خبر الاضطرابات في مصر: معانِ أولية -نظرة عليا

الساعة 09:28 ص|10 فبراير 2011

الاضطرابات في مصر: معانِ أولية -نظرة عليا

بقلم: شموئيل ايفن

        (المضمون: في الازمة الحالية ليس لاسرائيل أي قدرة أو سبب للتدخل ومن الافضل للمسؤولين الاسرائيليين ان يحافظوا على ضبط النفس. ومع ذلك فان امكانية ان تتوجه مصر الى اتجاهات مختلفة ليست امكانية نظرية وعلى اسرائيل أن تأخذ بالحسبان معاني السيناريوهات المحتملة - المصدر).

        يقف الرئيس مبارك امام التحدي الاكبر لحكمه منذ حل محل الرئيس السادات قبل نحو ثلاثين سنة. في 28 كانون الثاني، بعد بضعة أيام من المظاهرات العنيفة في أرجاء مصر استخدم مبارك الجيش لقمع الانتفاضة. والى ذلك أعلن مبارك ابن 83، بانه "لن يسمح بأمر يهدد السلام، القانون ومستقبل الدولة". في 29 كانون الثاني عين مبارك رئيس المخابرات المصرية، عمر سليمان، نائبا له وكلف أحمد شقيق (قائد سلاح الجو المصري السابق) بتشكيل حكومة جديدة في مصر، لتنفيذ الاصلاحات وذلك بهدف تهدئة الجماهير. في هذه المرحلة الازمة في ذروتها ولا يمكن الاشارة الى نتائجها المحتملة.

        خلفية الاحداث

        تعد مصر اليوم 81 مليون نسمة، بمعدل نمو سنوي للسكان 2 في المائة، والانتاج السنوي للفرد 6.200 دولار (بمقاييس القوة الشرائية). الاحتجاج في مصر نشب بشكل عفوي على خلفية الوضع الاقتصادي للطبقات الفقيرة، الفساد السلطوي والتشجيع الذي استمدته الجماهير في مصر من الثورة في تونس. بينما مقربو الحكم في مصر يعيشون نمط حياة فاخرة، تكافح الطبقات الفقيرة تحت عبء العيش الاساس، والطبقة الوسطى آخذة في التآكل. البطالة تقترب من 10 في المائة وأسعار المواد الغذائية تصعد الى السماء. وساهم في ذلك الارتفاع الشديد لاسعار المواد الغذائية في العالم مما أدى الى ارتفاع عال للاسعار في السوق المحلية، رغم الدعم الحكومي الذي يتوفر للمنتجات الاساسية. هذه الظاهرة تقبع أيضا في اساس موجة الاحتجاج في ارجاء العالم العربي – في تونس، في اليمن وفي الجزائر.

        في مصر، مثلما في هذه الدول، مستوى معيشة الطبقات الفقيرة متدن جدا ويتمثل بالاحتياجات المعيشية الاساسية؛ وذلك لان مستوى الدخل المتوسط في مصر متدن جدا بالقياس الدولي ولانه لا توجد فيها آليات متطورة لتقديم مساعدات الاغاثة، مثلما توجد في الدول المتطورة. في أعقاب مسيرة الهجرة من القرية الى المدينة، ترتزق اغلبية السكان في مصر (اكثر من الثلثين) من فروع الخدمات، التجارة والصناعة، وغير قادرة على الوصول الى مصادر الغذاء في الحق، مثلما كانت في الماضي السحيق.

        خصائص الازمة

        الاحتجاج هو ذو طابع شعبي وليس مبادرة من المعارضة الاسلامية (رغم أنه شارك في المظاهرات محافل اسلامية، كجزء من الجمهور). غياب التنظيم المركزي المسؤول عن الاحداث يجعل اكثر صعوبة على الحكم تشخيص العناصر التي يعمل ضدها. ومع انه انضم الى المتظاهرين زعماء من المعارضة، مثل محمد البرادعي الذي يرى نفسه مرشحا للرئاسة في الانتخابات التي يفترض أن تجرى هذه السنة، الا أنهم لم يقودوا المنتفضين. وصحيح حتى الان، مع ان الجيش يقف في مواقع أساسية في المدن الا انه لا يعمل على كبح جماح المتظاهرين، وليس واضحا كيف سيتصرف لاحقا. يبدو أن في هذا المرحلة تكتفي القوات بالدفاع عن مباني السلطة ولا تعمل بشكل نشط في مجال النظام العام.

        وقد اضيف الى مصاعب مبارك الضغط الامريكي ايضا. وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون قالت في 26 كانون الثاني: "نحن ندعم الحقوق العامة للشعب المصري، بما فيها الحق في التعبير الحر، الحق في التنظيم والحق في التجمع. ونحن نناشد الحكم المصري عدم منع الاحتجاج الهادىء او اغلاق وسائل الاتصال". اقوال بهذه الروح قالها ايضا الرئيس اوباما في 28 كانون الثاني ردا على خطاب مبارك. تحفظ الادارة على مساعي النظام المصري للدفاع عن نفسه يذكر بموقف ادارة جيمي كارتر من نظام الشاه في ايران عشية الثورة الاسلامية في 1979، والذي من شأنه أن يؤثر على مكانة الولايات المتحدة في أوساط الانظمة ذات الطابع المشابه في المنطقة.

        في الازمة الحالية، مثلما في تونس ايضا، يبرز الاستخدام للشبكات الاجتماعية، مثل تويتر وفيس بوك. ويستخدم النشطاء الشبكة ليس فقط لاغراض الدعاية والتبليغ عن عنف النظام، بل ولاغراض عملية ايضا – لتجنيد المشاركين، لتنظيم المظاهرات ولادارة الاحداث. في أعقاب ذلك قطع النظام المصري الانترنت وبشكل جزئي الاتصال الخلوي. تحد اضافي للنظام وكثرة وسائل الاعلام الدولية التي تبث مباشرة من ساحة الاحداث. العين الفاحصة من جانب السكان المحليين والاسرة الدولية تجعل من الصعب عليه العمل بحزم ضد المنتفضين.

        أحداث سابقة

        مبارك يعرف جيدا المخاطر الكامنة في الوضع الاقتصادي المتدهور على الاستقرار الداخلي. في اضطرابات الغذاء في ايلول الثاني 1977، والتي قتل خلالها نحو 50 شخصا واصيب نحو 600، عمل مبارك على قمع الاضطرابات كنائب للسادات. السبب المباشر للاضطرابات كان رفع اسعار المنتجات الاساسية، في أعقاب محاولة الحكومة تقليص الدعم الحكومي للبضائع. بعد ثلاثة ايام تراجع النظام عن هذه المحاولة. في شباط 1986 تصدى مبارك لحدث احتجاجي آخر على خلفية اقتصادية، انتهى بتدخل الجيش. وقد بدأ الاضطرابات جنود من وحدات الامن المركزي في القاهرة، وسرعان ما اتسعت في مناطق اخرى في مصر. المشاغبون، الذين صبوا جام غضبهم على الاهداف الاقتصادية – المحلات التجارية، البنوك وما شابه، اوقفهم الجيش في النهاية. وكتب في الصحافة المصرية بان المسبب للاضطرابات هو الوضع الاقتصادي الذي وجد تعبيره في قلة الاغنياء وكثرة الفقراء، وان الاضطرابات بدأها الجنود الذين يعانون من استياء شديد وانضم اليهم مواطنون فقراء. رغم وجه الشبه، يبدو ان الازمة الحالية في مصر أكبر منذ الان من الاحداث اياها، التي تمكن النظام من التغلب عليها في الماضي.

        ماذا بعد؟

        السؤال الى أي مدى ستتعمق الازمة ونتائجها متعلق بقدرة المنتفضين او قوى المعارضة في الدولة على ترجمة الاحتجاج الى قوة سياسية في وجه قوة الرئيس والاجهزة التي تحت تصرفه. وستكون أهمية بالغة لموقف الجنرالات كما رأينا في الاطاحة بالرئيس بن علي في تونس. حاليا، ليس معروفا عن وجود شروخ في تأييد الجيش للنظام ولكن كما اسلفنا لا يظهر استعداد لدى الجيش للصدام مع المتظاهرين، ومسألة استعداد الجيش للعمل من أجل استمرار نظام مبارك هي مسألة ذات معنى حاسم.

        في هذه المرحلة، الازمة في ذروتها ومن الصعب توقع نتائجها. النتيجة النهائية لن ترتبط بالضرورة بسبب الانتفاضة أو بالدفاع التي اثارها، بل بمنظومة القوى التي ستنشأ في أعقاب الانتفاضة والعوامل التي ستنجح هذه في تحويلها الى رافعة تخدمها. في منظومة القوى هذه كفيلة المعارضة الاسلامية بان توسع نفوذها. ومع ذلك، حتى لو نجح النظام في صد الانتفاضة، يبدو أن وجه مصر لن يعود مثلما كان في الماضي، وحكم مبارك من المتوقع أن ينتهي هذه السنة بهذا الشكل او ذاك.

        حتى لو واصل مبارك حكمه، يبدو أنه سيضطر الى التنازل عن تتويج ابنه جمال مبارك رئيسا في الانتخابات الرئاسية في 2011. وهكذا تنتهي خطوة تعتبر في نظر الكثيرين في مصر كمحاولة لاعادة الملكية من البوابة الخلفية، مثلما فعل حافظ الاسد في سوريا، الذي عين ابنه بشار رئيسا.

        في حالة احتدام الازمة، قد يدفع مسؤولو النظام الحالي بمبارك الى تقديم موعد اعتزاله الحكم، وتعيين رئيس مؤقت حتى الانتخابات. وهكذا كفيل النظام بان يبقى على حاله ولكن بتركيبة اخرى.

        في سيناريو آخر، قد تعلق مصر في ظاهرة من عدم الاستقرار لا يوجد لاي من الاطراف المتعارضة مصلحة فيها. في ظروف معينة فان انشقاق القوى القائم من شأنه أن يرفع الى الحكم نظاما اسلاميا متطرفا، وذلك ضمن امور اخرى بسبب القدرات التنظيمية القائمة اليوم لدى الاخوان المسلمين في مصر.

        صدى الاحداث في مصر وفي تونس كفيل بان يتواصل في رحلته الى دول اخرى في الشرق الاوسط، والتي تعاني الكثير منها من أعراض مشابهة. التخوف من أن تنتشر الاضطرابات في مصر الى دول عربية اخرى أدى في 28 كانون الثاني الى ارتفاع بمعدل 4.3 في المائة في أسعار النفط.

        العلاقة باسرائيل

        حاليا الازمة في مصر لا علاقة لها باسرائيل وهي لا تذكر في الصدامات الاخيرة. ومع ذلك، لدى اسرائيل اسباب وجيهة لمتابعة التطورات بقلق في ضوء الاهتمام الشديد الذي لديها لمواصلة اتفاق السلام والتعلق المتزايد لاسرائيل بالغاز المصري، وفي ضوء اثار الحدث على الاستقرار الاقليمي، التي من الصعب تصورها في هذه اللحظة (تغيير راديكالي في مصر قد يحدث تغييرا دراماتيكا في ميزان القوى في الشرق الاوسط).

        في كل الاحوال، فان مصر ضعيفة، تعنى بشؤونها الداخلية، هي نذر شر للمعسكر البرغماتي الذي يتبنى المسيرة السياسية وكذا يشكل عامل تشجيع للمعسكر الراديكالي، الذي يتبنى فكرة ابادة اسرائيل. حتى لو نجح النظام في قمع الانتفاضة، من المتوقع لمصر سنة من التحديات السياسية الصعبة التي قد تهدد استقرارها. في الازمة الحالية ليس لاسرائيل أي قدرة أو سبب للتدخل ومن الافضل للمسؤولين الاسرائيليين ان يحافظوا على ضبط النفس. ومع ذلك فان امكانية ان تتوجه مصر الى اتجاهات مختلفة ليست امكانية نظرية وعلى اسرائيل أن تأخذ بالحسبان معاني السيناريوهات المحتملة.