خبر بين الخطأ والصواب..علي عقلة عرسان

الساعة 11:33 ص|01 ابريل 2011

 

بين الخطأ والصواب..علي عقلة عرسان

 

المراقبون والمتابعون الذين يقولون إن الرئيس بشار الأسد، في خطابه أمام مجلس الشعب يوم الأربعاء في الثلاثين من شهر آذار 2011، لم يشأ أن يظهر بمظهر من ينحني " للعاصفة" فيعلن عن قرارات وإجراءات ينتظرها الكثيرون داخل سورية وخارجها، وأظهر بدلاً عن ذلك "مكابرة وتحدياً"، مستنداً إلى مظاهرات التأييد الشعبي الكبيرة التي سبقت الخطاب، وإلى المناخ الذي تم فيه الخطاب داخل مجلس الشعب الذي نهَج نهْج المظاهرات الشعبية المؤيدة، ومنطلقاً من تشخيصه لما جرى من أحداث في بعض المحافظات السورية، على أنه فتنة تذكي نارها جهات خارجية وعناصر داخلية مرتبطة بها، وهو يرفض الفتنة والتآمر الخارجي ولا يقع في أسرهما، وأن سورية قوية بخياراتها الوطنية والقومية وجبهتها الشعبية القوية المتماسكة، وتعرف كيف تتصدى للفتن ولأشكال التآمر عليها، كما تعرف كيف تنتصر في حروب تُفرَض عليها.. المراقبون الذين يقولون بذلك لم يقرؤوا المشهد من كل جوانبه، أو هم لم يستنطقوه جيداً في كل مفصل من مفاصله، ولم يتركوا فرصة زمنية لمعرفة ما سيتبع الخطاب من إجراءات سريعة.. فقد تضمن الخطاب إشارة إلى أن المطالب الشعبية التي رفعها المتظاهرون محقة، وأن معالجة هذه المطالب ضرورة وطنية يقتضيها منهج الإصلاح وتفرضها حاجات الشعب وكرامته، وأن الأمور المتصلة بهذا الشأن سوف تُتابع بجدية وسرعة على كل المستويات، ووفق برنامج زمني محدد تقتضيه الضرورات، وتفرضه الرغبة في الوصول إلى تشريعات وإجراءات تسفر عن أفضل النتائج التي يتوخاها المصلحون ويتطلبها الإصلاح.

ولكن ذلك لا ينفي وجود ما يسوِّغ لبعضهم بعض ما ذهبوا إليه، فقد كانوا ينتظرون من الرئيس مواقف وأقوالاً وإجراءات إصلاحية مفصلة ومحددة ومباشرة، لا سيما بعد طول انتظار، وإزهاق أرواح، وتفجر مشاعر شعبية، قد تكون استثمرتها أو أذكت نارها شخصيات و" معارضات" وحملات إعلامية عربية وأجنبية، وفعاليات بشرية، سورية وغير سورية، تستخدم أدوات التواصل الاجتماعي الحديثة.. فشدة الأحداث وتوقيتها والأبعاد التي اتخذتها، كل ذلك كان يقتضي تركيزاً وتفصيلاً في الخطاب على قرارات وإجراءات وسياسات كان قد تم الإعلان عن التوجه نحو تنفيذها تحت تأثير مباشر للأحداث المؤلمة التي جرت، وهي توجهات سياسية واجتماعية ملزمة، وأقدم بكثير من التوقيت الذي أشير فيه إلى أنها ستتخذ: " ما طرح يوم الخميس هو ليس قرارات.. فالقرار لا يصدر مرتين.. القرار يصدر مرة واحدة.."، وهي عبارة قصد منها الرئيس الإشارة إلى قرارات المؤتمر القطري العاشر عام 2005 التي لم تنفذ: "لأسباب تتصل بـأولويات.. وبقضية روتين وإهمال وقضية تأخر وبطء.. تأخرنا أم لم نتأخر هذا الشيء نتركه لتقييم المواطنين، ولكن بالمبادئ العامة لو لم نكن نريد هذه الإصلاحات بالأساس لما قمنا بها عام 2005" كما قال الرئيس.. ولكنها سوف تصدر بوصفها قرارات رسمية عن المؤسسات المعنية التي تصدر في الجمهورية العربية السورية.

لقد شاء بعض أولي الأمر والناصحون أن يتغاضوا عن حقيقة أن الاستجابة التنفيذية لبعض المطالب الشعبية قد تم الإعلان عنها في خضم الأحداث الأخيرة وتحت تأثيرها، وهي مطالب كانت القيادة السياسية قد استشعرت ضرورتها وأهميتها واتخذت نحوها خطوات ولكنها لم تصبح قرارات نافذة بعد، وأن الإعلان عن العزم على جعلها كذلك وبسرعة، هو ضمن التوجه لمعالجة الحدث. ولا أرى غضاضة من أي نوع في أن تكون تلك الاستجابة التنفيذية مرتبطة بالحدث على الرغم من أنها توجه سياسي أقدم منه بكثير، فهي استجابة إيجابية المردود، تصب الماء على النار، وتداوي بعض الجراح، وتعطي لبعض من يريدون أن يروا أنفسهم وصورتهم في صنع القرار السياسي بعض ما يطلبون، واستجابة من هذا النوع لا بد من أن تحتل موقعها الذي يليق بها في الأنفس، وأن يحظى من يقوم بها بما يستحقه من تقدير لدى الشعب ورجال الدول والحكماء ومن يرتفعون بالرأي والقرار إلى مستوى حقيقة أن الشعب هو صاحب القرار ومصدر السلطات، وأن النزول عند رغباته ارتفاع به وبالمسؤولية وبمن يتحملها وبالوطن إلى درجات أعلى، أكثر مما هي تنازلات وخضوع لمن قد يركبون موجة ما وهم لا يستحقون مكاناً فيها، ومن يلوحون بحق وهم يريدون به الباطل.. فالحق أحق أن يُتَّبع في الأحوال جميعاً، ولا مكابرة في اتباع الحق لأن من لا يتبع مغلوب حتى لو كان الأقوى والأقدر.

 وكأني بالذين نصحوا بهذا الرأي، أو أشاروا بأن ينحو الخطاب هذا المنحى، كانوا يحرصون على أن يقولوا " نحن هنا"، وعلى أن يكون رأيهم فوق كل رأي، وقولهم فوق كل قول، وأعلى مما ينتظره الشعب من رئيسه وما يريد أن يسمع منه من تفصيلات حول وعود وقرارات وإجراءات مهمة للغاية ومؤثرة في الحدث الساخن، تأكيداً وتنفيذاً لما تم الإقرار رسمياً وعلناً بأنه مطالب شعبية محقة، حملها متظاهرون من أبناء سورية لا يشك في وطنيتهم، وأنه ربما "اندس بينهم مندسون مخربون.." لا يمثلون النسيج البشري والفكري العام الذي يمثلهم. وفي زعمي أن من أشار بذلك الرأي لم يحصل على ما أراد من النتائج، في أحسن التقديرات وأحسن حالات حسن النية، وهو يعرف أنه لن يتحمل مسؤولية من نوع ما عن خطاب فَصَّل فيما ينبغي التفصيل فيه، وأوجز جداً في/ أو تغاضى عما ينبغي الإسهاب في شرحه والتفصيل فيه والتركيز عليه مما ينتظره الشعب ويطفئ النار.. ذلك لأن تكرار إعلان سابق على لسان رأس الدولة يعني التزاماً رسمياً بجعل الإعلان أو الوعد أو التوجه قراراً رسمياً نافذاً، في صيغ قانونية محددة، وفق ومرجعيات رسمية معنية، أمام الشعب العربي والمعنيين في سورية، وأمام والمتابعين والمهتمين في كل مكان.. فما يقوله رئيس البلاد له نكهة ووقع، ويحمل معنى أكبر مما يقوله أي مسؤول سواه، وينطوي على التزام كبير يكبر أكثر بنظر الشعب، ويشكل إرادة تامة لا يُشك في أنها ستأخذ طريقها إلى التنفيذ بأسرع ما يمكن، ويضع أمام العالم حقائق وتوجهات وسياسات لرأس الحكم وصاحب القرار، والمعني الأول بمخاطبة العالم باسم بلده وشعبه.

وجاء ذلك الابتسار في موضوع من مواضيع الخطاب، أو التغاضي عن التفصيل فيما ينتظر الناس التفصيل فيه، جاء برداً وسلاماً على قلوب من يتربصون ويتصيدون، فقرأت جهاتٌ في الخطاب ما ينفي التجاوب مع إرادة شعبية زكتها الدماء، واستهانة وما هو أبعد من ذلك..  ولم يتركز في ذهن المتابعين وإدراكهم أن الحزب والحكم كانا قد استشعرا تلك الضرورات الإصلاحية بجدية تامة ومسؤولية كبيرة، واتخذا بشأنها خطوات " هي قرارات في مستوى قيادي ملزم"، ولكنها لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ لأسباب وأسباب، وتركز في الأذهان فقط أن ما اتخذ وما أعلن عنه من توجهات وقرارات وإجراءات، لم يكن تحت تأثير ما حدث من تحرك شعبي، فذاك لا قيمة له في صنع القرارات.. وأننا لم نخضع، ولن نخضع لأية ضغوط داخلية أو خارجية من أي نوع..  الأمر الذي انطوي على أشياء لم ترح بعض الأصدقاء، واستغلها المغرضون والأعداء استغلالاً سلبياً ضاراً.. وسوِّغت بعض الجهات لنفسها ـ بصرف النظر عن موقفنا منها ورأينا فيها وحكمنا عليها ـ الاستثمار فيما أسمته " الشعور بالمهانة"، والاستهانة بمشاعر الناس وعقولهم ودماء أبنائهم حيث لم يكلف أحد نفسه بالوقوف دقيقة صمت احتراماً لهم أو امتصاصاً لنقمة ذويهم..إلخ، لقد كان من المفيد والمهم أن تسد كل الذرائع أو معظمها أمام من يتصيدون في مناخ يساعد على أنواع من الصيد المحرم، غير أنه لم يتم ذلك، ولم يركَّز بما فيه الكفاية على حقيقة أن الرغبة في الإصلاح لدى الرئيس والنظام هي قديمة ومبدئية وجادة ومستمرة، وأن احترام إرادة الشعب ومشاعره وشهدائه هي في أعلى سلم الأولويات لدى كل السوريين من صغيرهم إلى كبيرهم.. وساهمت مشاعر التأييد التي عبرت عن نفسها في مجلس الشعب، الممثل الأعلى لإرادة الشعب وحقوقه ومشاعره، بصور من الابتهاج الهتافي الصاخب، ساهمت في خلق مناخ لم يأخذ بالاعتبار خصوصية فئات وظروف معينة تعيشها بعض الأنفس والمحافظات.

هذا رأي يحتمل الخطأ والصواب، حسن التقدير وسوء التقدير، ولكنه يأخذ بالاعتبار وقائع ومشاعر ومعطيات، ويتفاعل مع آراء ومتابعات، ويتطلع إلى أن يكون في مصلحة الشعب والوطن، أو لا يضر بهما على الأقل.

والله من وراء القصد

دمشق في 1/4/2011