خبر خطاب تشارلستون في رام الله- هآرتس

الساعة 01:29 م|24 يوليو 2015

فلسطين اليوم

خطاب تشارلستون في رام الله- هآرتس

بقلم: دمتري شومسكي

(المضمون: يوجد لاوباما الوقت لخطاب تاريخي آخر في آذان الفلسطينيين يشمل التنديد بالاحتلال، واعطاء الفلسطينيين الحق في تقرير المصير - المصدر).

التاريخ لن ينسى براك اوباما. هذا ما كتبه يوسي سريد في « هآرتس » في 3/7، ليس فقط بسبب اعماله بل ايضا بفضل خطاباته – الخطاب الذي ألقاه في تأبين قتلى الكنيسة في تشارلستون الذي وضع فيه « جسر من الأمل على مياه هائجة »، حسب قوله.

سريد على حق، وبخلاف رأي الكثيرين، فان خطابات اوباما ليست مجرد كلام فارغ جاء ليغطي على سياسة مصالح ضيقة. خطاباته هي ارث سياسي مفصلي حيث توجد في جوهره مباديء العدل والحرية والمساواة. والارث في ظروف تاريخية مناسبة قد يشكل الالهام للأجيال القادمة.

ولهذا السبب بالتحديد يمكن الاستغراب من عدم القاء اوباما « خطاب تشارلستون » حتى الآن في رام الله أمام الشعب الفلسطيني، الذي هو أحد الشعوب المقموعة والمهانة منذ عشرات السنين. ولماذا يمتنع حتى الآن عن اسماع صوته العالي والواضح ضد استمرار الاحتلال الاسرائيلي، وضد سلب الحقوق المدنية والوطنية لهذا الشعب، وضد سرقة الاراضي واستيطانها تحت حماية ورعاية الحكم العسكري – مع الاخلال الواضح والصريح بالقانون الدولي.

من اجل الاجابة على ذلك لا تكفي التفسيرات العادية حول المصالح المشتركة بين اسرائيل والولايات المتحدة، وتهديد اللوبي اليهودي والمراوغة الاسرائيلية باستخدام موضوع الكارثة. وقد أثبت اوباما أكثر من مرة أنه عندما آمن واقتنع بالأهداف التي وضعها، فان شيئا لم يردعه عن المضي فيها، ليس فقط بالخطابات الجريئة بل ايضا بالقيام بخطوات سياسية، والمخاطرة احيانا بمكانته السياسية على المدى الفوري.

ومن بين الأدلة الواضحة على ذلك النضال في الموضوع الصحي، والقرار الغير مرغوب فيه وهو التطبيع مع كوبا والتصميم على مصالحة ايران رغم صراخ بنيامين نتنياهو. يبدو أن اوباما لا يؤمن بعدالة المطلب الفلسطيني لتقرير المصير، ويحتمل أنه رغم عظمته التاريخية إلا أنه يعاني مما يعاني منه الكثير من الساسة والمحللين الغربيين منذ أجيال، الامر الذي يطمس عن أعينهم الوجود الوطني للفلسطينيين وأزمتهم السياسية، حيث يقتنعون أن للشعوب العربية وفرة من الاستقلالية وأن هناك أكثر من عشرين دولة عربية مستقلة ورغم ذلك يطالبون بدولة اخرى، عربية فلسطينية، في الوقت الذي توجد فيه فقط دولة واحدة لليهود مثل باقي الأمم.

لكن الحقيقة هي أن كثرة الدول العربية هي التراجيديا الاكبر للأمة العربية في العصر الحديث. « الأمم لم تتعامل مع القومية اليهودية، بل مع الشعب اليهودي فقط »، لخص يهودا ليف فينسكر الوضع الصعب للشعب اليهودي عندما كان مشرذما وليس له تمثيل سياسي. هذا يعكس ايضا أزمة العالم العربي، « لأن الأمم لم تتعامل مع أمة عربية بل مع دول عربية فقط »، واغلبية هذه الدول (باستثناء مصر التي لها ارث سياسي قومي قديم) هي نتاج الاخلال بحق الأمة العربية في تقرير المصير، الحق الذي سلب بعد انهيار الامبراطورية العثمانية. في حين أن المنطقة العربية قُسمت الى مناطق سيطرة حسب المصالح الغربية. لهذا لا تعكس هذه الدول حق الأمة العربية في تقرير المصير؛ بل العكس، تعكس مستويات الاستعباد نحوها، استعباد مجموعات عرقية دينية محلية، أو حمائل وسلالات، وايضا مصالح قوى عظمى اجنبية.

الكيانات التي تعكس مستويات مختلفة من الاستعباد القومي السياسي للأمة، « الدول العربية »، مصيرها الفوضى والاخلال بأمن السكان الشخصي، سواء من المليشيات والجيوش المحلية أو من الديمقراطيات الغربية التي تفقد حضاريتها وانسانيتها عندما تتدخل في ما يحدث في الشرق الاوسط.

يمكن قصف السكان الذين تم ايجادهم بشكل اعتباطي في العراق. يمكن فعل ذلك بواسطة تدمير مؤسسات الدولة واهانة مجموعة دينية كاملة واشعال حرب أهلية مخيفة – وبعد ذلك يمكن العودة للعيش في المزرعة في تكساس دون الخوف من المحكمة على جرائم الحرب. فالعرب يُسمح بقتلهم في دولهم، وليس هناك قانون أو من ينفذ القانون.

الجزء الفلسطيني من الأمة العربية يمكن احتلاله واضطهاده، ويمكن حبسه بين الجدران – وتنفيذ المجازر بين فينة واخرى ردا على اعمال مقاومة ارهابية – دون دفع ثمن الاخلال بحقوق المواطن القومية؛ الكل مسموح طالما أن الحديث عن أمة لها كثير من الدول. واضح أنه لو كان اوباما يريد لما كان له الوقت المطلوب من اجل احداث تحول سياسي فعلي لاصلاح الاجحاف القومي السياسي الذي حدث للأمة العربية بفعل الدول الامبريالية الغربية (بما في ذلك الاتحاد السوفييتي المتلون).

بقي عام ونصف حتى انتهاء ولاية اوباما، وهذه فترة كافية من اجل الوقوف على ضائقة الجزء الأكثر مهانة للأمة العربية: الشعب العربي الفلسطيني الواقع تحت اضطهاد سلطة اجنبية وبرعاية الديمقراطية الغربية. في الوقت الحالي يستطيع اوباما الوصول الى رام الله واسماع هذا الشعب الخطاب الاكثر مفصلية – التنديد بالاحتلال وبالمستوطنات الاسرائيلية وحق تقرير المصير الفوري للفلسطينيين.

خطاب كهذا من شأنه أن يكون خطوة اولى في مسيرة التحرر المتأخرة للأمة العربية جميعها. اذا فعل اوباما هذا فسيكون « جسر من الثقة » للأمة العربية، للشعب الفلسطيني وايضا للشعب اليهودي في اسرائيل. لأن التطبيق العادل لحق تقرير المصير على المستوى العربي سيعطي بشكل غير مباشر شرعية وصلاحية لحق الشعب اليهودي في تقرير المصير.