خبر جمهورية برلمانية طبعًا .. د. محمد مورو

الساعة 12:02 م|03 ابريل 2011

جمهورية برلمانية طبعًا .. د. محمد مورو

 

إذا كان الحديث يدور حول مستقبل مصر والمنطقة في ضوء الثورات الرائعة التي اندلعت هنا وهناك، فإن من الضروري وضع الأسس الصحيحة لبناء هذا المستقبل، وإذا كانت مصر هي الإقليم "القاعدة" بالنسبة للعرب، وباعتبار أن مصر العربية هي ضرورة حتميَّة، على أساس أن انكفاء مصر على ذاتها، تحت دعوى نفض يدها من قضايا العرب والتركيز على البناء الداخلي هو طريق أكيد لاضمحلال مصر ذاتها، لأن مصر المنكفئة على ذاتها أشبه بسمكة في صندوق مائي، والأوكسجين في هذا الصندوق سينفد حتمًا، ومن الضروري أن تعيش هذه السمكة في محيطها العربي والإسلامي والعالمي، وإلا فقدت مستقبلها، وفقد العرب بدورهم مستقبلهم، أي أن هذا حاجة مستمرَّة ومتبادلة بين طرفين لا غنى لأحدهما عن الآخر.

 

وجزء من هذا المستقبل ضرورة وضع تصوُّر صحيح لطبيعة النظام السياسي في مصر، الملائم لها ولدورها العربي والإقليمي والعالمي، وبدايةً فإن الخيار بين نظامين سياسيين يدور حولهما الحديث أو بصورة من الصور هي ثلاثة أنظمة سياسيَّة، نظام برلماني أم رئاسي أم برلماني رئاسي، لدينا النظام الرئاسي موجود في الولايات المتحدة الأمريكيَّة مثلًا، وهو نظام قد يكون ناجحًا هناك، بالنظر إلى وجود ولايات أمريكيَّة "51 ولاية" لكل ولاية منها استقلالها الإداري ومن ثم فإن النظام الرئاسي لديهم ضرورة، لموازنة هذا الواقع، ومع ذلك فإن كثيرًا من العيوب تظهر أحيانًا في هذا الصدد، حول تداخل السلطات التشريعيَّة والتنفيذيَّة والقضائيَّة، وبالطبع فإن مصر ليس لديها ولايات أولًا، وهي متجانسة سكانيًّا ثانيًا ولكن قد يقول البعض أن مصر لديها تحديات خارجيَّة وداخليَّة تقتضي وجود رئيس ذو صلاحيات، وهذا صحيح إلى حدٍّ ما.

 

بالنسبة للنظام الرئاسي البرلماني على غرار فرنسا، وهو نظام يكون فيه الرئيس بجانب رئيس وزراء وبرلمان، فإن هذا يقتضي وجود نوع من الاستقرار التشريعي والثقافي بحيث لا تضطرب الأمور.

 

وبالنسبة للنظام البرلماني على غرار ما هو موجود في بريطانيا أو الهند أو إسرائيل، فإن هذا النظام لا يعطي للملك أو الرئيس إلا سلطات بروتوكوليَّة فقط ويسند باقي السلطات إلى رئيس وزراء منتخب من البرلمان، أي أنه يعكس قوة الأحزاب في البرلمان سواء فاز حزب وحده بالأغلبية أو حدث تحالف بين حزبين أو مجموعة أحزاب لتشكيل الحكومة، وبديهي أن هذا النظام له مميزاته وعيوبه، من وجود عدم استقرار أحيانًا أو تغيير الحكومات باستمرار، أو غيرها.

 

وبالنسبة لحالة مصر، فإن هناك عيوبًا جوهرية في النظام البرلماني إذا ما تَمَّ استخدامه فيها، على أساس عدم وجود حياة حزبيَّة قويَّة في مصر، أو أن مصر تحتاج إلى نظام قوي بالنظر إلى التحديات على حدودها وفي محيطها الإقليمي أو غيرها، ولكن موازنة العيوب والمزايا هو الذي يفصل في المسألة في النهاية.

 

أولًا ماذا نريد لمصر، هل نريد دولة قويَّة، أم نريد مجتمعًا قويًّا، الصحيح أننا نريد مجتمعًا قويًّا ودولة ضعيفة، أكرِّر دولة ضعيفة، قد يقول البعض ما المانع في بناء مجتمع قوي ودولة قويَّة، ولكن هذا غير ممكن وغير عملي وغير متاح، سأضرب مثلًا، في مواجهة إسرائيل أو أمريكا مثلًا، هل تفيدنا دولة قويَّة، هل يفيدنا جيش قوي، بالطبع لا، وصدام حسين مثلًا بنى دولة قويَّة وجيشًا قويًّا وانهارت الدولة والجيش سريعًا جدًّا، لأن من البديهي أننا مهما حصلنا على طائرات ودبابات فإن إسرائيل وأمريكا لديها ما هو أقوى، ومن ثَمَّ فإن الأموال التي تُنفق على بناء دولة قويَّة وجيش قوي هي إضاعة للمال والجهد، لأننا ببساطة لا نزال في حالة تخلف تكنولوجي بالنسبة للغرب، ولكن لو تَمَّ بناء مجتمع قوي، يتدرب فيه كل فردٍ على السلاح الشخصي ومضادات الدبابات والطائرات، لكان هذا أفضل في حالة المواجهة، وكذلك توجيه الأموال التي تُنفق على التسليح أو بناء مؤسسات قوية للتعليم لكسر الفجوة التكنولوجيَّة بيننا وبين الغرب وإسرائيل الأمر أشبه بمن لديه مبلغ محدود من المال ويريد إطعام أطفاله، والصحيح أن يبدأ بشراء خبز يكفيهم أولًا، ثم التفكير في أطعمة أخرى ملائمة، قد يكون هذا غير صحي تمامًا، ولكن البديل هو جوع الأطفال وحدوث أزمة، التفكير العلمي يجب أن يعتمد على ما تملك أولًا، ثم البناء عليه، وليس وضع تصورات مدرسية عن الضرورات الغذائيَّة ثم نقف مكتوفي الأيدي.

 

وهكذا فإن ظروف مصر تقتضي بناء مجتمع قوي حر، ودولة ضعيفة لا تتغوَّل على الناس، ولا تهدر في بنائها أموالًا ووقتًا وجهدًا بلا طائل.

 

من هنا فإن النظام البرلماني -رغم ما فيه من عيوب، هو أفضل لنا لبناء مجتمع قوي ودولة ضعيفة، مع الأخذ في الاعتبار أن مصر عرفت شكلًا من أشكال النظام البرلماني قبل 1952، وكذلك فإن كل الدول التي تأخذ بالنظام البرلماني لم تتطور يومًا إلى ديكتاتوريَّة، وأن كل الديكتاتوريات في العالم نشأت على قاعدة دول رئاسيَّة، وبديهي أن مصر عانت طويلًا من النظام الديكتاتوري، وهناك للأسف تراث وثقافة تدفع في هذا الاتجاه، نريد قطع الطريق عليها، ومن ثم فإن اختيار النظام البرلماني هو الأفضل لمصر الآن رغم ما فيه من عيوب، وهي عيوب يمكن تداركها، أما التطور باتجاه الديكتاتوريَّة، فإنه قد يدخلنا في عشرات السنوات الأخرى من المعاناة والقهر وربما الكارثة.