خبر قضية يَتيد- هآرتس

الساعة 11:13 ص|31 مارس 2011

قضية يَتيد- هآرتس

بقلم: يوسي ملمان - سرّي

(المضمون: القصة الحقيقية للعميل المزدوج المصري – الاسرائيلي الذي سُمي بعد ذلك رأفت الهجان - المصدر).

مساء أول أمس جرى في مركز التراث الاستخباري القاء محاضرة عن احدى عمليات الخداع الأنجح في تاريخ الاستخبارات الاسرائيلية: فقد جرى القبض على عميل أُدخل الى اسرائيل في الخمسينيات أرسلته الاستخبارات المصرية. وافق على التعاون مع اسرائيل، أي "أصبح مزدوجا"، ونُقلت بواسطته الى المصريين معلومات كاذبة. كان الاسم الشيفري الذي أُعطي للعميل وعلى أثره العملية "يَتيد".

        إن الشخص الأكثر مماهاة من كل واحد آخر مع العملية، والذي كان مدة ست سنين مُشغلا لـ "يتيد" هو دافيد رونين الذي أصبح بعد ذلك نائب رئيس "الشباك". لكن مما زاد المفاجأة انه لم يُلق المحاضرة. قال لي رونين أمس انه لا يعلم لماذا لم يُدع لالقاء المحاضرة وانه لم يأت لاستماعها احتجاجا على ذلك.

        قد يكون سبب تجاهله غضبا طويلا في "الشباك" لانه تجرأ قبل سنين على الايماء الى القضية. ففي التسعينيات نشر رونين رواية عنوانها "لسعة النحلة (قصة عميل مزدوج)، فيها إيماء الى عملية "يتيد". وقبل خمس سنين كتب كتابا في هذا الموضوع، لكن "الشباك" والموساد ايضا يعوقان نشره طالبين أن تُدخل فيه تعديلات.

        بدأت القصة بتجنيد رفعت الجمال للاستخبارات المصرية. تورط الجمل مع القانون وعُرض عليه مقابل عدم محاكمته أن يكون جاسوسا. وافق وجرت عليه سلسلة تدريبات اشتملت على زيارات كُنس من اجل معرفة الدين اليهودي. وبعد اعداده أُلصقت به هوية مختلقة ليهودي مصري اسمه "جاك بيطون".

        في بداية 1955 أبحر الجمال/ بيطون من الاسكندية الى ايطاليا. مكث في ايطاليا وقتا ما بل عمل فيها من اجل تعزيز أمر التغطية. وفي النهاية هاجر الى اسرائيل. على حسب خطة طموحة أعدها مُستعملوه كان يجب عليه ان يندمج في المجتمع الاسرائيلي. ومن اجل ذلك زودوه بمبلغ كبير من المال استثمره في شراكة في وكالة سفر " سي تور" في شارع برنار في تل ابيب.

        تحت غطاء السفر للعمل أكثر الجمال/ بيطون الخروج الى اوروبا للقاءات مع مستعمليه في الاستخبارات المصرية. أثارت هذه الأسفار شك شريكه، الدكتور ايمرا فريد، وهو من رجال جهاز الامن المتقاعدين؛ "من أين لمهاجر جديد المال في حين أن عملنا لا يكسب ألبتة"، سأل – اشتكى على مسامع ناس "الشباك". وُضع بيطون تحت المراقبة التي استمرت بمساعدة الموساد في الخارج ايضا حيث شوهد يلتقي مستعمله المصري.

        مع عودته الى اسرائيل قبض عليه رجال "الشباك" في المطار وخيّروه بين امكانين: إما المكوث في السجن عشرات السنين بسبب التجسس وإما الموافقة على ان يكون عميلا مزدوجا. واختار بيطون الخيار الثاني. كان مستعمله الاول شلومو غولند، وبعد عدة شهور نُقل عمل الاستعمال الى رونين.

        ومن اجل تثبيت الثقة به عند المصريين صور بيطون، تحت رقابة وثيقة من رجال "الشباك"، قواعد للجيش الاسرائيلي، وجنودا في محطات وشعارات وحدات ونقل المعلومات الى المصريين. بحسب قول رونين "كانت المعلومات التي نُقلت غير سيئة ألبتة من وجهة نظر المصريين، في ظاهر الامر"، ولهذا رأوه أحد أفضل عملائهم. في 1963 في احدى زياراته الى اوروبا التقى امرأة المانية. تزوجا وولد لهما إبن.

        كانت ذروة عملية "يتيد" نقل معلومات كاذبة الى المصريين في 1967، قُبيل حرب الايام الستة. نقل بيطون الى المصريين انه بحسب خطة الحرب التي أحرزها من مصادره، ستبدؤها اسرائيل باجراءات برية. وكان هذا تضليلا من الطراز الاول. يمكن أن يساوي في قيمته "عملية تقطيع" – وهي خداع الاستخبارات البريطانية اللامع زمن الحرب العالمية الثانية، فيما يتعلق بمكان نزول قوات الحلفاء وقت غزو اوروبا في 1944.

        إن المعلومات المضللة لبيطون كانت أحد اسباب ان مصر كانت وادعة جدا قُبيل الحرب وتركت طائراتها مكشوفة لأنظار الجميع على مساراتها في المطارات. لم يصعب على سلاح جو اسرائيل القضاء عليها في ثلاث ساعات وبهذا حُسمت المعركة بقدر كبير في واقع الامر. "وفر علينا دما كثيرا، كان استعماله مساويا لقوة فرقة"، قال في زمانه ابراهام احيطوف الذي كان زمن استعمال بيطون رئيس الشعبة العربية في "الشباك" وأصبح بعد ذلك في الثمانينيات رئيس المنظمة.

        لم تعد ثم حاجة بعد الحرب الى بيطون؛ والى ذلك كان متعبا ايضا من التوتر اليومي لعمله السري، فأصبح عصبيا وأخذت تكبر مطالبه المالية من الدولة. استقر الرأي على قطع الصلة به واعادة تأهيله. رتب جهاز الامن دخوله في شراكة مع رجل اعمال ايطالي، مثّل شركة نفط نقبت قبل الحرب في سيناء وأصبحت اسرائيل الآن تسيطر على حقولها. لكن هذا لم يكن كافيا لبيطون وطلب ملايين الدولارات مقابل خدمته التي استمرت 12 سنة. وأخذت تتدهور علاقته بمستعمليه من "الشباك".

        بعد ذلك بوقت قصير أُصيب بالسرطان. عولج في مستشفى في اسرائيل لكنه ارتاب ان رجال "الشباك" سيحاولون تسميمه ولهذا طلب نقله للعلاج في اوروبا. استجاب "الشباك" لطلبه وعولج في مستشفى في المانيا ومات هناك.

        دُفن الجمال/ بيطون في مصر. بعد عشرين سنة من موته في 1988، نشر الأديب وكاتب السيناريو المصري صالح مرسي قصة جاسوس مصري جريء دخل عمق ارض "العدو الصهيوني". لم يكشف عن اسمه الحقيقي. ومن اجل التحقيق استعان مرسي بملفات أرشيف الاستخبارات المصرية. بعد ذلك تم تهيئة القصة لمسلسل تلفزيوني ذي شعبية، بُث في العالم العربي كله. اسم الجاسوس البطل في المسلسل "رأفت الهجان". بعد ذلك تم الكشف في مصر عن اسمه الحقيقي وسُمي أحد ميادين القاهرة باسمه.

        في اسرائيل ظلوا يحافظون على صمت هادر. قال لي في مطلع التسعينيات رئيس الموساد و"الشباك" سابقا إيسر هرئيل: "ليفرحوا، وليظلوا يصدقون حكايتهم".