خبر من ثورة الياسمين إلى ساحات العشق.. نبوءات « الشقاقي » تتواصل ..أحمد إسماعيل

الساعة 10:18 ص|17 مارس 2011

من ثورة الياسمين إلى ساحات العشق.. نبوءات "الشقاقي" تتواصل ..أحمد إسماعيل

 

عندما تشتاق الشعوب للحريّة تنتفض فيها كلّ مفردات الثّورة، فتُشعل الأرض عشقاً يتطاير في ساحات الحبّ ياسميناً معطّراً برائحة الثوّار.. وعندما نستنشق عبير الحريّة المنبعث من دماء صانعيها، لا بدّ أن نقف وقفة حبّ وشموخ كما الأحرار.. هذه هي حكاية الياسمين التي انطلقت من "بوعزيزي" الذي رسم لنا خيوط الرواية، وكتبها بجسده الذي ثار ليُنهي حقبة مليئة بالأشرار.. هذه هي حكاية العشق التي كنّا نبحث عنها منذ زمن، فوجدناها في بساتين الورود تبتسم كلّ صباح لتنقش فينا حروفها فنحفظها في أفئدتنا كما الديّار.. فمن سورة الأنفال بدأت الحكاية، لتخطّ لنا عنفوان مرحلة عشقنا قدومها منذ كنّا صغار.. ومن الساحة الخضراء تراقصت كلماتها لتتناغم مع ساحات الوغى وليس انتهاءً بأحفاد المختار..

ومن رحلة الإسراء نمضي ونستلهم نفحاتها لنواصل حكاياتنا نحو بيت المقدس لنطهّر قدسيّته من دنس قوى البطش والاستعمار.. ومن سراج الزيتون نُشعل ليلنا لنستمد منه قوة وصلابة فهو خير الأشجار.. فيا لحن اللّيل عَشِقنا معزوفة الحريّة، لنُغني أغنية فلسطين.. ففيها سرّ الشقاقي.. فهو سيّد الموقف والقلم وهو سيّد الأحرار.. فيا سيّدي ما حلمت به وسُفك دمك من أجله بدأت ملامحه تُغطي وجه المنطقة، فثارت لصرخاتك دماء الشهداء الأبرار.. يا سيّدي قم وارقب بشرياتك التي ناديت بها، ففيها صدق الهاماتك مستمدة من نور الأنوار..

يا سيّدي فلسطين اليوم حزينة ويسكنها آلام القوم الذّين مزّقوها، فقم واصرخ كما صرخت من قبل لننشد من نور صدقك شارات النّصر يا سيّد الثّوار ويا فخر الأحرار.. يا سيّدي هذي فلسطين تئنّ وجعاً، فما عاد أحد يكترث لوجعها وما عادت في حسابات القوم وكلٌ منهم مُنشغلٌ بحاله فما عادوا كبار.. فهذه الشّعوب اشتعلت لتصنع تاريخاً جديداً رغم أنّهم في نظر القوم صغار وفي حقيقة الأمر هم القادة الكبار..

يا سيّدي هذه الشعوب قد ثارت ونفضت عن كاهلها غبار المرحلة، وانطلقت لتُداوي جراح السّنين الطويلة، ولتقتص من جبابرة القوم لتُشعل من دمائها نار الثّورة وتحرق كلّ الفجّار.. فقم يا سيدي ولملم آلامنا وداوي جراحنا، فالجرح تفتّح وتفتّح حتّى ذاب فيه الملح.. فلا ملحهم داوى جراحنا ولا هم لملموا الجرح.. وسكّينهم في قاع جراحنا تسمّم، وظلمهم موصول بالنّهار واللّيل حتّى الصّبح.. وفلسطين تفكّكت حروفها، فلا عادت الفاء ولا الّلام ولا السّين والطّاء ولا الياء والنّون مجتمعة، فمن سيغفر هذا التّمزّق وهذا النّسيان، ومن سيعيد تركيب الحروف في مكانها الإقليميّ والدوليّ والكونيّ سواك يا ملح الجرح.. فالفاء فخر الأمّة، والّلام لون حبرها المضيء، والسّين سيولها الجميلة، والطّاء طبول الحريّة، والياء ينابيع الحبّ والخير، والنّون نور المعمورة بل الكون، والقوم وجرمهم هم سقم الجرح..

قم يا سيّدي.. فأنت رياحين جراحنا، وانثر ملح عشقك حتّى يظل مُشتعلاً هذا الجرح.. قم يا سيّدي.. فهذا عزّ الدّين قد نادى بقوة من ميادين الماضي، بأنّ هذه آلامنا قد تجددت فمن يُداوي هذا الجرح.. وساحات الأقصى تصرخ آلامها بعنفوان قم يا "فتحي"، فالجراح تكبر وتزداد ولن يُداويها سوى عشقك فهات الملح.. فملح بلادنا في زيتوننا وفي زعترنا وبساتين الورود تنشد عشقك يا شقاقيّ.. فقم وداوي الجرح.. ومن خبز الفقراء المجبول بالقهر وتعب المكلومين نستبصر طريقنا لنواصل دون كلل فهو الجرح وهو الملح.. وهذه طلقات "خالد الإسلامبولي" الثائرة تصرخ بأن لا مجال للطّغاة في ديارنا، فليرحلوا وبرحيلهم نُداوي الجرح.. وهذه ساحات "المختار" تبكي نزفاً مستمراً من أجل حريّة سلبها جنون القوم، فهم السّقم وهم الجرح..

فيا ربّ.. من لهذه الشعوب المقهورة ومن يضمّد الألم، فابعث مُخلِّصاً ليسكب الملح ويُداوي الجرح.. فيا جرح وطني حبّك منقوش في قلوبنا وعقولنا وكلّ وجداننا، ومن حروفك الثّائرة نستمد قوّتنا ولن نترك الوصيّة وسندحر وجه القبح.. يا جرح وطني المتواصل النّصر آتٍ لا محالة، والأمل ننشده من مآذن قبّة الصّخرة ومن صيحات الله أكبر وأذان الصّبح.. وصباح فلسطين يتّسم بزعفران الرّبيع ليفوح عبقه قلوب الثّائرين من رُكيعات الضّحى فيزيدهم ثورة وشوقاً، ومساؤهم مُعطّر بالنّور وكذا الصّبح.. وهذه سُنبلة الحبّ تنثر حبوب العشق لمحبوبتنا لتُنبت ميادين يكسوها مسك الثّوار من تونس الخضراء وساحات الحريّة مروراً بتراب المختار، وليس انتهاءً ببيت المقدس ليُنير ليلنا ويُداوي جراحنا، فهو مساؤنا وهو نهارنا وهو كلّ الصّبح..

فيا ربّ.. تعاظمت ذنوبنا فلا تسلّط علينا جبابرة القوم فأنت العزيز الغفّار.. ويا ربّ هذه أنظمة الجور قد طغت واستشرت في ظلمها، فارفع عن عبادك جبروتهم فأنت المنتقم الجبّار.. وداوي جروح شعوب قد قُهرت حتّى يبزغ من ظلم اللّيل ذاك الصّبح المفعم بالأنوار..