خبر أول مدينة فلسطينية تتألق على تل في الضفة

الساعة 01:39 م|29 مارس 2011

أول مدينة فلسطينية تتألق على تل في الضفة

فلسطين اليوم: رام الله - بقلم: ستيسي بيرمان/ مجلة "تايم" الأميريكية

من مكتبه في مدينة رام الله، يجلس بشار المصري، المدير التنفيذي لشركة بيتي للإستثمار العقاري يراقب من على بعد تسعة كيلومترات عبر شاشات متعددة توزعت على جهاز حاسوبه تشييد أول مدينة فلسطينية تقوم على أساس تخطيط مسبق يجري العمل على تنفيذها.

ويشاهد المصري من خلال إحدى هذه الشاشات الصغيرة جرار نقل ماء يدور حول منطقة تميزها تلال متدرجة، في حين تظهر على شاشة أخرى جرافات ومعدات ثقيلة أخرى تقوم بجرف كتل عملاقة من المنحدرات الصخرية.

وبالرغم من العوائق السياسية، فقد حدث تقدماً ملحوظاً في هذا الموقع الضخم الذي يتمّ شق الصخر من أجل تنفيذه في الضفة الغربية حيث تمّ منذ كانون الثاني 2010 فتح طرقاً جديدة ووضع أسسا ملموسة. وعندما تكتمل عملية البناء، تكون قطعة الأرض الصخرية الواقعة على بعد 20 كيلومتراً من القدس قد تحوّلت إلى مدينة حديثة تدعى روابي  تستوعب 40 الف شخص.

"يكتنف هذا المشروع الكثير من المخاطرة"، يقول ذلك الرجل الذي يقف خلف هذا المشروع الطموح، في ما يمكن أن يقال فيه تصريح يقول القليل ويُنبئ بالكثير فواقع الأمر أن المصري يبحر في مياه مجهولة فمن خلال إستثمار بلغت قيمته 850 مليون دولار أمريكيّ تكون روابي ليس فقط أكبر مشروع بناء، بل وأكبر استثمار أجنبي خاص تشهده الأراضي الفلسطينية حتى الآن.

وإذا ما كانت روابي ترمي إلى تحقيق شيء ندر حصول مثيله في العالم العربي على صعيد  توفير مساكن تلبي احتياجات وقدرات الطبقة الوسطى في منطقة أدت فيها الفجوة القائمة في توزّيع الثروة إلى صراعات وثورات فإن هذا المشروع يحظى عن كثب بمتابعة في الداخل والخارج على السواء.

وتمثل روابي التي صممت في إطار مخطط رئيس قامت عليه شركة فن العمارة والهندسة وتخطيط المدن الدولية "أيكوم"، وبمشاركة خبراء من جامعتي بيرزيت والنجاح الفلسطينيتين، تحولاً ملحوظاً بعيداً عن الاختناق المروري والتمدد الحضري العشوائي الذي يطبع مشهده باقي مدن الضفة الغربية الأخرى حيث تمتد روابي عبر 23 حياً متجاوراً تميز كل واحد منها بالتقنية العالية والبيئة المستدامة.

وستتميز هذه المدينة بأبنيتها المتألقة متوسطة الارتفاع وحدائقها العامة ومقاهيها ومناطق تسوّق ومواقع سكنية وتجارية محددة، إضافة إلى مراعاة مخططاتها لتوفير منطقة للمشاريع والأعمال التجارية ومركز ثقافي ومدرّج ومدارس وجوامع وكنائس ومستشفيات ما يجعل منها مدينة غير مسبوقة في الضفة الغربية خاصة وان إنشائها اخذ بعين الاعتبار تلبية احتياجات قطاع مهمّش يبعث على التعاطف معه من المهنيين الشباب ذوي التحصيل الجامعي ممن حالت أسعار الشقق والمساكن طويلاً دون تملكهم واحدة منها فمن خلال توفير مساكن على نطاق واسع يمكن للفرد شرائها.

ويرى المصري أنه يخلق بذلك أداة تطويرية لتوسيع هامش طبقة متوسطة في طور التكوين في مجتمع توزّع تقليدياً بين طبقتين اقتصاديتين غنية وفقيرة حيث تتراوح أسعار المنازل من بيوت يمكن أن يبلغ سعرها مليون دولار (غالباً بعيدة المنال في منطقة يبلغ فيها معدل دخل الفرد 1,554 دولار أمريكي) إلى شقق تنخفض جودتها وترخص أسعارها، وهو وضع لطالما دفع بأجيال متعددة وعائلات ممتدة للعيش تحت سقف مكتظ واحد.

ومن المتوقع أن يتراوح سعر الوحدة السكنية في مدينة الروابي ما بين 65,000- 100,000 دولار، أي بنسبة أقل تتراوح ما بين 25- 40% عن مثيلاتها من المساكن المقامة في المنطقة المحيطة.

ويقول المصري الذي وُلد في مدينة نابلس الواقعة شمال الضفة الغربية وعاش جزءاً من حياته في مصر: " إعتاد الوطن العربي على تلبية رغبات الأغنياء حيث تجاهل الغالبية من الناس ذوي الدخل المحدود والمتوسط فنحن لا نتحدث هنا عن علم صناعة الصواريخ، بل عن إمتلاك بيت وهو أحد القضايا الأكثر أهمية بالنسبة للعائلة الشابة من أجل أن تشعر بالاستقرار والطمأنينة."

ويبدو واضحاً أن المصري يدرك ما يقوم به فبالرغم من أن الألف وحدة سكنية الأولى في روابي ستنتظر عامين آخرين حتى يتمّ إنجازها، فان هناك أكثر من 7,000 متقدم قاموا بتسجيل أنفسهم على موقع التطوير الخاص بالمشروع من أجل شراء شقق لهم.

قبل ثمانية أشهر أقدم صالح أبو عين، 24 عاماً، مدير محل تجاري للبيع بالمفرق، على التسجيل من أجل إمتلاك شقة في روابي ويمثل أبو عين الذي يستعد للزواج ويتابع دراسته في جامعة القدس للحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال نموذجاً لطبقة متنامية من القوى العاملة المتعلمة، التي تتقلص الخيارات أمامها عندما يتعلق الأمر بزيادة القوة أو النفوذ كما يمثل رمزاً للتحوّل الثقافي الذي يمر فيه جيله من الفلسطينيين ممن لم يعودوا يودون العيش ضمن الإطار التقليدي للعائلة الممتدة مفضلين إقامة أنوية عائلية بأنفسهم، "عندما أتزوج، أريد أن يكون لي مكاني الخاص فروابي مكان آمن لي ولأطفالي المستقبليين." 

ومن الملاحظ أن تملّك البيوت قد أضحى على هذه الدرجة من الأولوية في العالم العربي في نفس الوقت الذي يتعرض فيه لانتقادات شديدة في الولايات المتحدة ودول غنية أخرى، حيث غالباً ما يتمّ النظر إليه كونه الدافع الرئيس وراء الأزمة المالية، وفي الوقت الذي يبدو فيه هذا كما لو كان تناقضاً، إلا أن الأمر ليس كذلك؛ ففي أجزاء من الولايات المتحدة وأوروبا تخطّت معدلات التملك في السنوات القليلة الماضية ذروات تاريخية ( يود العديد من الإقتصاديين لو حدث هبوطاً فيها في السنوات المقبلة )، بينما العالم العربي الذي يتمتع بحيز شاسع للنمو وصل النقص في المساكن نقطة حرجة، إذ يقدّر البنك الدولي حصول عجز في تلبية المساكن في الضفة الغربية وقطاع غزة في السنوات العشرة القادمة يصل إلى 400,000- 450,000 وحدة سكنية.

ولا يختلف الوضع في أماكن عدة في الشرق الأوسط. ففي هذا الشهر تعهد الملك عبد الله، ملك المملكة العربية السعودية، بإنفاق 15 مليار دولار من أجل بناء مساكن في المملكة للمساعدة في تلبية الحاجة المتراكمة ( والتخفيف من حدة مشاكل إحدى قضايا النزاع التي أشعلت المنطقة ). وإذا ما كان النجاح حليفها، فإن روابي تقدم نموذجاً يحتذى به لمدن أخرى في الضفة الغربية وقطاع غزة وربما بقية العالم العربي.

وخلافاً لزبائنه المستهدفين، فقد ترعرع المصري في راحة ورفاهية فعائلته تعتبر من أكبر العائلات وأكثرها غنى وشهرة في الضفة الغربية، وتمتلك مصالح واسعة الإنتشار في مجالات العقارات والإتصالات والموارد المالية أما والده فكان طبيباً.

كان ذلك خلال إقامته في واشنطن وبعد حصوله على درجة علمية في الهندسة الكيماوية من جامعة فيرجينيا التقنية، فإنه كما يقول المصري بدأ يدرك كيف أن تملّك بيتاً يمكن أن يشكل الطريق نحو بناء أصول مالية. "أول شيء قمت بعمله عندما إدخرت 5,000 دولار هو شراء بيت بقيمة 99,000 دولار. كنت في وضع يمكنني من القيام بذلك كون النظام يسمح لك بذلك في حال كنت تعمل بينما في فلسطين لم يسمح لك النظام بالقيام بذلك، إلا أن هذا الأمر في طور التغيير فنحن نريد أن يتمكن الشباب العامل من الحصول على مثل هذه الفرصة فبعد مرور عام على قيامي بشراء منزل لي، أصبحت قيمته 140,000 دولار وبعد خمس أعوام أصبحت قيمته 250,000 دولار."

وعندما عاد المصري عام 1995 إلى الضفة الغربية (لا يزال يمتلك بيتاً في فولس شيرش، فيرجينيا)، ولج إلى الأعمال التجارية الخاصة بالعائلة، فأطلق شركة مسار العالمية في مجال تنمية العقارات والخدمات المالية وتقديم الإستشارات بفروعها المنتشرة في الشرق الأوسط (يستثمر المصري من خلال مسار حوالي 25 مليون دولار في روابي). أما فكرة تشييد مدينة، فمنشأها التفكير ملياً في أحوال موظفيه فبينما يتقاضى الواحد من موظفي شركاته مبلغ 1,900 دولار شهرياً في المعدل،  فإن 10 % منهم فقط يمتلك بيوتاً. وقد جرت العادة أن من يريد أن يشتري بيتاً في الضفة الغربية عليه، بشكل عام، أن يدفع مبلغاً كبيراً مقدماً، أو أن يحصل على قرض شخصي قصير الأمد مع تحديد المبلغ الواجب دفعه وبفوائد عالية، وضع أدى، بالإضافة إلى قيم الملكية العالية، إلى عجز نحو 85 % من السكان عن القيام بذلك.

وتنشد روابي التغلب على تلك الأمور من خلال التشبيك مع برنامج الرهن العقاري طويل الأمد الذي أسس حديثاً برأس مال قدره 500 مليون دولار والمعروف بأمل، وهي الكلمة المركبة من أوائل حروف كلمات أخرى، وهو شبيه بـ (فاني ماي). وقد أطلقت السلطة الفلسطينية مشروع أمل في حزيران الماضي مع مجموعة من الشركاء تشمل مبادرة الإستثمار الشرق أوسطية غير الربحية (ميا) والمدعومة من الولايات المتحدة وشركة الإستثمار الخاصة في ما وراء البحار (أوبك). وفي هذا الصدد يقول جيمس بيكب رئيس مبادرة الإستثمار الشرق أوسطية غير الربحية ومركزها واشنطن "من خلال قطاع الإسكان، تحصل على نشاط وحيوية حقيقيين في جهدك المبذول من أجل النجاح (التنموي) فعندما يستطيع الناس توفير المسكن ولديهم فرص العمل، فإن ذلك يقود إلى الإستقرار لننظر إلى ما حدث في تونس ومصر. إن القوة الدافعة وراء كل ذلك جسدها حاجة الناس إلى ضمان مستقبل إقتصادي وهذه الجهود مجتمعة تساعد على الإيفاء بالطلب."

واقع الأمر أن المشروع التنموي هذا سيوفر، كما هو متوقع، 10,000 فرصة عمل في مجال البناء، إضافة إلى 3,000- 5,000 أخرى في المجال المصرفي والإتصالات وتكنولوجيا المعلومات وهي هبة ليست بسيطة، إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أن نسبة البطالة في الضفة الغربية (عدد السكان حوالي 2.5 مليون نسمة) تبلغ في الوقت الحاضر 16 %.

وفي هذا الصدد يقول رامي خوري، خبير في الشؤون المصرفية- البنكية يعمل مع (CHF) العالمية في رام الله "يلعب قطاع الإسكان دوراً مهماً في الإقتصاد فإذا ما توفرت العوامل جميعها، فإنني أرى أن ذلك سيكون، على ما يبدو، مساهمة مهمة في التطوير الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية".

وتنسجم روابي بشكل جيد جداً مع إستراتيجية السلطة الفلسطينية الجدية الخاصة ببناء المؤسسات وجذب إستثمارات أجنبية باعتبارها حجر الزاوية للدولة المستقبلية في الوقت الذي يتمّ فيه تدريجياً تخفيف إعتماد الإقتصاد الفلسطيني على المانحين الأجانب.

وتقوم شركة الديار القطرية، وهي الذراع العقارية للحكومة القطرية بتمويل روابي. ومن المأمول أن يفتح هذا الباب أمام مستثمرين آخرين من الخارج، وفي هذا الصدد يقول غانم بن سعد آل سعد، المدير التنفيذي للديار القطرية "يمثل إستثمار الديار القطرية حدثاً تنموياً حقيقياً للضفة الغربية خاصة وبالنسبة للإقتصاد الفلسطيني ككل."

وفي الوقت الذي أستقبلت فيه روابي بحماس من قبل الفلسطينيين والمجتمع الدولي، إلا أن المشروع كان دونه عقبات فـ 8 % من مدينة روابي يقع ضمن ما يعرف بمنطقة (C)، وهو جزء من الضفة الغربية بقي تحت سيطرة إسرائيل العسكرية والمدنية فالطلبات المتعلقة بشق طريق للوصل إليها وحقوق المياه تبقى حبيسة الإهمال السياسي البيروقراطي. أما الخطط الأولية للقيام بخطوة تنموية مشابهة في غزة، فقد علقت نتيجة الإنقسام بين حركة حماس، التي سيطرت على غزة عام 2006، وفتح التي تحكم الضفة الغربية وما ترتب على ذلك من حصار مفروض على غزة.

وفي وقت مبكر من هذا العام، عقّد المستوطنون الأمور بالنسبة لروابي من خلال الاحتجاج ضد الشركات الإسرائيلية، بما في ذلك البائعين والموردين الذين تمّ التعاقد معهم للعمل في المشروع التنموي وتهديدهم بالمقاطعة. (من طرفه ألزم المصري الموردين الإسرائيليين بإتباع تعليمات السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بمقاطعة البضائع التي منشؤها المستوطنات اليهودية) إلا أن بعضاً من الإسرائيليين الآخرين، بما في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أيدوا علناً ذاك النوع من التطور المتدرج الذي تمثله روابي، مثنياً على ما أسماه "بالسلام الاقتصادي" مع الفلسطينيين وقد كتب المعلق الإسرائيلي آري شافيت في صحيفة هآرتس حول روابي "هناك الآن فرصة حقيقية في الضفة الغربية. علينا أن لا نفوتها."

وفي الوقت الذي تشق فيه الجرافات طريقها عبر المرتفعات الجرداء، يقول المصري بأن عليه أن يبقى متفائلاً "أن تعيش في هذا الجزء من العالم، يعني أن عليك أن تكون دائم الحركة. إني أخلق وقائع على الأرض وهو ما يدفع السياسيين للقيام بالمزيد."

وفي الوقت الذي يعمل فيه المصري من أجل إزالة أية حواجز متبقية، يقوم طاقمه بتمحيص الأمور المالية الخاصة بطلبات المتقدمين للتملك في روابي فهناك آلاف من الناس الذين عقدوا آمالهم على روابي: " أعرف أن هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله أنظر إلى الطلب لو بدأت ببيع وحدات سكنية في الحال، لكان كامل المخزون قد نفد." ومهما حدث من أمر، فإن هذا المشروع سيعبر عن هبة الضفة الغربية لأهلها.