خبر محاولات تجميل إسرائيلية ..د. مصطفى يوسف اللداوي

الساعة 10:38 ص|19 فبراير 2011

محاولات تجميل إسرائيلية ..د. مصطفى يوسف اللداوي

تدعي إسرائيل أنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، وأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، فهي نسيجٌ منفرد، ومثالٌ متميز، وحالة نادرة بين دول المنطقة، لذا يجب على المجتمع الدولي ودول الاتحاد الأوروبي أن يثقوا بها، وبنظامها الديمقراطي، وباستقرار الحكم فيها، والتداول السلمي للسلطة بين أحزابها، إذ لا احتكار للسلطة، ولا تزييف في الانتخابات، ولا رشوة أو شراء للأصوات، ولا بلطجية ولا مقاولي أصوات، ولا محاولاتٌ لتعديل الدستور واللوائح والأنظمة الانتخابية للاستئثار بالسلطة، والتفرد بها، وعدم التنازل عنها، فوجوه الحكم فيها يتغيرون ويتبدلون، ويستقيلون ويقالون، ورموز السلطة فيها تحت القانون ويخضعون له، فيتقدمون للمحاكمة والمساءلة، ويخضعون للتحقيق والاستجواب أمام الشرطة، ويمثلون أمام القضاء وفي المحاكم، وتصدر بحقهم أحكامٌ وعقوبات، ويشهد ضدهم مواطنون ومسؤولون، وتقدم ضدهم شواهدٌ وأدلة إدانة واتهام، ويبحثون كغيرهم عن محامين للدفاع عنهم، ومحاولة تبرئتهم، فلا يقوون على رشوة القضاء، أو تزوير الشواهد أو إخفاء القرائن، فيستسلمون لحكم الشارع، والرأي العام.

وتدعي إسرائيل أنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي ترعى وتحفظ حقوق الإنسان، وتلتزم العهود والمواثيق الدولية، وشرائع حقوق الإنسان الأرضية والسماوية، ففيها يتمتع المواطن بكامل حقوقه المدنية والدستورية، فلا تغولٌ عليه، ولا مصادرة لحقوقه، ولا قيد على حريته، ولا كبت لرأيه ووجهة نظره، ولا عقاب له على مواقفه وولاءاته السياسية، ولا محاولات للتضييق عليه في رزقه وعمله، بل ضمانٌ لرفاهيته، وحرصٌ على توفير مستلزمات عيشه وحياته، والتزامٌ برعايته مسناً ومتوفى، نفقة في الصحة، وضمان في المرض، ومساهمة في تحمل الأعباء، ومشاركة في المصائب والمحن، والتزامٌ بأمن المواطن وسلامته، وحرصٌ على حياته ومصالحه، وملاحقةٌ أمينة لكل من يهدد حياة مواطنيها ويعرضها للخطر، أو يعتدي على مصالحهم ممتلكاتهم، بل تمتد الرعاية لمواطنيهم في سفرهم وخلال رحلاتهم إلى أي مكانٍ في الدنيا، تحذيراً وحراسة ومرافقة، وضماناً للأمن والسلامة.

وتدعي إسرائيل أنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتمتع بالاستقرار والهدوء الداخلي، فلا مشاكل ولا اضطرابات، ولا مظاهراتٌ ولا اعتصامات، ولا محاولاتٌ محمومة لاسقاط الحكومة، ولا تشويه لها في الداخل والخارج، ولا معارضة ترتبط بأجندةٍ خارجية، وتلتزم بتوجيهاتٍ أجنبية، ولا انتقاداتٌ لأداء الشرطة والأجهزة الأمنية، إذ لا سجون ولا معتقلات، ولا مراكز تحقيق ومقرات توقيف، ولا تعذيب ولا اعتقالاتٌ سياسية، ولا إهانة لكرامة الإنسان، ولا إهدار لحقوقه ومكتسباته، ولا شبح ولا تعليق، ولا ضرب ولا نفخ ولا كهرباء، ولا أفران ولا براداتٍ ولا زنازين انفرادية، ولا أقبية أشبه بالقبور والكبسولات، بل رضىً عن الأجهزة الأمنية الساهرة على حياة المواطن، واعجابٌ بأداء الشرطة التي تتفانى في خدمة الشعب، وتسهر على راحته، وتعمل كل شئ لضمان أمنه وعدم ضياع حقه.

تحاول إسرائيل من خلال وسائل إعلامها أن تظهر الجانب المشرق من صورتها، وهو الذي يتعلق بمواطنيها وسير الحياة فيها، وهي صورةٌ زائفة، ومظاهر منافقة، ومحاولاتٌ جادة ومقصودة لذر الرماد في العيون، وإيهام المجتمع الدولي وخداعه، بأن هذه هي الصورة الحقيقية لدولتهم، وأنها تختلف عن كل دول الجوار، وأنها الأحق بالبقاء دون غيرها، ولكنها تخفي الجانب الحقيقي الآخر، الذي يعبر بصدقٍ عن حقيقتها، ويكشف عن صورتها، ويظهر طبيعتها العدوانية البشعة، المتنافية مع الحضارة والديمقراطية وحقوق الإنسان، والذي كشفته ممارساتها العنصرية ضد العديد من المواطنين الغربيين الذين أبدوا تعاطفاً مع الفلسطينيين، وتضامنوا معهم في المطالبة بحقوقهم وأرضهم، والتي برزت كذلك في اعتداءاتها الوحشية على قافلة الحرية التركية وقتلت عدداً من المتضامنين الأتراك، وهي الصورة التي أصبحت تتضح بصورةٍ أكبر يوماً بعد آخر، وتكشف بقوةٍ عن صورة إسرائيل لدى العالم، إذ أن جنودها وجرافاتها قد قتلوا وسحلوا العديد من مواطني ورعايا الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.

العالم كله أصبح يعرف الصورة الحقيقة لإسرائيل، وأنها ليست واحةً للديمقراطية، ولا مثالاً للعدالة، ولا نموذجاً للدولة العصرية، بل هي دولةٌ عنصرية إرهابية، تمارس إرهاب الدولة بأبشع صوره، فهي أقرب ما تكون إلى صورة النظام العنصري البغيض الذي كان سائداً وحاكماً في جنوب أفريقيا، وهي تشبه الوافدين البيض من وراء البحار إلى القارة الأمريكية الذين عملوا على إبادة الهنود الحمر والاستيلاء على أرضهم وحقوقهم وممتلكاتهم، فهي ترتكب الجرائم الموصوفة دولياً بحق المواطنين الفلسطينيين، وتنتهك حقوقهم، وتصادر ممتلكاتهم وأرضهم، وتقتل شبابهم ورجالهم ونساءهم، وتعتقل الآلاف منهم، ولا تبالي بقوانين حقوق الإنسان، والشرائع الدولية، فصورة إسرائيل وهي تحرس مستوطنيها الذين يهاجمون البيوت الفلسطينية، وتطردهم من مساكنهم، وتلقي بأمتعتهم الشخصية خارجها، وتحتلها وتقيم فيها مكانهم، وصورتها وهي تبني جدارَ الفصل العنصري، الذي يقسم البيوت الفلسطينية، ويحول دون التلاميذ ومدارسهم، والعمال ومعاملهم، والمزارعين وحقولهم، هي الصورة الحقيقة لكيانهم، الصورة التي تتنافى وتتناقض مع الديمقراطية.

ولكن أليس من حق إسرائيل أن تفخر على جيرانها بأنها الدولة الديمقراطية التي تهتم بمواطنيها، وتسهر على راحتهم وأمنهم وسلامتهم، فنحن الذين نعطي إسرائيل الحق بالتميز، ونعطيها الذريعة بالتظاهر، ونمنحها الفرصة لتكذب وتنافق وتدعي، رغم أن الصورة الداخلية التي تدعيها صورةٌ كاذبة وزائفة، فحجم الخلافات بينهم كبير، ومدى التناقض بين سكانهم أكبر من أن تطويه سياسة حكوماتهم، فهم كعهدهم في كل العصور، مختلفون متباينون متشاكسون، منافقون طماعون ماديون ربويون، قذرون وسخون، لا يحبون الخير لبعضهم ولا لأنفسهم، ولكننا نمنحهم الفرصة لأن يخفوا عيوبهم، ويظهروا ما يعتقد الآخرون عندهم أنه يلمع، فنحن أولى منها بالحفاظ على كرامة مواطنينا، وضمان حقوقهم وأمنهم وسلامتهم، وضمان تمتعهم بكل حقوقهم في المواطنة الكاملة، ليكون لهم رأي وصوتٌ مسموع، فلا تفتح لهم السجون، ولا تبنى لهم المعتقلات، ولا يحرمون الحرية لأنهم يجهرون بصوتهم، ويطالبون بحقوقهم، فلو قدر لنا أن نعبر عن حقيقتنا، وعن موروثاتنا الحضارية، فسنكون نحن الصورة الديمقراطية الأنقى، والصفحة الحضارية الأكثر عراقةٍ وحداثة، ولن يكون بإمكان إسرائيل بعد ذلك أن تدعي وتكذب، وتفتخر وتتباهى، وسنكون أقرب إلى تحقيق أهدافنا، واستعادة حقوقنا، وفرض احترامنا على الآخرين، ونكون نحن المثال المحتذى، والنموذج المميز، وسنكون أقدر على الحوار والنقاش واللقاء والاتفاق والتفاهم والتحالف والإئتلاف.