحة المنشودة.

 

ومن هذا المنطلق، فإن خطوات المصالحة الفلسطينية، يفترض بها أن تقلع الآن بخطوات أولية مطلوبة من قبل مختلف الأطراف الفلسطينية لاستعادة الثقة المتبادلة التي خدشتها حوارات القاهرة السابقة في ظل رعاية رجال المخابرات المصرية، وهو ما يفترض تهيئة المناخات الداخلية عبر مجموعة من الإجراءات المطلوبة مابين رام الله وغزة، وصولاً للتأسيس لعملية حوارية جدية تحت رعاية وإدارة الجامعة العربية.

 

إن الوحدة الوطنية، واستعادتها على أساس البرنامج الوطني الائتلافي المشترك بين مكونات البيت الفلسطيني ضرورة لا غنى عنها في مسار العملية الوطنية الفلسطينية واستنهاض كل أشكال المقاومة الممكنة، وتفعيل كل الخيارات المتاحة أمام الشعب الفلسطيني، في سياق التصدي لسياسات الاحتلال وخصوصاً منها عمليات الاستيطان الاستعماري الاجلائي الجائرة المستمرة فوق مناطق القدس وغيرها من أراضي الضفة الغربية. فالوحدة الوطنية، تمثل الآن مهمة سامية وعظيمة تنتظر الجميع في الساحة الفلسطينية لترميم الجراح وبلسمتها وليس لنكئها، ومن أجل فتح الطريق أمام تطوير صمود الشعب الفلسطيني، والانتقال في معركته الوطنية والسياسية باتجاه تجاوز مشاريع الاحتلال المتلحفة بالغطاء الأميركي