خبر ثورات مصر الشعبيَّة ..د. محمد عمارة

الساعة 09:42 ص|03 مارس 2011

ثورات مصر الشعبيَّة ..د. محمد عمارة

 

"وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ".. بل وظلموا البلاد والعباد.. !

 

لقد عرفت مصر الثورات الشعبيَّة -في عصرها الحديث- بأكثر مما عرفت كثير من البلاد..

 

ثارت ثورة شعبيَّة، قادها "مجلس الشرع" -المكون من علماء الأزهر- سنة 1220هـ 1805م، ضد الوالي التركي "خورشيد باشا"، وخلعته عن حكم البلاد، رغم أنه مولَّى من قِبل السلطان.. ويومئذ أعلن السيد عمر مكرم (1168 ـ 1237هـ / 1755 ـ 1822م) باسم "مجلس الشرع" أن الأمَّة هي مصدر السلطات.. وقال: "إن أولي الأمر هم العلماء وحملة الشريعة، والسلطان العادل، ولقد جرت العادة من قديم الزمان، أن أهل البلد يعزلون الولاة، حتى الخليفة والسلطان، إذا ساروا فيها بالجور، فإن أهل البلد يعزلونه ويخلعونه..!"

 

ولقد اختار "مجلس الشرع" -باسم أهل البلاد- محمد علي باشا واليًا على مصر، ونزل السلطان العثماني على إرادة أهل البلاد.

 

وثارت مصر ثورة شعبيَّة كبرى (1298هـ /1881م) بقيادة أحمد عرابي باشا (1257ـ 1329هـ /1841 ـ 1911م) شارك فيها الشعب والجيش، عندما طلبت البلاد الحرية والدستور، فقال الخديو توفيق (1269ـ1319هـ 1852ـ 1892م) متحديًا إرادة الأمَّة: "لقد ورثناكم من آبائنا وأجدادنا، وإنما أنتم عبيد إحساناتنا"!.. فأعاد عرابي -وهو على رأس الجيش والشعب بميدان عابدين- كلمات الفاروق عمر بن الخطاب (584ـ644م): "لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا ولا عقارًا، ووالله الذي لا إله غيره إننا لن نورث ولن نُستعبد بعد اليوم"!.. ولقد استمرَّت هذه الثورة الشعبيَّة لأكثر من عام، حتى أخمدها الاحتلال الإنجليزي لمصر سنة 1882م.

 

وتفجَّرت بمصر ثورتها الشعبيَّة الكبرى (1337هـ 1919م) بقيادة الشيخ سعد زغلول باشا (1273ـ1346هـ / 1857ـ 1927م) ابن الأزهر الشريف.. وتلميذ جمال الدين الأفغاني (1254ـ 1314هـ / 1838ـ 1896م) والابن البار للإمام محمد عبده (1266ـ 1323هـ / 1849ـ 1905م) ـ وهي الثورة التي قامت ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر، والتي دامت مشتعلة لأكثر من عامين، كان الأزهر الشريف فيها منطلق الثورة وحصن الثوار، حتى لقد اقتحمه الإنجليز، وعاثوا فيه فسادًا -كما سبق وصنع بونابرت (1769 ـ 1821) إبان ثورة القاهرة على الاحتلال الفرنسي لمصر (1213هـ 1798م).

 

وثارت مصر ثورتها الرابعة -في العصر الحديث- (1371هـ 1952م) بقيادة الضباط الأحرار والجيش المصري -ومن ورائه الشعب- ضدّ الاستبداد والفساد والمظالم الاجتماعيَّة التي جعلت ثروات البلاد حكرًا على نصف في المائة من السكان..

 

لكن الثورة الشعبيَّة الخامسة، التي فجَّرها الشباب -في 25 يناير سنة 2011م) ـ 21 صفر سنة 1432هـ هؤلاء الشباب الذين سبقوا آباءهم وأجدادهم، ثم اجتذبوا -إلى الثورة- الآباء والأجداد والأمهات والجدات، وحتى الأطفال، لكن هذه الثورة التي تفجرت في كل ربوع البلاد، والتي انخرط في أتونها كل العباد.. قد مثلت تغيرًا نوعيًّا في مستوى الشعبيَّة التي ميَّزت ثورات مصر في العصر الحديث والواقع المعاصر والمعيش.. فلماذا كان هذا التغيُّر النوعي في مستوى العمق والشعبيَّة لثورة (25 يناير سنة 2011م؟).. ذلك هو موضوع الحديث القادم إن شاء الله.