خبر المصالحة في عُرف المواطن.. محمد ياسين

الساعة 07:59 ص|11 فبراير 2016

محمد إسماعيل ياسين

كاتب وإعلامي فلسطيني

يدرك قادة الفصائل الفلسطينية المتحاورة في العاصمة القطرية لتذليل العقبات أمام إسدال الستار بشكل حقيقي على حالة الانقسام الداخلي السائدة في الساحة الفلسطينية منذ سنوات عديدة، أن الأنباء المتواترة بين الحين والآخر حول إحراز تقدم ما في هذه الحوارات لم تعد محل اهتمام الشارع الفلسطيني عموماً، لاسيما أهالي قطاع غزة المحاصرين منذ عقد من الزمن، حيث نفض المواطن الفلسطيني يده من اتفاقات المصالحة التي ظن يوماً أنها ستحمله إلى بر الأمان، وأنها ستضع حداً لكثير من المشاكل والأزمات الناجمة عن الانقسام، إذ وجد نفسه يترحم على الأيام التي سبقت انجاز اتفاق الشاطئ الذي أفضى لمزيد من تردي الأوضاع في قطاع غزة.

وبعيداً عن تقاذف المسؤولية عن أسباب تعثر المصالحة، إذ يعفي المواطن نفسه من عناء الوقوف على تفاصيل الأسباب الكامنة خلف تعثرها، حتى وإن قدمت حركة حماس الحكومة التي قادتها قبيل اتفاق الشاطئ على طبق من ذهب في سبيل تحقيق المصالحة الوطنية، فالعبرة بالنتائج وليس بالمقدمات، حيث تقاعست حكومة الوفاق الوطني عن أداء واجباتها نحو أهالي القطاع، بما ضاعف من معاناتهم وأزماتهم، وانفرد رئيس السلطة محمود عباس بتغيير وإضافة بعض الوزراء للحكومة بعيداً عن التشاور مع الفصائل الوطنية، وفي مقدمتها حركة حماس باعتبارها شريك أساسي في مشروع المصالحة، فضلاً عن مماطلته في تفعيل المجلس التشريعي ليمارس دوره الرقابي والتشريعي، وفي المحصلة، فإن المشهد الفلسطيني الراهن ظاهره مصالحة وباطنه انقسام.

ولئلا يصاب الساسة بحالة من الإحباط نتيجة عدم اهتمام وتفاعل الشارع الفلسطيني مع حراكهم بخصوص المصالحة، فعليهم أن يترجموا اتفاقاتهم على أرض الواقع أولاً، وآلا يسرفوا كثيراً في زف البشرى للمواطن المطحون سواء في الضفة الغربية المقطعة أوصالها بالحواجز والمستوطنات، فضلاً عن معاناتها من ممارسات وانتهاكات الاحتلال البغيض، أو في قطاع غزة المحاصر والرازح تحت نير سلسلة من الأزمات المعيشية والاقتصادية دون أي أفق واضح للخروج من هذه الحالة، بل يضاف إليها توجسات من إمكانية شن حكومة الاحتلال الإسرائيلي عدوان جديد فيما آثار العدوان السابق حاضرة في شوارع وأزقة القطاع، وذكرياته الأليمة عالقة في وجدان سكانه الذين تجرعوا مرارة أطول حرب في تاريخ الكيان الزائل بإذن الله. 

وإذا كانت المصالحة في عُرف الساسة وقادة الفصائل الوطنية والإسلامية تعني تجاوز حالة التنافر في الأداء السياسي الفلسطيني، واستعادة البوصلة نحو تكريس الجهد الوطني في مواجهة تغول الاحتلال الإسرائيلي وصلفه، فإنها في عُرف المواطن الغزي تحديداً تعني شيئاً آخر، فهي تعني حلاً لأزمة الكهرباء في قطاع غزة أو على الأقل ثباتاً في انتظام التيار الكهربائي، كما تعني حلاً للإغلاق المتواصل لمعبر رفح البري بما يعيد الأمل بإمكانية التواصل مع العالم الخارجي ويحقق مصالح الغزيين سواء على صعيد تلقي العلاج أو التواصل الاجتماعي أو استكمال التعليم والتجارة وغير ذلك، كما أنها تعني حلاً لأزمة رواتب الموظفين التي تلقي بظلالها على واقع حياة آلاف الأسر التي غرق كثير منها في بحر من الديون.

كما أن المصالحة تعني وقف نزيف المجتمع على صعيد تبخر الكثير من مصالح المواطنين في ظل حالة التجاذب بين غزة والضفة، حيث يدفع المواطن الغزي فاتورة مناكفات وخلافات لا ناقة له فيها ولا جمل، وتعني أيضا تجاوز عقبات إطلاق عملية الإعمار لما دمره الاحتلال خلال عدوانه عام 2014، حيث رصدت الدول المشاركة في مؤتمر إعمار غزة الذي استضافته القاهرة بُعيد العدوان الأخير مبالغ طائلة لصالح اعمار القطاع دون أن ترى غالبية مشاريع الإعمار النور رغم مضي أكثر من عام على تلك الوعود التي تتيح حالة الانقسام المجال لأصحابها بالمماطلة والتملص منها.

بالتأكيد، لا ترمي هذه السطور لبث التشاؤم أو نثر الإحباط بقدر ما تحاول التحذير من تكريسها مجدداً في الشارع الفلسطيني الذي تجرع مرارة فشل الاتفاقات السابقة رغم تعدد جولاتها ومحطاتها والأطراف الدافعة لإنجازها، لذا، حين تحقق المصالحة المنشودة أحلام المواطنين وآمالهم يمكن عندها تغير المزاج الشعبي نحوها، وعدا ذلك، فستبقى حبراً على ورق، ومجرد مسلسل ملوا متابعة حلقاته كونهم حفظوا نهايته عن ظهر قلب، ولا داعي وقتها لإحياء آمالهم من جديد دون وجود رصيد حقيقي لترجمتها على أرض الواقع، وتوفر إرادة صادقة وعزم أكيد على إنفاذها.