خبر كيف تعاملت السلطة مع زلزال «كشف المستور»؟! ..عريب الرنتاوي

الساعة 09:40 ص|28 يناير 2011

كيف تعاملت السلطة مع زلزال «كشف المستور»؟! ..عريب الرنتاوي

كان يتعين على السلطة والمنظمة والرئاسة الفلسطينية، أن تتصرف على نحو مغاير، منذ أن تأكد لها أن لدى "قناة الجزيرة"، كنزاً وثائقياً، كفيلا بإشعال الأرض من تحت أقدامها، والتسبب بوقوع زلزال سياسي، تتخطى قوته "تدرجات ريختر" المعروفة، لكن السلطة آثرت الزعيق والعويل، وارتضت تقمص دور "الضحية" التي ما فتئت تتعرض للمؤامرة تلو المؤامرة، وفتحت النار على "الجزيرة" كما لو أن خصماً سياسياً ينافسها على سلطتها وقيادتها.

 

كان ينبغي على الرئيس عباس - أقله من باب امتصاص الغضبة ودرء الضرر - أن يوعز فوراً لتشكيل "لجنة تحقيق مستقلة"، ليست من طراز اللجان المماثلة التي تنحصر وظيفتها بطمس الحقائق وصرف الانتباه وإماتة القضية موضع البحث والتحقيق، هدف اللجنة التي نقترح، ولم يفت الأوان بعد على تشكيلها، لا يقتصر على معرفة من قام بتسريب هذه الوثائق، على أهمية المسألة، بل التحقيق في مضامينها، والتثبت مما إذا كان المفاوض الفلسطيني قد تخطى حدود التفويض الممنوح له، وتجاوز خطوط الفلسطينيين الحمراء وثوابتهم.

 

لقد كان مأمولاً أن تضغط القوى المؤتلفة في إطار منظمة التحرير من أجل تشكيل لجنة كهذه، على أن تتمثل فيها مختلف الفصائل وعلى أرفع المستويات، فما جرى في جلسات التفاوض، جرى باسم منظمة التحرير، أي باسم هؤلاء جميعاً، وقد آن الأوان ليخرجوا عن مواقع "المحللين السياسيين" ليطلقوا مواقف باسم فصائلهم أو ما تبقى لها من نفوذ وماء وجه.

 

وكان يتعين على لجنة من هذا النوع، أن تنتهي إلى اتخاذ سلسلة من التوصيات، ليس أولها إحالة فريق المفاوضين، كبيرهم وصغيرهم، إلى التقاعد، أو إلى مواقع أخرى، لا بسبب أدائهم المتهافت والمفرّط فحسب، بل ولأنه لا يعقل، ومن منظور "فن التفاوض"، أن يبقى المفاوض الفلسطيني في موقعه قرابة العقدين من الزمان، غيّرت "إسرائيل" خلالها عشرات المفاوضين، فيما "عباقرة" التفاوض الفلسطيني ظلوا على حالهم: أقل من حفنة من المفاوضين، حفظتهم "إسرائيل" عن ظهر قلب، كأشخاص ومواقف وتكتيكات وأمزجة و"أسرار بيوت"، وتذوّق مفاوضوها – "إسرائيل" - مختلف الأطباق الفلسطينية في منازل نظرائهم، وعرفوا أيها أشهى وألذ، ومَنْ مًن زوجاتهم أكثر مهارة في إعداد "المسخن" و"ورق العريش".

 

من منظور "المفاوضات حياة"، يتعين على الجانب الفلسطيني، أن يغيّر ويبدّل في الوجوه والأسماء والتكتيات، لقد شاخ المفاوضون الفلسطينيون وهم في مواقعهم، هذا كبيرهم وذاك شيخهم وهناك إمامهم، هم.. هم، لقد حفظناهم نحن عن ظهر قلب، فما بالك ب"إسرائيل" التي تتوفر على واحد من أهم أجهزة دعم المفاوض، قانونياً وسيكولوجياً واستخبارياً، هذا الوضع لا يجوز أن يستمر، وكان الأجدى بالقيادة الفلسطينية أن تشرع في ترتيب بيتها وتحصين مواقفها والنزول عند مطالب الناس بمعرفة الحقيقة بدل أن تجعل من "الجزيرة" عدوها الأول والأخير.

 

أما التوصية الثانية التي يتعين على لجنة تحقيق مستقلة ونزيهة أن تنتهي إليها، فهي نشر الحقيقة كاملة للجمهور، لا يكفي بعد أن نشرت الجزيرة كل "الغسيل القذر" أن تظل السلطة على تحفّظها، أن تظل على "تلويحها" بنشر كل شيء، أن تظل على تناقض روايتها ومسؤوليها. أنشروا كل شيء، ضعوا كل ما تقولون أنها وثائق أصلية على موقع الكتروني خاص، تماماً مثلما فعلت الجزيرة، بيّنوا كيف تلاعبت الجزيرة بهذه الوثائق، كيف اجتزأتها وكيف زورتها وكيف قال مذيعوها: لا تقربوا الصلاة.. ردّوا على الوثيقة بالوثيقة، بدل أن تعمدوا للرد على "سبق صحفي وإعلامي من طراز رفيع"، بمداهمة مكاتب الجزيرة في رام الله ونابلس، واتخاذ قرارات لا تستطيعون تنفيذها، ولقد خرقتموها قبل أن يجف حبرها، من نوع مقاطعة الجزيرة وعدم الظهور على شاشتها.

 

والتوصية الثالثة التي يتعين الخروج بها من "زلزال كشف المستور"، تدعو لبناء "مرجعية وطنية للمفاوض الفلسطيني"، والكف عن التشدق بوجود مثل هذه المرجعية، فما من نظام سياسي في العالم، يشكو هذا "الفلتان السياسي" الذي تعايشه الساحة الفلسطينية منذ سنوات طوال، وما من مفاوض في العالم، بمقدوره الإدلاء بكل هذه المواقف والادعاء بأنها مواقف شخصية كما يحصل في الحالة الفلسطينية. لقد صاغوا وثائق ووقعوا إعلانات مبادئ دون مرجعية، لقد تبرعوا بالسيادة على الحرم الشريف وأحياء من القدس وتنازلوا على حقوق اللاجئين وتواطأوا في قضايا التنسيق الأمني، والآن يقال لنا إنها تكتيكات تفاوضية ويجب أن لا نحاسبهم عليها، وأن علينا أن ننتظر حتى توقيع الاتفاق النهائي للإدلاء بأصواتنا. إنهم يقترحون علينا أن ننتظر حتى "خراب البصرة" وضياع رام الله والقدس، قبل أن نسألهم ونسائلهم.

 

السلطة تدفع "معركة كشف المستور" إلى جبهات أخرى، بعيدة عن الثغرة الرئيسة التي كشفتها الوثائق، والتي آن أوان سدّها بإحكام، قبل أن تُؤتى القضية الفلسطينية منها، وقبل أن تتحول إلى حصان طروادة وتتسبب في إسقاط القلعة من داخلها، إنهم يعيدون إنتاج كل أسباب القلق وانعدام الثقة بهم وبسلوكهم وأدائهم. إنهم يدفعون شعبهم دفعاً للصراخ بأعلى الصوت: ليس باسمنا.

 

صحيفة الدستور الأردنية