خبر عودة الرجل عن الوعود -هآرتس

الساعة 09:16 ص|06 فبراير 2011

بقلم: جدعون ليفي

(المضمون: وقوف الرئيس براك اوباما الى جانب المتظاهرين في مصر هو من مصلحة امريكا في الشرق الاوسط ومن اجل قبول أفضل لها في المنطقة، وهذا يعزز قدرتها على ترتيب الامور وحل الصراع في المنطقة - المصدر).

رجع براك اوباما عن وعوده فجأة في الاسبوع الماضي. ففي حين كان قد أصبح يحزم متاعه من الشرق الاوسط وربما من البيت الابيض ايضا، عاد رئيس الولايات المتحدة مرة اخرى فجأة ليصبح ما كان ينبغي أن يكون أي زعيم العالم الحر، المبشر بالتغيير و"اجل نستطيع". بعد سنتين من خيبات الأمل التي منحها للشرق الاوسط، وبعد تسويف لا معنى له في المنطقة الأخطر على سلام العالم، تجلى اوباما بكامل مجده. فلم يكن ثم غزو عسكري خاسر آخر، ولا نبش من اجل طاغية آخر، بل تدخل صحيح، في اللحظة الصحيحة، من اجل هدف صحيح عادل.

يسهل جدا انتقاده: كيف أيد بلده مدة ثلاثة عقود طاغية وكيف تخلى عنه لتنهداته في ضعفه، وكيف لا يزال يؤيد طغيانات اخرى في المنطقة وكيف لا يُعلم ماذا سينشأ عن ثورة التحرير. هذه اقوال باطلة. إن اوباما عارفا بقيود القوة، ما كان يستطيع فعل شيء لاسقاط حسني مبارك قبل ان يكون الشعب المصري مستعدا لذلك، وكان عاجزا عن فعل شيء لانقاذ الرئيس المصري الذي قرر أبناء شعبه مصيره. حتى لو تحقق اسوأ السيناريوهات (ونشك ان يحدث ذلك) وتولى الاخوان المسلمون السلطة في مصر، فستبدو الولايات المتحدة انها وقفت في المكان الصحيح ولم تؤجج الكراهية لها أكثر. سيضطر الاخوان المسلمون ايضا الى تذكر ذلك ومعهم جماهير مصر والعرب والمسلمين.

لا يمكن ألا نتذكر الآن "خطبة القاهرة" لاوباما، ونقتبس منها الجملة الافتتاحية: "جئت الى هنا لأبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين في أنحاء العالم". أصبحت الخطبة واقعا بعد سنة ونصف من القائها. لا يمكن منذ الآن ان يُتهم رئيس الولايات المتحدة بأن خطبه جوفاء ووعوده فارغة. إن وقوفه الى جانب المتظاهرين بداية جديدة كهذه. وهو لن يمحو بمرة واحدة الكراهية المتقدة لامريكا، ولكنها ستُدوي زمنا طويلا بعد بين أبناء الشعوب العربية الذين سيتذكرون لاوباما كيف عمل في ساعة الامتحان هذه.

إن واشنطن والقدس مصابتان الآن بـ "ذعر صامت"، كما عرّف ذلك بمحادثة آسِرة بُثت في نهاية الاسبوع في موقع صحيفة "ايكونوميست" البريطانية كبيرا مسؤوليها بيتر ديفيد ودافيد لنداو. يمكن فهم ذلك. لكن واشنطن فعلت الشيء الصحيح عن هذا الذعر الصامت بخلاف القدس. ففي حين لا تتحدث القدس إلا عن الأخطار، عرف اوباما كيف يركب الجمل المصري المنطلق قُدما ويستنفد احتمال ركوبه. لم يبق الآن ان نرى فقط ماذا سينتج عن ثورة كانون الثاني في مصر فقط بل كيف سينطلق الرئيس من هنا في زخم التحول الديمقراطي له في الشرق الاوسط.

هنا يوجد استبداد آخر يكمن وراء الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط. هنا ما يزال يوجد شعب يحيا بلا حرية وبلا حقوق. وهنا ما يزال يوجد متظاهرون تطلق السلطات النار عليهم ويدوسهم المستوطنون. اقترح الأب المؤسس لهذا الشعب ياسر عرفات مستبقا زمانه، ذات مرة "مسيرة المليون" نحو القدس. لم يحدث هذا وقد يحدث ذات يوم ويجدر ألا يحدث لانه سينتهي الى سفك الدماء. لهذا يجدر ان تقود الولايات المتحدة الآن تغييرا لمصير هذا الشعب ايضا. والامر في يديها.

إن اوباما وهو رئيس براغماتي مُشرب بالايديولوجية لكنه ليس رومانسيا، يجب عليه ان يستخلص دروسه من مصر وهي ان الاستبداد نهايته السقوط، وأن المصلحة الامريكية والاسرائيلية ألا تُدفعا الى اضطرابات قد تخرج عن السيطرة وأن يظل الجماهير المسلمون والعرب في العالم ينظرون كيف تعامل امريكا حليفتها الأقوى.

ليست اسرائيل مصر. فهي (ما تزال) ديمقراطية مع مواطنيها، والحلف معها مغروس عميقا في الرأي العام الامريكي. ولأجل هذا خاصة يجب على الولايات المتحدة ان تعمل في تصميم أكبر من اجل المصلحة المشتركة للدولتين: أن تُقبل في هذه المنطقة التي تغلي الآن أكثر مما كان الامر دائما. في الاسبوع الماضي خطا رئيس الولايات المتحدة خطوة تاريخية اولى في هذا الاتجاه. وكان يجب على اسرائيل أن تفرح لسلوك اوباما. فامريكا اذا تقبلتها الشعوب العربية فذلك خير لاسرائيل ايضا. ولا يجوز أن تكون هذه الخطوة الأخيرة.