خبر كل يوم هو عيد مساخر.. يديعوت

الساعة 12:09 م|18 مارس 2011

بقلم: ناحوم برنياع

(المضمون: الفلسطينيون يبنون بزخم كبير ولا سيما في منطقة رام الله وحالتهم الاقتصادية في انتعاش وسيكون لهذا أثر ايجابي على رأي العالم في استحقاقهم لدولة مستقلة - المصدر).

وقف أحد شباب وحدة حراسة الاشخاص أول أمس على متن سفينة الحاويات "فيكتوريا"، مرتديا حُلة اعمال، وفي يديه بندقية ام 16 قصيرة، مفرجا بين قدميه تفريجا واسعا، منتصرا والشمس من ورائه. وقد حلقت مروحية في السماء. جاءت سيارات فخمة مدرعة سوداء براقة في قافلة تشق الاسفلت من تحت الرافعات. كان يمكن ان تكون هذه بداية ملائمة لمسلسل آخر من مسلسلات الجريمة التي لا تنتهي في التلفاز الامريكي. وهنا، تحت سماء أسدود يبدو الامر مثل خطأ، أو عيد مساخر سبق وقته.

وقفت فرق التلفاز ومصورو الصحف الذين طُلب اليهم ان يأتوا في الحادية عشرة صباحا مع معداتهم في الصف ازاء كاشف المعادن الوحيد ينتظرون حتى زهقت أنفسهم انتهاء التفتيش الأمني، وكلما طال التفتيش  ازداد الشعور بالمرارة. كان الشعور بأن المقابل لا يساوي الجهد. والشبكات الاعلامية مشغولة في خلال ذلك باليابان. لا شيء سيُعرض هنا سيؤثر في ملف الأخبار بعيدا في نيويورك أو في لندن أو في قطر. آنذاك أغلقت قوة الحراسة الاتصال الخلوي للجميع لدواعي أمن رئيس الحكومة وخسر الاعلام الاسرائيلي آخر اصدقائه في العالم.

رتبوا على الرصيف عرضا. استلوا قذائف الرجم (120 ملليمتر) من صناديقها ووضعوا كل واحدة على قاعدة مستقلة بترتيب نموذجي. أُقيمت 16 قذيفة على جانب من جوانب الرصيف ومثلها على الجانب الثاني. الكمية لم تؤثر: فبالمقارنة مع الغنيمة التي أُخذت من سفينة "كارين إي" في كانون الثاني 2002 كانت غنيمة "فيكتوريا" متواضعة جدا.

كان الصواريخ الستة هي الأساس. أُقيمت في وسط الرصيف داخل صناديق خشبية كبيرة، والى جانبها أُقيمت الصواريخ التي خُزنت فيها الرادارات ومعدات التوجيه والاطلاق. وكان ذلك في الحاصل قطعة من ارسالية. أكان هذا النظام كما يزعم المحللون الرسميون سيصبح محطما للتعادل في الميزان العسكري بين اسرائيل وغزة؟ يُحتاج الى الكثير جدا من مثل هذا لتحطيم التعادل. العائلة الرسمية – رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الاركان وقائد سلاح البحرية والأمين العام العسكري ووزير الاعلام مع متحدثيهم وحراسهم ومصوريهم – يمرون في المعرض بنفس الهيئة الاحتفالية التاريخية التي يستعرض بها رؤساء الدول حرس الشرف في قصر الأليزيه. يوجد الكثير جدا من الاشخاص في العائلة وعدد من المدعوين أكثر كثيرا من القذائف. إن الزحام يؤكد فقط الشعور بأنه قد تم هنا جهد كبير تريد به القيادة السياسية ان تُقلد أنفسها بالأوسمة أكثر من ان تكشف عن تدبيرات ايران.

الحال في المعرض كما تكون في المعرض. نزع نتنياهو رباط العنق، لكنه برغم الحر الشديد حرص على المعطف الاسود المُعد للعرض وكانت الشمس في عينيه لكنه لم يضع نظارة شمسية. واختار باراك أن يعرق في معطف ريح، كذاك الذي يجعله يبدو في مظهر سيد الأمن. وقرر رئيس الاركان الجديد، وقائد سلاح البحرية أن يظهرا في بزتين خضراوين بلا فخامة. اختيار ذكي: فقد كان عرضهما يُبين أنهما ليسا في عرض الساسة.

كان نتنياهو يوم الثلاثاء في الجنوب. لم أكن هناك لكن أحد زملائي أبلغني انهم أقاموا تكريما له جدارا سلكيا يفترض ان يمثل الجدار الجديد على الحدود المصرية. نظر نتنياهو والوزراء من خلاله الى عدسات التصوير مثل أسرى في معسكر تجميع. كانت الصورة ترمي الى بث الأمن فبثت الشعور بالضيق. عندما ذهبوا جمعوا وخزنوا الجدار كما خزنوا القذائف من سفينة "فيكتوريا".

قال نتنياهو على الرصيف في أسدود ان هذه الارسالية مُعدة "لحماس أو لمنظمات اخرى". والسؤال هو لماذا ترسل ايران هذه الوسائل القتالية والى أية منظمة. هل توجد جهات في ايران تريد اشعال النار في غزة الآن أو ربما تهتم بأن يجمع وكلاؤها في المنطقة سلاحا نوعيا لأجل مسمى عندما يُهيجونهم على دولة اسرائيل.

وماذا يحدث مع تركيا. حذرت اسرائيل الرسمية ان تتهم الاتراك في هذا الامر. بالعكس فقد اجتهد باراك ان يمتدح في خطبته حكومة تركيا لانها أنزلت طائرة ايرانية ارتيب بأنها تهرب السلاح الى سوريا. هل توجد هنا بداية مصالحة إن لم تكن مع اردوغان فمع الجيش التركي على الأقل؟.

وماذا يحدث لنتنياهو. لماذا يهجم في الايام الاخيرة على كل منبر خطابة. في الايام التي ينظر فيها العالم الى اليابان، وعيون الاسرائيليين تنتقل ما بين اليابان وايتمار، يُكثر هو الظهور.

قال في يوم الثلاثاء ان الحديث في وسائل الاعلام عن خطبة حاسمة، خطبة بار ايلان الثانية، يعرض فيها مبادرة سياسية جديدة، كان اختلاقا من وسائل الاعلام. فمن المؤكد انه لا يُعد خطبة فضلا عن خطبة تاريخية. من الصحيح لهذا الاسبوع ان بار ايلان الثانية قد ماتت: تحيا "فيكتوريا".

ونحن نبقى

كشف القتل الفظيع لعائلة بوغل في ايتمار لأعين الاسرائيليين عن عائلة متميزة نبيلة يؤثر في القلب سلوكها، وتصوراتها كثيرة الوجوه. إن تسيلا وحاييم بوغل، والدي أودي الذي قُتل في ايتمار هما من منشئي مستوطنة نفيه – تسوف (التي اسمها الآخر حلميش) في غربي السامرة. جاء مئات أو ربما آلاف الى حداد الايام السبعة في بيت الوالدين. وبرغم انهم جميعا محسوبون في المعسكر الصهيوني – المتدين فانني على ثقة من انهم مثلوا اجماعا.

تُبين لافتة صغيرة الى جانب الشارع غير بعيد من نفيه تسوف الطريق الى بير زيت. أُبعد حاجز الجيش الاسرائيلي الذي كان هناك. يبني الفلسطينيون على التلال الصخرية شمالا وغربا المدينة الجديدة، روابي. توجهت يمينا الى الشارع الفلسطيني وسافرت جنوبا. جرى توسيع الشارع الذي يصل بير زيت برام الله، ويلاحظ زخم بناء عظيم عن جانبيه. يبنون بلا لجان تخطيط وبلا نظام – فكل صاحب مشروع وأهواؤه الشخصية وكل صاحب مشروع وسيولته النقدية. يبنون بيوت سكن ومراكز تجارية ومكاتب. قال نتنياهو هذا الاسبوع بعد المذبحة في ايتمار، "هم يقتلون ونحن نبني". والحقيقة انهم يبنون. وماذا عنا؟ نحن نحاول البقاء.

قطعت رام الله وبناتها طولا، من الشمال الى الجنوب حتى قلندية والرام، ثمة 18 كيلومترا من البناء المدني الفلسطيني المتصل الجزء الأكبر منه متعدد الطبقات. منذ زيارتي الاخيرة، قبل بضعة اشهر، أُضيفت مبان اخرى، الزخم كبير جدا بحيث بدأت الاسعار تنخفض. يمكن اليوم الحصول على شقة من اربع غرف في مبنى متعدد الطبقات جديد على عشرة كيلومترات عن مركز القدس بأقل من 100 ألف دولار. لا يوجد "لقطة" كهذه في الجانب الاسرائيلي من الجدار.

رام الله فقاعة، فرام الله ليست فلسطين كما ان تل ابيب ليست اسرائيل. المال الذي يغذيها يأتي أكثره أو كله من الخارج من تبرع اجانب. والمعايير فيها غربية وكذلك مستوى العيش ايضا. واللباس والتوقعات.

إن لابسي البزات العسكرية الوحيدين الذين رأيتهم هذه المرة كانوا شرطيي سير. في حين ان الحكام في بعض العواصم العربية هم أعداء الشارع والعكس، وفي حين يتظاهر الشارع في اماكن اخرى وتطلق السلطة النار، الهدوء والسكون في رام الله لا نظير لهما. حتى إن المظاهرة التي جرت هذا الاسبوع في رام الله من اجل حكومة وحدة وطنية نظمها وسيطر عليها الحزب الحاكم. وكانت ترمي الى تخفيف الضغط.

يبنون الآن شمالي المقاطعة برج مكاتب مدهشا بكبره، نصفه الاسفل من الرخام الاحمر ونصفه الاعلى من الزجاج الازرق. الذوق المعماري مشكوك فيه لكن الرسالة السياسية ايجابية. لا يخطط الفلسطينيون الذين يبنون بيوتا زجاجية لمعاودة استعمال الحجارة.

سيلتقي في منتصف الشهر القادم في بروكسل مندوبو الدول المانحة. سيضع مندوبو صندوق النقد الدولي وقادة السلطة الفلسطينية على مائدتهم تقريرا اقتصاديا ايجابيا. المساعدة التي ستطلبها السلطة من العالم ستنخفض لاول مرة حتى المليار دولار.

يندمج كل هذا في استعدادات الفلسطينيين لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة في ايلول. ما زال غير واضح ماذا ستكون صيغة القرار، هل سيقول ان حدود الدولة الفلسطينية ستكون مشابهة أو مساوية لخطوط 1967 أم توميء الى ذلك فقط، لكنه اصبح من الواضح الآن ان القرار سيقول ان الفلسطينيين أهل لادارة دولة. لن يكون للقرار معنى تنفيذي مباشر لكنه سيُعمل ضغطا عظيما على اسرائيل. وسيكون الفلسطينيون معفيين من التنازلات التي يقتضيها التفاوض في حين سيصبح مجرد الاحتلال – في القدس ايضا – غير شرعي.

كما انهم من رام الله لا يرون ايتمار، فانهم من ايتمار لا يرون رام الله. الأقرب والأبعد. قال لي أحد من جاءوا للتعزية الى بيت عائلة بوغل، وهو من سكان قرية زراعية يعيش ثلاثة من أبنائه في المستوطنات: تكلف شقة لزوجين شابين مليون شيكل اليوم. اذا أخلوا المستوطنات فستصبح كلفة الشقة ضعفي ذلك أو ثلاثة أضعافه. كيف سيُخلون؟ ستكون كارثة.