خبر خرج المارد من القمقم..معاريف

الساعة 11:49 ص|23 فبراير 2011

بقلم: د. دافيد بقاعي

محاضر في معهد العلوم السياسية في جامعة حيفا

        تقوى العاصفة في العالم العربي. إن ما بدأ في تونس وانتقل الى مصر وليبيا ينتشر مثل انتشار النار في الهشيم في العالم العربي كله، ويهدد بجر الشرق الاوسط الى عصر آخر من العنف وعدم الاستقرار السياسي. وبخلاف الماضي، ينبع العنف من مصدر جديد غير معروف في السياسة العربية ألا وهو السكان. فقد تبين للسكان انهم يملكون شيئا جديدا لم يعرفوه قط ولم يستعملوه وهو القوة السياسية. يجري على العالم العربي تغيير جوهري ربما يكون ثورة: لقد كُسر حاجز خوف الجماهير من نظم الحكم والحكام.

        ينبغي ان نفهم الظاهرة من منظار تاريخي: إن السياسة العربية قد صاغت شخصية ذات سلطة، الحياة الجماعية فيها هي المركز، والفردانية معيبة، وكذلك ايضا تصورات "الأنا" بازاء السلطة. قوّى صعود الاسلام هذه الاتجاهات بحيث أعطاها الشرعية الدينية. إن الاستسلام والخضوع المطلقين لله هما المركز، والاخلاص للدين وللمؤمنين يغطي على كل اخلاص آخر، وذلك بخلاف التصور الغربي عن أن الانسان هو في المركز وأن سلطة العقل في المركز.

        إن الجيش هو عامل القوة الأهم في السياسة العربية سواء كان ذلك نظاما عسكريا مباشرا، أو نظاما ملكيا يكون الجيش فيه دعامة نظام الحكم وينهار النظام من غيره (ايران 1979، والسودان 1989، وتونس 2011). إن المعارضة الوحيدة، وهي غير شرعية على نحو عام، هي الحركات الاسلامية. خاف الانسان العربي طوال حياته من قوة السلطة العنيفة، ورأى السياسة "داءا دويّا" ينبغي الامتناع عنه. وهذه ظاهرة تاريخية تتصل بخضوعه السياسي (اذا استثنينا "اضطرابات الخبز") وكانت أسسها اجتماعية – دينية.

        لم تكن أحداث الشغب التي بدأت في تونس تختلف عن أحداث شغب الخبز الكثيرة التي وقعت في عشرات السنين في الدول العربية وأثارت مطالب العمل ايضا. بيد انه حدث هنا شيء لم يفكروا فيه ومن المؤكد انهم لم يقصدوا احرازه: سقط النظام وتبين للسكان العرب فجأة انهم يملكون قوة سياسية؛ وأن نظم الحكم العربية هي التي تخاف من الجماهير لا العكس؛ وأن وسائل الاعلام العالمية تعزز قوتهم ببثها ذلك في جميع أنحاء العالم تحت عنوان النضال من اجل الحريات.

        لا يستطيع أي نظام حكم عربي أن يرى نفسه منيعا من تأثيرات الاضطرابات، في ثلاثة اتجاهات رئيسة: اولا، الفوضى الخالصة. هذه هي القوة المُسكرة التي ظهرت فجأة عند الجماهير، وتُستعمل مثل حافز يدفع نحو اعمال احتجاج. إن أجيال القمع والاستسلام تنطلق في قوى جبارة معارضة لا مؤيدة بالضرورة. إن رفع النعل في مواجهة الحاكم ظاهرة ثقافية جوهرية ذات تأثيرات كبيرة. وثانيا، سعي دول اخرى الى تأجيج الجماهير، وثالثا – وهذه هي الظاهرة المركزية الأهم – نشاط حركات الاخوان المسلمين لضعضعة النظم من الداخل وإسقاطها.

        كيف سينتهي هذا؟ اذا لم يستعمل الجيش كل قوته لقمع الجماهير، وهو شيء سيصعب عليه اليوم في ضوء الانكشاف الاعلامي وتدخل الجهاز الدولي، وهذا هو الشرط، فانه يمكن الحديث عن تبدل نظم الحكم – لا نحو مسار التحول الديمقراطي بل الى نظم حكم اسلامية متطرفة، قد تجعل الواقع أشد سوءا، وتفضي الى حروب داخلية عنيفة والى حروب اقليمية. يتبين الجهاز الدولي الآن ان السياسة العربية فوضوية في أساسها وان النظام السياسي لم يتم احرازه إلا بعنف نظم الحكم المتسلطة. وقد بدأ كل شيء ينتقض الآن.