خبر شرق أوسط جديد ومشتعل.. اسرائيل اليوم

الساعة 09:52 ص|28 يناير 2011

بقلم: يعقوب عميدرور

(المضمون: المظاهرات الحالية في الدول المرتبطة بالغرب والتي تعتبر معتدلة تعطي فضائل فائقة للمحافل الاسلامية ذات الشعارات الواضحة وهي اكثر تنظيما من غيرها، بل واحيانا اقل فسادا وتعطي دوما أملا في مستوى حكم افضل -  المصدر).

قبل نحو عشرين سنة، عندما خرج زعماء اسرائيل الى مغامرة اوسلو، تحدثوا عن "شرق اوسط جديد" وكانت النبرة متفائلة، غير قليل بتأثير اختفاء الاتحاد السوفييتي والايمان في أنه تحت مظلة امريكية قوية سيكون الشرق الاوسط اكثر انفتاحا على التغيير للاعتراف باسرائيل والعيش بسلام الى جانبها.

ولكنهم اخطأوا خطأ كبيرا. الشرق الاوسط قادته قيادة آيات الله من طهران من جهة والقاعدة من جهة اخرى، استقبالا لمستقبل مغاير، اسلامي، متطرف مغلق في وجه الغرب ومحتقر للعالم الليبرالي. التغيير الكاسح في تركيا هو رمز التغيير في الشرق الاوسط في العقد الاخير. هذا تغيير ينبع من ضعف داخلي للدول الاسلامية العلمانية وتعزز المفاهيم الاسلامية بين الجمهور الغفير في المنطقة. هذه خطوة تاريخية لا تقوم على اساس حدث منعزل ولا يعود مصدرها الى النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي، بل الى تيارات ثقافية عميقة وصلت الان الى النضج وستبقى معنا لسنوات عديدة اخرى.

مع صعود نظام جديد في واشنطن حاول الرئيس حديث العهد تغيير النهج الامريكي تجاه دول المنطقة والاسلام، ولكنه لم يفلح في ذلك. فقد تبين مرة اخرى بان الخطب المصقعة لا تغير التاريخ، والتنازلات للمتطرفين لا تجعلهم أقل تطرفا. فضلا عن ذلك، فان المتنازل ينظر اليه كضعيف فيخسر قدرة التأثير.

على هذه الخلفية ينبغي أن نفهم سلسلة الاحداث الاخيرة في الشرق الاوسط.

* * *

في تونس دفعت الانتفاضة الشعبية بالرئيس الفاسد الذي حكم بيد عليا على مدى الزمن الى الاضطرار الى مغادرة بلاده على عجل. الصراع على الحكم هناك لم ينتهِ بعد. محافل مختلفة تتصارع بينها، في هذه اللحظة دون نار. وأغلب الظن، في هذه الاثناء لا ينشأ هناك حكم ديمقراطي، على الاقل ليس في الفترة القريبة القادمة.

خطوة الاطاحة كانت كامنة. صحيح أن هذه ليست الانتفاضة الاولى للجماهير في دولة عربية، فقد سبقتها مظاهرات جماهيرية بعد اغتيال الحريري في لبنان ادت الى خروج القوات السورية، ولكن هذه هي المرة الاولى التي يطيح الشارع فيها بحاكم عربي. قوة الفيس بوك والتويتر وجدت تعبيرها هنا.

"الجزيرة" المحطة التلفزيونية الناطقة بالعربية والسائدة في العالم، تحاول القيام بعمل مشابه لابو مازن، من خلال نشر تفاصيل عن المفاوضات مع اسرائيل في فترة الحكومة السابقة. نزع الشرعية في هذه الحالة لا يستند الى مشاكل اقتصادية وفساد مثلما في تونس، بل الى خلفية ما يبدو لبعض من الفلسطينيين كتنازلات شديدة في المفاوضات مع اسرائيل.

مثير للاهتمام القيام بـ "تخمين فكري" حول امكانية ان تكون الدولة الفلسطينية المستقلة موجودة اليوم في يهودا والسامرة وغزة. يمكن التقدير بقدر كبير من المعقولية في أنها اذا لم تتحول الى حماسية في الانتخابات التي قبل نحو خمس سنوات، فان الموجة الاسلامية الحالية كانت ستجرفها وكنا سنرى اليوم في رام الله احمد هنية، والسلاح الصاروخي يتجمع في قلقيليا وبيت لحم على مسافة 700 متر من كفار سابا و 500 متر من القدس. يجدر بكل من يدفع الاتفاق في اسرائيل الى الامام ان يأخذ ايضا بالحسبان هذه الامكانية.

مسألة ذات معنى اوسع من تسريبات الجزئرة هي هل في اعقاب تونس تعيش في خطر انظمة اخرى في المنطقة؟ من المعقول ان التحذير الذي تلقاه حكام المنطقة من شوارع تونس ساعدهم على تنظيم انفسهم في الوقت المناسب وبشكل يضعهم جيدا امام المحاولات لنقل النموذج الى اماكن اخرى. صحيح ان المظاهرات تجري منذ الان في مدن هامة في الشرق الاوسط، ولكن في هذه اللحظة لا يبدو ان هذه موجة ستغرق هذه الانظمة.

غير ان العالم ليس حصينا ابدا. فلا يوجد احد يعرف كيف يتطور الاحتجاج. امام نجاح الشارع التونسي يقف فشل الشارع في طهران بعد الانتخابات الاخيرة هناك. ما يبدو كانفجار جماهيري سيؤدي الى تغيير النظام في ايران اصبح حدثا مصدما للمعارضة التي قمعت بيد قوية.

الفارق يكمن في شكل رد فعل الحكم، قدرته وارادته وتصميمه على استخدام وسائل شديدة لصد الجماهير وثبات قوات الامن امام ضغط الجماهير التي هي جزء من لحمها ودمها. مهما يكن من أمر، فان المظاهرات الحالية في الدول المرتبطة بالغرب والتي تعتبر معتدلة تعطي فضائل فائقة للمحافل الاسلامية ذات الشعارات الواضحة وهي اكثر تنظيما من غيرها، بل واحيانا اقل فسادا وتعطي دوما أملا في مستوى حكم افضل.

تعاظم قوة الشارع في وجه الدكتاتوريات المعتدلة نسبيا لا يبشر بالضرورة بالنجاح في الانفتاح والمصالحة الليبرالية والديمقراطية. في ايران بدأ الثورة ضد الشاه ائتلاف واسع ضم قوى ليبرالية، ولكن لحركة الاسلامية خرجت منها كحاكم وحيد وشامل، اكثر وحشية من الشاه.

* * *

في شرق البحر المتوسط يجري هذه الايام صراع على صورة لبنان ايضا. حزب الله، الذي يمثل المصلحة الايرانية في اوساط الطائفة الشيعية، الاكبر في لبنان، يسير خطوة اخرى نحو السيطرة على لبنان. مرة اخرى يثبت اغلب الظن بانه في الشرق الاوسط القوة العسكرية هي المقررة في نهاية المطاف لمصير الصراع بين الطوائف والمذاهب الفكرية.

مصير لبنان حسم قبل سنوات، عندما نزع سلاح كل الطوائف وبقي حزب الله وحدة منظمة مسلحة. منذ ذلك الحين، بمساعدة الاستثمارات الايرانية الهائلة، تحول حزب الله الى دولة داخل دولة في لبنان والان هو يسيطر عليها من الداخل ولا توجد أي قوة حقيقية تقف ضده.

العالم العربي، الذي يكاد يكون بأسره سنيا، يتملكه القلق من الخطوة الناجحة للشيعة المتطرفين في لبنان، ولكن ليس في يده قدرة الانقاذ. الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة وفرنسا، وكذا اسرائيل ايضا، يكتشف بان من ليس مستعدا للاستثمار (المال والحياة) سيختفي عن خريطة المؤثرين في دول المنطقة.

هذا ما حصل في لبنان. من سيطر عليه هم الايرانيون ومبعوثوهم ممن لم يوفروا الدم بكل معنى الكلمة، والان يحصدون ثمار جهودهم. كل من عول على انقطاع سوريا عن ايران وعن حزب الله يجدر به ان يتعلم خطواتها لبناء كتلة حزب الله ونقل الحكم في لبنان الى حزب الله وايران. لعله من المجدي التفكير من جديد في "امل الانقطاع"، ولعله لن يكون له ابدا أي أساس.

الصورة الصعبة والمعقدة في كل ارجاء الشرق الاوسط ستكون اصعب اذا لم يصحوا الغرب فيوقف البرنامج النووي الايراني. تحت المظلة النووية ستكون ايران أكثر فاعلية وسيكون مبعوثوها اكثر حرية في العمل على التقدم في مفاهيمهم الراديكالية. ستكون هذه مصيبة للعالم، الذي يعتمد على مصادر الطاقة في الشرق الاوسط وهو متعلق اقتصاديا باستمرار استقرار دول المنطقة. اسرائيل مستعدة للوضع القاسي والمعقد الذي يتماثل امام ناظرينا اكثر من الاخرين، ولكن خطورة الوضع تستدعي استعدادا افضل بكثير.