خبر سلام أيها الصديق -آرتس

الساعة 09:14 ص|01 فبراير 2011

سلام أيها الصديق -آرتس

بقلم: عكيفا الدار

 (المضمون: التقرير الامريكي الشديد اللهجة عن وضع حقوق الانسان في مصر لم يعق اوباما عن تسمية مبارك صديقا فلولا هب الجماهير منتفضين لانتقلت الصداقة الامريكية القوية الى جمال مبارك بالوراثة - المصدر).

        التقيت قبل سنتين في مقهى مزدحم بالناس على ضفة النيل الدكتورة هالة مصطفى، محررة مجلة "الديمقراطية" الصادرة عن دار الأهرام للنشر. شارك في اللقاء نيسان أمدور الذي كان آنذاك نائب سفير اسرائيل في مصر. فوجئت كثيرا لان صحفية مصرية تجلس علنا مكشوفة الرأس الى دبلوماسي وصحفي اسرائيليين. أعطتني مصطفى نسخة من مقابلة صحفية أجرتها للصحيفة المصرية "الدستور" اتهمت فيها النظام المصري بأنه يحتضن باحدى يديه محمود عباس ويداعب بالاخرى حماس. ولم تصرف انتقادها لصعوبات استيعاب الرئيس مبارك في كل ما يتعلق بقواعد الديمقراطية.

        قالت مصطفى انها لم تزر اسرائيل قط لان السلطات التي لا تستحسن هذا قد تضر بمصدر رزقها. وفرضت للسبب نفسه ان مُحادثتي تفضل ان أحتفظ بانتقادها لنفسي. وفجأتني مصطفى ثانية عندما حثتني على نشر كلامها. فعلت ما طلبت وأدليت في هذا العمود الصحفي بما ورد في الحديث باختصار. وجاءت المفاجأة الاخيرة برسالة من السفارة قالت ان مصطفى تُنكر بشدة انها وجهت انتقادا الى نظام الحكم في مسمعيك. فرحت لأن نائب السفير أمدور تظاهر بأنه لا يستوعب اشارتي وبقي معنا حتى نهاية اللقاء تقريبا.

        يُجسد الامر شيئا ما من الواقع المركب في مصر الحديثة؛ فمن جهة ثم صحفية مصرية تجلد نظام الحكم بل تُشرك زميلا اسرائيليا في عدم ارتياحها لسياسة الرئيس. وهي من جهة اخرى لا تتجرأ على زيارة اسرائيل لئلا تخسر مصدر عيشها. إن مصدر العيش عند الشبان والشابات المصريين ليس مفهوما من ذات نفسه. اقترح علي نظير روسي التقيته في بكين في أواخر عهد البلاسنوست تفريقا صائبا يتعلق بنظم حكم في مرحلة انتقالية. قال إن الصينيين يسلكون سلوكا أكثر حكمة من السوفييت. "انهم يدركون انه يجب على النظام قبل ان يدع للناس فتح أفواههم أن يضمن ان يستطيعوا وضع شيء من الطعام فيها"، قال الرجل. وكان استنتاجه ان الاصلاح الديمقراطي غير المصحوب باصلاح اقتصادي مدعاة الى الفوضى.

        لم ينجح مبارك في تقديم اماكن عمل لملايين الشبان المصريين. ومن جهة ثانية طلبت اليه الادارات الامريكية المتعاقبة ان يلصق معايير حقوق انسان مقبولة في الغرب بمستوى العيش في العالم الثالث. إن المساعدة التي يحصل عليها أكثر من 80 مليون مصري من الولايات المتحدة أقل مما يحصل عليه سبعة ملايين اسرائيلي. في 2002 أصدرت وزارة الخارجية في ادارة بوش في صوت ضجيج مرتفع "مبادرة الشراكة الشرق اوسطية" (ام.إي.بي.آي). كان الصندوق يرمي الى تقديم مشاريع اقتصادية وديمقراطية للمجتمع المدني في دول الشرق الاوسط والمغرب. بحسب موقع انترنت الصندوق، خصصت الولايات المتحدة في السنين التسع التي مرت منذ ذلك الحين للمبادرة 580 مليون دولار قُسمت على 18 دولة.

        مع ذلك يبدو ان الامريكيين أدركوا انه بازاء قيود الدقيق، عليهم ان يغضوا أعينهم عن تشويه نظرية الديمقراطية في المنطقة. فقبل ثلاثة اشهر فقط نشرت وزارة الخارجية الامريكية التقرير عن وضع حقوق الانسان في العالم لسنة 2009. ويشبه الفصل عن مصر في شدته تلك الفصول التي سبقته، ولم يعق هذا الرئيس الديمقراطي براك اوباما عن أن يتوج مبارك مع انقضاء لقاء في البيت الابيض في آب 2009 بأنه "زعيم ومُشير وصديق".

        لولا الجماهير التي خرجت الى الشوارع وزعزعت البورصات لانتقلت الصداقة الامريكية بالوراثة الى جمال مبارك. اليكم مختارات من مقاطع التقرير: "اعتقلت اجهزة الأمن مواطنين اعتقالا تعسفيا، وفي بعض الحالات لدوافع سياسية، وأبقتهم في السجون فترات طويلة بلا محاكمة... استعملت السلطة التنفيذية الرقابة والضغط على السلطة القضائية... بقيت نظرة الحكومة الى حرية التجمع والاعتقاد ضئيلة... تقيد الحكومة حرية التعبير باستعمال القوة والرقابة والاعتقالات... أغلقت الحكومة مواقع انترنت واعتقلت مُستعمليها... يُطلب الى مقاهي انترنت ان تسجل التفاصيل الشخصية لكل مُستعمل".

        الى جانب هذه الأنباء السيئة، أبلغت وزارة الخارجية الامريكية عن علاقة أقل تسامحا بمظاهرات غير عنيفة وبانتقاد نظام الحكم بل حتى انتقاد الرئيس في الصحف المستقلة. ينبغي فقط ألا نشتاق الى مبارك.

        حصن الديمقراطية

        تعمل الديمقراطية الامريكية بطبيعة الامر بحسب قواعد تختلف عن نظام مثل مصر. فساستها مخلصون لتصورهم العام ولا يخضعون لاغراءات تعرضها منظمات بواسطة تجنيد أموال وناخبين.

        خُذوا على سبيل المثال عضو مجلس النواب القديم غيري اكيرمان من نيويورك. ففي مباحثة تمت قبل سنة فقط في مجلس النواب تحدث النائب الديمقراطي اليهودي عن الارهاب الفلسطيني وعن مسيرة المستوطنات معا، وعن حفر الأنفاق في غزة وعن الحفر الأثري في الحوض المقدس في القدس. كان من الطبيعي ان اكيرمان قد فاز في الانتخابات الاخيرة لمجلس النواب بتأييد معلن من منظمة السلام اليهودية – الامريكية جي ستريت.

        نشر اكيرمان في الاسبوع الماضي رسالة معلنة أعلن فيها قطع علاقاته بالمنظمة لان قادتها دعوا الرئيس اوباما الى الامتناع عن فرض حق النقض لاقتراح قرار في مجلس الامن، يقضي بأن المستوطنات غير شرعية، ويندد باسرائيل لتوسيعها. وقد جهد قادة جي ستريت لتأكيد انهم يؤيدون تبادل اراض يأخذ في الحسبان المستوطنات المجاورة للخط الاخضر. اتهم اكيرمان جي ستريت بأنها بدل ان تتهم الفلسطينيين برفض اجراء تفاوض في انهاء الاحتلال تساعد كارهي اسرائيل على عزلها. لا يمكن ان يكون لسلوك اكيرمان صلة بأنه في منطقته الانتخابية يوجد يهود كثيرون مُحبون للمستوطنات والبؤر الاستيطانية. فهذه الامور لا تحدث إلا في نظم حكم متخلفة.