خبر ثورة مصر دروس أولية.. اسرائيل اليوم

الساعة 09:25 ص|11 فبراير 2011

بقلم: يوسي بيلين

        (المضمون: القاهرة كانت كالبركان الهادىء، شكل قبل انفجاره جزءا من المشهد الرائع. كنا نعرف دوما انه اذا لم تقع تغييرات هامة في الانظمة المطلقة هذه فسيأتي يوم يثور فيه الجمهور - المصدر).

        1. لا توجد أي امكانية لمعرفة متى سينفجر الامر. هذا ليس يوم الغفران لاجهزة الاستخبارات في العالم وذلك لان الثوريين أنفسهم لم يعرفوا بانهم يقفون أمام الثورة. لم تكن هناك وثائق سرية في الخزائن ولا خطط نجحوا في اخفائها عن عين الاعلام والعالم. هذا ببساطة حصل.

        مثل البركان الهادىء، الذي حتى لحظة انفجاره يشكل جزءا جميلا من المشهد الرائع. عرفنا دوما بانه اذا لم تتحقق تغييرات هامة في هذه الانظمة المطلقة، سيأتي يوم فيثور الجمهور. قد تكون هذه حادثة طرق، مثل تلك التي أشعلت الانتفاضة. ويحتمل أن يكون هذا شابا عاطلا عن العمل يحرق نفسه في تونس. ولكن دوما الحديث يدور عن حدث ليس دراماتيكيا بالضرورة، ولكنه القشة التي تقسم ظهر الجماهير، وتجلبهم الى الميدان الذي قد يقعون فيه مصابين بل وقتلى. هذه هي اللحظة التي يتوصلون فيها الى الاستنتاج بان ليس لديهم ما يخسروه.

        2. ليس للعالم الديمقراطي امكانية لمقاطعة من ليس كذلك. ومع ذلك، فان المطالبة بالتحول الديمقراطي يجب أن تستمر. وان كان من المشكوك فيه للانظمة المطلقة ان تستجيب لها. فهي سترى دوما التخلي عن صلاحياتها كاستسلام وهي تفهم بانه لن يرضي الجماهير أي تنازل. معظم الزعماء سيفضلون ان يقيموا دول شرطة الى أن يسقطوا. وعليه، فالسؤال هو متى ستتأزر الجماهير بالشجاعة فيثورون وليس متى سيفهم الزعماء بان عليهم ان يتنازلوا.

3. الصين هي النموذج الافضل، بل والاكبر. فكم من الوقت كان يمكن الابقاء على 1.4 مليار نسمة في اطار مصطنع جدا، مع قيود شديدة جدا على الحريات الشخصية، في وضع يكون فيه المواطنون متعلمين ويطلعون أكثر فأكثر على وسائل الاعلام العالمية؟

اذا لم يسمح للاحزاب المختلفة بالمنافسة على قلب الناخب الصيني، اذا لم تمنح حرية تعبير حقيقية، ويستمر زج الحاصلين على جائزة نوبل للسلام في السجون – فستأتي اللحظة التي تأتي فيها الجماهير الى الميدان. في اللحظة التي تتماثل فيها قوات الامن مع المتظاهرين وليس مع مرسليهم، سيتغير النظام. هذا يمكن ان يحصل اليوم، او بعد ست سنوات، ولكنه لن يتأخر عشرات السنين وعندما يحصل، فان هذا لن يكون يوم غفران آخر للاستخبارات، وذلك لانه لن يكون ممكنا معرفة ذلك مسبقا.

4. عصر التويتر والفيس بوك يساهم في خلق اتصال بين الثوريين. ولكن الثورة تصنع في الشارع، وليس على الانترنت. 10 مليون دخول الى الصفحة لن تحل محل 100 الف نسمة في الميدان، ممن يكونوا مستعدين لكشف وجوههم، لرفع اليافطات، للتعرض للضربات. صحيح أن الحاكم مقتنع بان الجماهير هي أدوات في يديه، يهتفون فيه لكل شعار هراء له ويصرخون باسمه، الا انهم خوفه الاكبر.

للوهلة الاولى، دون سبب واضح فانهم كفيلون بتغيير اذواقهم، مهما كان الحكم الجديد، على الا يبقى الحكم القائم. "أنا تعب ومستعد للرحيل، ولكن علي ان ابقى لزمن قصير آخر كي اضمن الا تقع هنا الفوضى"، يقول الحاكم المرشح للتنحية، وهو يؤمن بذلك بكل قلبه، ولم يعد يفهم بان اقواله تسمع كنكتة في آذان الجماهير. الميدان كفيل بان يكون فارغا لسنوات وسنوات، ولكن عندما يمتلىء، يشكل الغضب القاسم المشترك فيه وعندها فانه يطالب بشيء واحد: رأس الرئيس.

5. لا تكفي السيطرة الذكية على أجهزة الامن لضمان السيطرة على الشارع. الاختبار الحقيقي ليس الاجهزة، بل من يستخدمها. هذا لا يكون في أي حال الحاكم نفسه، بل دوما الاشخاص الهادئين، الذين لا يعرف هو اسماء معظمهم، ممن يؤدون التحية له باستسلام، يفتحون له باب السيارة المحصنة، ويهمسون في اذنه بسر استخباري.

وهو يرغب في أن يرى فيهم مخلصين له في كل لحظة وفي كل ظرف، وهو دوما سيفاجأ إذ يتبين أن احدا ليس انسانا آليا. في نهاية اليوم، هؤلاء الاشخاص لن يستخدموا الاجهزة المسؤولين عنها، اذا قرروا بان لا مبرر لذلك أو أن الحديث يدور عن احبولة سلطوية مجنونة. أو أنهم "يكتشفون وجوههم الحقيقية" وسيكونون هم الذين يقصرون ساعات الرجل الذي خدموه لسنوات طويلة.

6. عندما يُسأل قادة الاخوان المسلمين عن اتفاق السلام مع اسرائيل، معظمهم يوضحون بانهم سيحترمون كل تعهدات مصر، بما في ذلك اتفاق السلام. وتظهر عدسة الكاميرا كم صعب عليهم قول هذا، ولكن واضح بانهم اذا كانوا معنيين بشرعية دولية فلا مفر امامهم. الاخوان المسلمون شجبوا الاتفاق مع اسرائيل، ولو كان الامر منوطا بهم لما وقع ابدا، ولكن قوة الاتفاق الموقع شديدة جدا.

من يؤمن بان اتفاقات السلام مع جيراننا هي مصلحة اسرائيلية، فان عليه أن يبذل جهدا كبيرا كي يوقع على مثل هذا الاتفاق في اللحظة التي يكون فيها الطرف الاخر مستعدا لذلك دون أن يطلب ضمانات لتنفيذ الاتفاق حتى في وضع تغيير الحكم. حتى لو كانت الحجة بان محمود عباس ليس زعيما قويا حجة محقة، وحتى لو كان صحيحا انه لا يعبر عن رأي قسم من الفلسطينيين – فان اتفاقا موقعا معه، كرئيس م.ت.ف أمام العالم بأسره، سيضمن، بقدر كبير ان يحترم الاتفاق حتى اذا ما وقع الحكم في يد عناصر لم تكن ابدا لتوقع بمبادرتها على مثل هذا الاتفاق.

7. احيانا قد تؤدي علاقات الثقة بين الزعماء الى قرارات هامة لدولهم. ولكن في لحظة الحقيقة تؤدي هذه العلاقات دورا ثانويا. عندما قدرت ادارة اوباما بان مبارك فقد تأييد شعبه، لم تعد مستعدة لان تذكر له فضائل شبابه، تأييد الولايات المتحدة في حرب الخليج، السياسة المؤيدة للغرب والحفاظ على اتفاق السلام مع اسرائيل.

في لحظة الحقيقة كان على مبارك ان يثبت لاوباما بان الحفاظ على حكمه ممكن، وان في ذلك اهمية استراتيجية للولايات المتحدة. ولما لم يفعل ذلك، فقد دفع الى الحائط وطلب منه أن يضع حدا لتمسكه بقرني المذبح. فجأة تبدو المشاهد من زيارته الى الولايات المتحدة كصور من عوالم بعيدة.

8. الناس هم الناس هم الناس. هناك أناس بطبيعة معتدلة، وهناك من فتيلهم قصير. يحتمل أن يكون ايضا للطابع القومي تأثير على ذلك. ولكن لا يوجد أناس لا يمكن اخراجهم من هدوئهم. لا يوجد اناس يسلمون بمنع حرياتهم على مدى الزمن، ولا سيما حين يكونوا على علم بان آخرين في العالم غير مقيدين بالقيود التي فرضت عليهم.

التفسير الوارد الذي يقول ان المصريين مستعدون للتسليم بكل نظام، كان تفسيرا سخيفا، مثله مثل كل محاولة اخرى للتنبؤ بتسليم كل شعب بالنظام في بلاده. احيانا يدور الحديث عن أنظمة وحشية تهديدها أكبر وتنجح في ردع شعوبها على مدى زمن أطول، احيانا يدور الحديث عن جمهور عانى لسنوات طويلة، ولا يسارع الى التمرد ودفع الثمن. ولكن في نهاية المطاف الناس يريدون ان يحرروا انفسهم من السجون، بما في ذلك اكثر السجناء انضباطا.