خبر المثقف الفلسطيني: اربأ بنفسك أن تحيا مع الهمل.. عبد الرحمن شهاب

الساعة 12:19 م|23 أغسطس 2015

فلسطين اليوم

أطلس للدراسات

المثقف والثقافة من الصعب ان يحتويهما تعريف، ومن هنا يأتي التعقيد في تعريف المثقف، فنصف المثقف أصبح يعتبر مثقفًا، وكذلك ربعه وخمسه وإلا قليلًا.

قديمًا كانت الثقافة تعني الدين أو الحكمة أو الفلسفة، وكان المثقف هو النبي أو الحكيم أو الفيلسوف أو الأديب، وكان السلاطين والملوك يختارون لأبنائهم مؤدبين يعلمونهم مختلف الآداب والفنون والعلوم، وكل ما يحتاجونه ليصبحوا مؤهلين لإدارة دفة الحكم.

إذًا هكذا هي الثقافة تشكل منظومة تعمل للانتقال بالمجتمعات الى وضع أفضل، فإن لم تقم الثقافة بهذا الدور فإن هناك مشكلة لدى المثقفين أنفسهم، تكمن في ان هؤلاء الذين اعتبروا مثقفين أو عرفوا أنفسهم بأنهم مثقفين غير قادرين على امتلاك الفاعلية في المجتمع، وذلك لأحد سببين:

الأول: إما لأنهم غير قادرين على استلهام الإجابات على المآزق المحيرة، وبالتالي فهم غير محلل للتاريخ، وليس لديهم قدرة الاستشراف وعقولهم أصغر من ان تفكر خارج الميثولوجيا التي قيدوا أنفسهم بها، فعندما اصطدمت مسلماتهم بالواقع أصبح مستواهم الثقافي لا يختلف عن الطفل الذي ولد للتو، لا يهم كم امتلك من علم بتجارب الأمم أو قراءة للتاريخ، لأن قراءته كلها كانت تصب في اتجاه واحد وهو خدمة المسلمات التي يحملها، يقرأ كي يحكم على التاريخ بالميثولوجيا التي ألزم نفسه بها.

الثاني: انهم يدركون الإجابة ثم يسقطون في مربع عدم القدرة على التصريح بها، متناسين ان هذا المربع (مربع عدم القدرة على التصريح والصدع بالحق) إنما هو تلك المسافة التي يسكن بها خاسروا الذات، فقد يقبل حينًا من الدهر من مثقف أن يسكت عن قول الحق، لكن يحرم عليه قول نصف الحق، فقول نصف الحقيقة من قبل المثقف هو عين الكذب وتمامه؛ لأن المثقف مؤتمن على قول الحق وإذا سكت عن نصفه اعتقد الناس ان نصف الباطل المسكوت عنه بأنه الحق.

قد يجد البعض من هؤلاء تبريرات للسكوت على الباطل من خلال شعوره انه يقدم النصيحة لحزب الباطل سرًا، ويلتصق بعلاقات حميمية بأصحاب هذا الباطل سعيًا منه - على ما يظن - انه يقوم المسارات من الداخل، إن هذا يعتبر من  أكبر الكوارث، وقد يجد بعضهم انه من الضروري ان يرتبط برباط حزبي أو سلطوي أو بدعم أجنبي أو بنظام إقليمي لشعوره ان هذه الجهة هي جهة مخلصة وصادقة وتبغي مصلحة الوطن والمجتمع، ولا يدري انه سيسقط لا محالة في مجاملة هؤلاء على أخطائهم سعيًا منه لتقديم النصيحة لهم سرًا، ولا يدرك انه يخذل المجتمع بهذه السرية في مقابل الصدع بالعلانية ضد ما يظن انه باطل، لكنه جاء من جهة غير الجهة التي يواليها.

من هنا فلا يمكن اعتبار من ارتبط بوثاق أو بيعة حزبية على انه مثقف، ولا يمكن اعتبار من ارتبط بعلاقة سلطوية أو نظام إقليمي، وحتى لو اعتقد انه صادق مع نفسه، لا يمكن اعتباره مثقفًا، بل هو طالب ثقافة أو مدعيًا ذلك في أحسن الأحوال.

قد يقع في أكبر المحظورات، ويظن بأنه يعمل لمصلحة الشعب عندما يحابي جهة سياسية ويدافع عنها في محنتها،  ويظن انه يقف مع المجتمع في محنته، لكن هذا لا يبرر ان يقوم المثقف بهذا الكذب، فلا يمكن للمثقف ان يكذب أهله بأن يتحدث بثقة زائدة عن سلامة المجتمع وقدراته وامكانياته، ويعطي معدلات مكذوبة عن حصانة المجتمع، وهو لا يستمع لقاع المجتمع، فالمثقف يجب ان يتلمس التهديدات التي تحيط بالمجتمع من الداخل ومن المحيط ويواجه ذلك بصدق، لا الحديث فقط عن الفرص والآمال والانتصارات، فالمثقف يجب ألا يطمئن لأية جهة مهما ادعت انها تخدم الشعب، لا يكون مطمئنًا لأنه هو الأعلم بضعف المجتمع، فلا يصرخ مع الصارخين ولا يغرد مع المغردين ولا ينعق مع الناعقين ولا يكون بوقًا لأحد تحت شعار رفع المعنويات، معولًا بذلك على علاقته بسلطة دينية أو سياسية.

فإنما رجل الدنيا وواحدها ... من لا يعول في الدنيا على رجل  

 وحسن ظنك بالأيام معجزة ... فظن شرًا وكن منها على وجل

ليس مثقفًا بل غوغائيًا من يتحدث عن الصمود خلال المحنة، ويطمئن الناس ان الأمور تسير بخير والقيادة بخير والحزب بخير، وأن شعبهم هو الرائد في المنطقة، وأن أمتهم لن تذوب؛ فيما أسماك القرش تبتلع مهجريهم، من يفعل ذلك هو كاذب، وبالكذب يرتزق.

وليس مؤمنًا من يخرج ليعد العالم بأن شعبه مؤمن ولن يتزحزح عن أرضه؛ فيما النار تسقط على رؤوسهم وملايين تترك بيوتها وتهجر، فيما هو لا يتزحزح عن منبر الإعلام من داخل قبو أو خارج الوطن، فهو شيخ يسترزق بالدين، وفي أحسن الأحوال يعيش غيبوبة أو قد مسه الجن.

المثقف هو الحامي لثقافة المجتمع ويدافع عنها، ولا يغفر لمن يعتدي عليها حزبًا كان أم فنانًا أم صحفيًا، ولا يدافع عنه تحت أي شعار كالمغفرة وإقالة عثرة الفنان أو الصحفي، ومن يدافع عن المنتهكين لثقافة الأمة، فهو ليس بمثقف وليس بحريص، إنما كافر بحق الشعب في حياة القيم، وهو يفضل سلامة فرد أو حزب على سلامة المجتمع وقيمه، ولا يدرك ان استبعاد المنحرفين من التأثير وعدم الغفران لهم أولى بكثير من ان نغفر لهم، لأن الفساد يبدأ بفساد الكاتب والصحفي والفنان.

إن دور المثقف ليس بالدور الهين ولا يقبل منه ان يداهن السياسي؛ بل مطلوب منه أن يقدم نموذجًا في الصلابة والاستقامة والنقد والشعور بالاستفزاز عندما تمس أخلاق وقيم المجتمع.

المثقف الذي يملك الاجابة على الأسئلة، المأزق الذي تمر به المجتمعات إنما هو بوصلة مجردة لا تتكئ على رضى الآخرين ولا على مواقف أحد، فهو عامود الخيمة، وهو الذي يثق به المواطن العادي، هو الذي يقف ضد الفساد ويتبنى هموم الناس ولا ينظر إليهم من عل لأنه ليس نخبة منقطعة عن الأرض.

أيها المثقف:

قد هيأوك لأمر لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل