خبر من علامات الساعة الصغرى../ فهمي هويدي

الساعة 11:43 ص|20 مارس 2011

من علامات الساعة الصغرى فهمي هويدي

من غرائب زماننا وعجائبه أن شعب مصر يتوجه اليوم للاستفتاء على رأيه فى التعديلات الدستورية دون دعوة من السيد الرئيس، وأن يصبح «سيادته» مطالبا بأن يدلى بصوته باعتباره مواطنا عاديا، يقف فى الطابور شأنه شأن بقية مواطنى شرم الشيخ.

 

لكن الغريب أيضا أنه سيذهب دون أن يكون على علم مسبق بالنتيجة. ليس وحده فى حقيقة الأمر، لأن الملايين الذين لم يوجه إليهم المذكور الدعوة سيذهبون إلى الاستفتاء وهم يجهلون النتيجة أيضا.

 

أما الأعجب والأغرب من هذا وذاك فإن السلطة التى تجرى الاستفتاء وتشرف عليه ليست أفضل منا كثيرا. إذ هى بدورها لا تعرف النتيجة، وسوف تنتظر مثلنا انتهاء الفرز حتى تتعرف عليها. حتى وزارة الداخلية التى توافر لرجالها حظ من العبقرية والقدرة على التنبؤ مكنهم طوال الثلاثين عاما الماضية من معرفة النتيجة ليس فقط قبل الفرز بل قبل أن تبدأ الانتخابات ذاتها.

 

ولو أن القائمين على الأمر الآن دققوا جيدا فى وثائق أمن الدولة التى تكشف أمرها مؤخرا، لوجدوا فيها بيانات كافية عن نتائج كل الانتخابات والاستفتاءات المعلومة وغير المعلومة المرشحة للإجراء فى مصر خلال العشرين أو الثلاثين سنة المقبلة. لكنهم سيفاجأون ــ للدهشة ــ بأن نتائج الاستفتاء الذى سيجرى اليوم مفقودة، لأنها لم تكن فى حسبانهم ولم تخطر لهم على بال.

 

لا يقف الأمر عند ذلك الحد، لأن المشهد حافل بالأعاجيب التى تجعل الحليم حيرانا بين مصدق لما يجرى ومكذب له. ذلك أن خوف الشعب من الشرطة كان من الثوابت المستقرة طوال السنين التى خلت.

 

لكننا فوجئنا هذه الأيام بانقلاب الآية على نحو لا يكاد يصدق، بعدما وجدنا أن الشرطة أصبحت تخاف من الشعب. بل إن رجال أمن الدولة الذين كانوا يديرون العملية الانتخابية ويتحكمون فى لجان التصويت، اختفوا ولم يعد لهم أثر، وإذا وجدوا فإنهم سينضمون إلى الشرطة فى «الفرجة» علينا من بعيد!

 

وبمناسبة الحديث عن الشرطة وغرائب أحوالها، لا تفوتنا ملاحظة أن عبود الزمر الذى اتهم بالضلوع فى قتل السادات ظهر على شاشات التليفزيون، فى حين أن حبيب العادلى وزير الداخلية صار فى السجن وقد أخفاه الجنود حين استدعى إلى المحكمة لكى لا يراه أحد. كما لا تفوتنا ملاحظة أن الإخوان المسلمين الذين ظل يشار إليهم بوصفهم الجماعة المحظورة أصبحوا حاضرين فى قلب المشهد وفى وسائل الإعلام، فى حين أن قرارات النائب العام حولت أبرز أعضاء الحكومة السابقة إما إلى جماعة محظورة أو محبوسة.

 

الذى لا يقل غرابة عما سبق أننا تابعنا على شاشات التليفزيون طوال الأسابيع الأخيرة نقاشات ساخنة ومستفيضة بين مؤيدى التعديلات الدستورية ومعارضيها، فى حين وقفت الحكومة متفرجة ومحايدة إزاء ما يجرى.

 

وهو ما لم نألفه لأننا اعتدنا فى مثل هذه المناسبات أن يلتزم التليفزيون الرسمى بأمرين، أولهما إجراء المناقشات المستفيضة بين المؤيدين والمؤيدين، وثانيهما أن يتنافس المتحاورون فى هجاء الإخوان الذين يشكلون المنافس الحقيقى للحزب الوطنى، لتخويف الناس من ذلك العفريت «المتأسلم».

 

من عجائب زماننا أيضا أن أعيننا ستفتقد مشهد «البلطجية» الذين دأب الحزب الوطنى وجهاز أمن الدولة على حشدهم فى مثل هذه المناسبات للقيام بـ«الواجب» إزاء المعارضين، ولست أشك فى أن جموعهم الآن تتحسر على ذهاب عصرهم الذهبى، وعلى انقطاع أحد أهم مصادر تمويلهم.

 

ولن استبعد أن يفكر بعضهم فى الطعن فى سلامة إجراءات التصويت، بعدما جرى العرف على اعتبار وجودهم طوال السنوات الماضية من مستلزمات العملية الانتخابية.

 

أما أم العجائب، فهى أن العسكر القابضين على السلطة يريدون تسليمها إلى الشعب، ولكن نفرا من المثقفين باتوا يتمنعون ويطلبون منهم إطالة مدة بقائهم، وأن المجتمع الذى أسقط النظام وهو فى عز جبروته أصبح بعض أبنائه يتخوفون منه بعد انهياره، حيث مارسوا جرأتهم فى مواجهة الطاغوت لكنهم أصبحوا يرتجفون أمام شبحه!

 

السؤال الذى يخطر على بال المرء حين تتراءى له هذه الصور هو: كم واحدة منها يمكن أن ترشح للانضمام إلى علامات الساعة الصغرى؟

"الشروق"