خبر الزلزال الإقليمي وثورة مصر لا يلغيان أو يضعفان الاختلافات الداخلية العميقة في إسرائيل

الساعة 08:03 ص|21 فبراير 2011

الزلزال الإقليمي وثورة مصر لا يلغيان أو يضعفان الاختلافات الداخلية العميقة في إسرائيل

كتب : حلمي موسى

تختلط الأمور وتتداخل في إسرائيل بشكل كبير هذه الأيام بحيث لم تعد قضايا بالغة الأهمية في العادة تثير قدراً عالياً من الاهتمام. فالأنظار تتجه بشكل عام نحو ما يجري في المنطقة من زلزال يهز العروش ويهدد بواقع جديد. فمصر التي كانت عنوان الاستقرار الإقليمي، في نظر إسرائيل، أثناء العقود الثلاثة الماضية باتت بركاناً لا يعرف أحد متى يخمد وأين سيلقي في هذه الأثناء حممه. والواقع الإقليمي الذي حسب كثيرون أنه بتقسيمته التي كانت قائمة حتى الآن، بين محوري الاعتدال والتطرف، سوف يبقى على حاله إلى أجل بعيد يكاد يلفظ أنفاسه. والأهم أن المكانة الفائقة لأميركا في المنطقة العربية باتت موضع تساؤل وتشكيك بعد أن كان ينظر إليها على أنها قدر أبدي.

ولكن ليس هذا هو الحال وحسب بل إن له أوجها أخرى ليس أقلها أهمية إقدام الإدارة الأميركية على استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد قرار إدانة لإسرائيل بشأن الاستيطان. ورغم مسارعة حكومة إسرائيل لمباركة الموقف الأميركي واعتباره إنجازاً إلا أن هناك من اعتبر أن تبريرات الفيتو الأميركي كانت صفعة لحكومة نتنياهو وأن هذا قد يكون الفيتو الأميركي الأخير. فاستخدام أميركا لحق النقض الفيتو أظهر تزايد اعتماد إسرائيل على أميركا في الحلبة الدولية. ومما لا ريب فيه أنه كلما زاد هذا الاعتماد زادت قدرة أميركا على الضغط على إسرائيل، خصوصاً في قضايا تختلف فيها مع الحكومة الإسرائيلية وبينها الاستيطان والتسوية عموماً. ولم يغفل أحد عن معنى إصرار السلطة الفلسطينية، التي سبق واكتوت بنار قبولها للضغوط الأميركية في قضية تقرير غولدستون، وتعبير ذلك عن مقدار تراجع الدور الأميركي. فقد أظهر التصويت أميركا، في هذا الوقت الذي تحاول الظهور فيه بمظهر المتصالح مع جماهير الثورات العربية، على أنها عديمة الوفاء لموقفها من الاستيطان وأنها تغلب المصلحة الإسرائيلية على أية مصلحة أخرى. ومن المؤكد أن لذلك آثاراً لاحقة على مكانة ودور أميركا في المنطقة خاصة إذا أفلحت الثورات الشعبية في فرض صيغة جديدة على طريقة تعاطي حكوماتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

وفي هذا الوضع بالذات وقعت في إسرائيل أمور ما كان أحد يحسب أن تمر هكذا من دون أن تترك أثراً. فرئيس الأركان المعين يؤآف غالانت يجد نفسه، على قارعة الطريق، بعد أن كاد تعيينه، أو بالأحرى محاولات منع تعيينه، تفجر الجيش الإسرائيلي في ما عرف حينها بـ«وثيقة غالانت». فالمحكمة العليا هي التي قررت عدم صلاحيته لتولي المنصب العسكري الأرفع بعد أن تبين أنه كذب على السلطات بشأن أراضٍ للدولة استولى عليها.

وأعيد إلى الخدمة الفعلية جنرال كان قد خرج من الخدمة العسكرية بطرقة باب مدوّية قبل أسابيع فقط لأنه تم اختيار غالانت رئيساً للأركان. وتولى هذا الجنرال، بني غانتس، رئاسة الأركان بطريقة أعادت للأذهان أساليب اختيار القادة في إسرائيل وهي أساليب يصعب العثور على قواعد راسخة لها. ففي الأعوام الخمسة الأخيرة أعيد إلى الخدمة رئيس الأركان المنصرف، غابي أشكنازي، بعد صدمة حرب لبنان الثانية.

كذلك فإن تعيين غالانت، الذي ترافق بفضائح اعتبرها البعض تعبيراً عن سيطرة ألاعيب المافيا على الجيش، اعتبر تمهيداً لضربة عسكرية ضد إيران خلافاً لبدائل كان بينها غانتس نفسه والتي كانت تعني استمرار الوضع الاستعدادي والاحتوائي الذي مثله أشكنازي. وفي كل الأحوال تشهد تغييرات المواقف على أن ما كان مرفوضاً قبل لحظة يغدو الخيار المسلم به في لحظة أخرى.

ومما لا ريب فيه أن رئيس الأركان الجديد يتسلّم مهام منصبه في وضع تهتز فيه المنطقة عموماً ويجد فجأة أمامه قوات بحرية إيرانية تخطط للبقاء في البحر المتوسط لمدة عام تقريباً. وبكلمات أخرى فإن إسرائيل التي كانت ترى في كل فعل مقاوم على الجبهة اللبنانية أو الفلسطينية استفزازاً وكانت تأمل أن تقوض التحالف السوري مع فصائل المقاومة ومع إيران تجد نفسها أمام زخم جديد في ظل إحساس بتراجع أميركي. بل إن معلقاً سياسياً مشهوراً قال في «هآرتس» إن الضربة الإسرائيلية لإيران انتهت عملياً بسقوط حكم الرئيس حسني مبارك.

ولكن إسرائيل ليست فقط عسكراً ورئيس أركان بل هي أيضاً الحلبة السياسية. وقد كان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان نجم الساحة بامتياز في الأسابيع القليلة الفائتة. إذ أنه لقن بنيامين نتنياهو دروساً متكررة في الأداء السياسي وأحرجه في العديد من الميادين وكان آخرها قرار رئيس الحكومة تعيين مستشاره للأمن القومي، عوزي أراد، سفيراً في العاصمة البريطانية. فقد خرج ليبرمان ليعلن أن من يقوم بتعيين السفراء هو وليس نتنياهو وأن تعيين أراد لن يتمّ. ولم يحاول ليبرمان تغليف موقفه بأي ستار. وهذا هو الإحراج الكبير الثاني بعد خطابه المشهور في الجمعية العمومية للأمم المتحدة الذي سخّف فيه سياسة السلام التي أعلنها نتنياهو.

ومن المؤكد أن ليبرمان ما كان ليقدم على أفعال كهذه لولا يقينه بأنه عبرها يقدّم الخدمات لنفسه. فالشارع الإسرائيلي في ظل المخاوف من آثار الزلزال السياسي في المنطقة يغدو أشد تصلباً ويمينية وأكثر ميلاً للركون إلى زعامة يعتبرها قوية. ونتنياهو في هذه الحالة يبدو ضعيفاً مما يجعل ليبرمان الشخص الأكثر ترشحاً لاحتلال مكانه. وحسب المعطيات المتوفرة من استطلاعات الرأي فإن كل خسارة شعبية لنتنياهو تصب في خانة ربح صاف لليبرمان. ربما لهذا السبب يسعى ليبرمان، بكل طاقته، لإظهار ضعف نتنياهو السياسي والإداري ليثبت أنه الأكثر تأهيلاً لقيادة إسرائيل في المرحلة المقبلة.

هناك من يرى تصرفات ليبرمان في إطار دفاعه عن نفسه أمام القضاء الإسرائيلي الذي يلاحقه بتهم الفساد. ولكن الأمر المؤكد هو أن دوافع ليبرمان سياسية أكثر منها قضائية، وأن الأخيرة في أحسن الحالات تغدو مسألة هامشية إذا حقق نجاحه السياسي الكبير.