خبر مصر ومخاض المرحلة الانتقالية ..بقلم علي بدوان

الساعة 07:34 ص|09 فبراير 2011

مصر ومخاض المرحلة الانتقالية ..بقلم علي بدوان

تقترب انتفاضة الشعب المصري من خواتيمها المباشرة والمبّشرة، بإزاحة كابوس النظام الذي أثقل كاهل المصريين طوال عقود ثلاثة مضت، وقد مزق مصر وفككها وحولها الى (خردة) في سوق المساومات السياسية، والى (عراب) للمشاريع التسووية الأميركية الصهيونية لقضايا الصراع في المنطقة، وفي القلب منها القضية الفلسطينية، بعد أن كانت مصر (زنبرك) وقلب ووجدان الحياة السياسية والفعل والتأثير في العالم العربي على امتداد السنوات التي تلت استقلال البلدان العربية منذ النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي.

 

ففي الفعل الانتفاضي الهائل للشعب المصري، والذي أذهل العالم بأسره، أعاد الشعب المصري تذكير العالم بأنه لم يكن ليستكين بالرغم من وطأة السنوات الثلاثين التي انقضت من عمر نظام حسني مبارك. ولم يكن لينتظر احسان الولايات المتحدة أو دول الغرب الأوربي من خلال وضع مصر على قائمة المساعدات، فجاءت انتفاضته الجبارة لتعطي الجواب المباشر للعالم، وقد تراكمت احتقاناتها رويداً رويداً في صفوف الناس من عمال وفلاحي وكادحي مصر، وعامة المجتمع، وفي صفوف الانتلجنسيا وعموم المثقفين والطلبة الذين أشعلوا لهيب انتفاضة أرض الكنانة.

 

واشنطن والانقلاب التكتيكي والمرحلة التالية

 

ان المرحلة التالية من رحيل كابوس النظام، ستكون مرحلة صعبة، ففيها التركة والورثة الثقيلة لمثالب نظام أفلس مصر، بالمعنى الاقتصادي والسياسي، وبالمعنى التاريخي (ولو المؤقت) عندما حيّد مصر عن دورها الطبيعي في مسار الصراع العربي والفلسطيني مع العدو «الإسرائيلي» طوال العقود الثلاثة الماضية، وشكّل للدولة العبرية الصهيونية سياجاً جديداً من الاستقرار والأمان بعيد توقيع معاهدة كامب ديفيد العام 1979 .

 

ومن هنا، ان المعضلة التالية من المرحلة المصرية، ستكون مرحلة مخاض كبير، قد يكون عسيراً لتوليد البديل الديمقراطي الحقيقي المنشود. فالشعب المصري لم ينزل الى الشارع، ولم يقدم تلك الدماء الزكية الطاهرة من أبنائه وشبابه أجل استبدال شخص بشخص آخر، أو تبديل الطربوش بطربوش آخر، بل نزل الى الشارع من أجل إزاحة كابوس النظام برموزه وأشخاصه، بدءاً من قمته، وبإقرار الإصلاح الشامل وعلى كافة مستوياته.

 

ان الجهود الخفية الجارية الآن، والتي تقودها الولايات المتحدة ومعها بعض مراكز القرار في دول الغرب الأوربي ومعهما الدولة العبرية الصهيونية، تريد وأد وإجهاض انتفاضة الشعب المصري ولو تحت شعارات براقة وملفته للنظر، من نمط ضرورة الإصلاح وخروج مبارك، لكنها لم تصل الى الحدود الدنيا من مطالب الشعب المصري الداعية لاقتلاع النظام وبناء البديل الوطني الديمقراطي.

 

ان الولايات المتحدة ودول الغرب الأوربي التي شكّلت على الدوام الفضاء السياسي لإسناد الرئيس مبارك ونظامه، تسعيان لإعادة إنتاج النظام ذاته، مع تبديل الطواقم التي (حرقها) الشعب و (احترقت) في الشارع. فالمحاولات حثيثة على الجانب المخابراتي المصري بدعم غربي وذلك بالالتفاف على الثورة من خلال محادثات دعا لها مبارك عبر نائبة الجنرال عمر سليمان مع قوى المعارضة، وكل الاخبار والتقارير تشير ان لا طاولة حوار يجتمع عليها الطرفان، وان النظام اقرب لإعلان بدائل خاصة ومحددة عبر فبركة سياسية خبيثة يتم فيها انتقال جزئي للسلطة بمشاركة قوى رأسمالية ليبرالية اقرب الى النظام ذاته، تقف في مربع ليبرالي قريب من بعض المعارضة، وذلك من أجل إبقاء مصر ضمن النسق ذاته، والتركيبة ذاتها، بما في ذلك التمسك بـمعاهدة كامب ديفيد مع «إسرائيل» وما تلاها من تواقيع على أوراق غير معروفة منها على وجه الخصوص ما يتعلق بغاز صحراء سيناء.

 

وفي هذا المجال، ان السؤال الذي يطرح نفسه الآن، لماذا حافظت الولايات المتحدة الأميركية وساندت نظام مبارك طوال العقود الثلاثة الماضية، والآن تغسل يدها منه...؟

 

ان الوقائع على الأرض تجيب عن التساؤل إياه وتوضح الموقف الأميركي الراهن والمعلن من الرئيس مبارك، والمنادي بضرورة انتقاله وخروجه من مصر وانتقال السلطة الى يد جنرال المخابرات الحربية عمر سليمان، وهو أمر لا يعني أن انقلاباً مهماً قد وقع في الموقف الأميركي من النظام كنظام في مصر، بل ان الموقف الأميركي هو انقلاب تكتيكي يهدف لاستبدال شخص بشخص لا أكثر ولا أقل.

 

فالولايات المتحدة انتقلت فجأة من حليف قوي لشخص مبارك الى مناد لخروجه من مصر، ومن موقعه الرئاسي، تحت وطأة حركة الشارع المصري، حيث لم يكن ليتم إلا بعد أن أدركت واشنطن بأن الرئيس (حسني مبارك) قد احترق وسقط في الشارع، ولا مناص من استبداله برمز أخر من نفس (الطينة) ومن نفس النظام، ومن نفس المدرسة التي أفقرت مصر، وجعلت اقل من عشرين شخصاً فقط يتحكمون بها، من رجال الأعمال المقربين جدا من جمال مبارك وعلى رأسهم احمد عز عازف الدرامز السابق في أفراح أسرة مبارك، وهمشت دورها الإقليمي والسياسي المعروف تاريخياً، وجعلتها تعيش على المساعدات وعلى (الحديدة) على حد القول المثل الشعبي في فلسطين وبلاد الشام.

 

مخاضات ولادة البديل الديمقراطي

 

ان مخاض ولادة البديل الوطني والديمقراطي في مصر، عملية واقعيةً وقد بدأت (الآن) على أبواب السقوط النهائي للنظام، وإزاحة كابوسه الجاثم على صدر مصر وشعبها، ولكن هذا المخاض البديل لا يتأتى بقرار، ولا يولد بإشارة، ولا يولد دون حراكات على الأرض يفترض بها أن تقود نحو بناء البديل الديمقراطي.

 

ان القوى المصرية ومن كافة التلاوين الفكرية والأيديولوجية، والسياسية، والتي عاركت نظام مبارك، ونكدت عليه مسار عمله، ولم تجعله هادئاً في أي فترة من فتراته، طوال العقود الماضية، وتحملت وصبرت على أذى النظام، وتعرض أعضاؤها ومنتسبوها للسجون والاعتقالات، واكتوت ظهورهم وأجنابهم وأرجلهم بسياط الجلادين، مدعوة (الآن) من اجل التلاحم والالتقاء، على أساس بناء البديل الديمقراطي، القائم على مبدأ التشاركية، وعلى أساس صندوق الاقتراع والنزول عند إرادة الناس في الشارع المصري.

 

ان على المعارضة في مصر وهي تقترب من احتلال مواقعها البديلة للنظام، أن تعي دروس المرحلة التاريخية، وان تستفيد من تجارب المعارضات العربية التي اقتتلت فيما بينها على اقتسام (الكعكة).

 

ان على المعارضة المصرية، وقوى المجتمع الحي ومؤسساته المدنية في مصر، والتي لعبت دوراً مهماً وريادياً وطليعياً طوال العقود الماضية وفي الانتفاضة الراهنة، ان تتخلى على الفور من رواسب ومناكدات ومناكفات الماضي، وأن تنفتح على بعضها البعض.

 

ان عليها أيضاً أن تصلح أمورها الداخلية، فبعضها يعاني من ذات الأمراض التي كان حملها نظام مبارك وحزبه الوطني، تلك الأمراض التي ثار بسببها المصريون على النظام وعلى مبارك. وبكلمات مختصرة في هذا المجال، ان على المعارضة أن تغير من دساتيرها هي أيضاً، حتى لا يبقى مثلاً، كل رئيس حزب معارض فرداً لا يعلو عليه أحد، فهو ينشئ الحزب ويترأسه حتى الموت، ثم يورثه لأبنائه من بعده. وفي هذا الجنب (وللأسف) يشير البعض إلى أن تسعين بالمائة من أحزاب مصر الحالية محدودة الحضور بين الناس على امتداد المحافظات المصرية، وأن وجودها مختصر في المحافظات الكبرى كالقاهرة والإسكندرية، إضافة لوجودها الإعلامي، وليس فيها إلا بضعة أفراد قليلين من الأعضاء المؤسسين وغالبيتهم من أسرة واحدة يديرون شؤون الحزب، مع استثناء واضح لحزبي الوفد والإخوان المسلمين اللذين يعتبران من الأحزاب ذات الحضور التاريخي في مصر.

 

ان على قوى المعارضة المصرية، ومن يفترض بهم أن يشكّلوا البديل لنظام مبارك، أن يدركو ا بأن انتفاضة مصر وطلابها وسائر أبنائها، يجب أن لاتكون مصعداً لأطرافها، فالشعب المصري لم ينتفض من أجل أن يجعل أكتاف الثورة وشباب الثورة بتصرف هذا الحزب أو ذاك ليقيم نظاما جديدا يتبع (المزاج الشخصي) والطموحات الشخصية بحسابات غالبها لا يصب في مصلحة البلد.

 

ان على المعارضة أن تزيل مخاوفها من الآخر، وأن تعمل على اجتراح صيغ المشاركة السياسية، في إطار عملية ديمقراطية انتخابية يجب أن تسود في نهاية الأمر، على أن تتم بموجب (الرقم القومي) لا بموجب بطاقات الانتخاب التي استولى عليها زعماء ومشايخ وعمد القرى من الذين وضعوا أنفسهم بديلاً لصوت الناس، وليكون صندوق الانتخابات هو المقاس والمرجع، وليس برنامج هذا الحزب أو ذاك.