بالصور الشهيد المجاهد إياد أبو ريدة: أسطورة صنعت مجداً توجت باستشهاده

الساعة 12:31 م|16 نوفمبر 2014

الإعلام الحربي

وقفت وحدك برفقة ثلة من المجاهدين الأطهار في مواجهة أعتى ترسانة في الشرق الأوسط، ورهنت روحك لله خالصة، لم تستطع رؤية دماء أبناء شعبك تراق في شمال وجنوب ووسط القطاع، وكانت دماؤهم عزيزة على قلبك الطاهر، فقررت خوض غمار المعركة، وصغت أجمل نهاية بعزفك ألحان الشهادة، عندما حملت سلاحك الرشاش وواجهت بجسدك العاري جنود الاحتلال المدججين وهم يهربون أمامك ليحتموا بالجدر والآليات المصفحة، ولم تأبى لطائرات الموت التي لم تغب عن سماء غزة طوال فترة العدوان الغاشم.

فكنت كما الأسد الهصور تتنقل من بيت لبيت، ومن حقل لحقل، ومن حارة لحارة ، وأنت تتصدى بشراسة للعدوان الصهيوني على بلدتك" خزاعة"، فكانت المعركة الأخيرة لك حاسمة قررت فيها خوض غمار الحرب وجهاً لوجه، خرجت عليهم بصيحات الله أكبر ويدك تضغط على الزناد لتوزع الموت على جنود بني صهيون من لواء "جفعاتي" وحدة نخبتهم التي وقفت عاجزة أمام  مواجهتك فما كان أمامهم إلا الفرار كما الكلاب الضالة التي تخشى الموت الذي صار يلاحقها أينما فروا وهربوا  كالفئران، فواصلت الاشتباك معهم وهم يختبئون خلف الجدر، فاستيئسوا ودب فيهم الذعر، فاستعانوا بطائراتهم لتقتلك ومن معك من الثلة المؤمنة القليلة حيث تمزقت أشلائك بفعل القصف، فيما روّى دمك القاني الأرض العطشى، فتركت لنا باقة مجد تتفتح مع كل نهار، وشفق كل صباح، ومازال أريج عطرك سارياً بين الحقول وأشجار الزيتون .. يا شهيدنا إياد يا جنرال الشرقية ونجمها الساطع الذي لن يفل نوره ..

قصة النجم بلسان والديه

من فوق أنقاض منزله ببلدة "خزاعة" ، حيث عاش ذلك المجاهد الفذ، كان الموعد واللقاء مع أسرته لنروي لكم قصة الشهيد المجاهد إياد راضي أبو ريدة...

بالقرب من الحدود الشرقية المحاذية للأراضي المحتلة يقبع بيت شهيدنا إياد، حيث يقول والده الحاج راضي أبو ريده "56" عاماً :" في هذا البيت المدمر كان بزوغ فجر ميلاد إياد في الثلاثون من مارس لعام ألف وتسعمائة وسبعة وثمانون، لأسرة تتكون من والديه وسبعة أشقاء وخمسة أخوات، وتلك الحقول المدمرة كانت مرتعه قبل أن تدمرها جرافات الاحتلال الصهيوني وطائراته ".

ويضيف أبو وسام لـ "الإعلام الحربي" :" رغم فخري واعتزازي بما قام به نجلي من عمل بطولي، إلا أنني حزين على فراقه اشد الحزن، فهو كان سندي ويدي اليمنى التي اعتمد عليها في كل شيء"، واصفاً إياه بـ " الشاب المؤمن، المهذب، الأمين، الصادق، الشجاع، الخلوق".

ويكمل الوالد الصابر حديثه المفعم بالحب، قائلاً:" إياد كان شمعة تضيء الطريق لجميع، وكنت إذا هممت للسفر إلى الخارج بهدف العلاج، استأمنه على البيت والسيارة التي اعمل عليها، حين أعود أجد الأمور أفضل مما كانت عليه"، مشيراً إلى حجم العلاقات الواسعة التي كان ينسجها الشهيد مع كافة أبناء شعبه من مختلف الأعمار والتخصصات دون النظر إلى ميولهم وتوجهاتهم".

أما والدته الصابرة المحتسبة فتطرقت في بداية حديثها إلى طفولته ، وتفوقه الدراسي، وحب الدائم للابتكار والإبداع وتصليح الأدوات الكهربائية والالكترونية، قائلة بصوت حزين :"منذ كان طفلا كان هادئ، مبتسم، حريص على التعلم والسؤال عن أي شيء، حيث كنت أتنبأ له بمستقبل باهر".

وواصلت حديثها :" في فترة شبابه وجه اهتمامه للالكترونيات، فكان يهتم بتصليح الأدوات الكهربائية داخل البيت، ثم أصبح يصلح للجيران ، حتى ذاع صيته في المنطقة كلها، ولا اذكر يوما تخلف عن تقديم المساعدة لأحد وبدون اجر، وكنت عندما اطلب منه اخذ اجر مقابل ما يقوم به، وكان يقول لي: "الناس ظروفها صعبة ولا يجب أن نرهقهم بل يجب أن نكون عوناً لهم، والمركب التي فيها شيء لله لا تغرق".

وأشارت الأم الصابرة إلى أنها عرضت عليه فكرة الزواج عدة مرات، وأمام إصرارها وإلحاحها وضع شروطاً تعجيزية لها في التي يجب أن تكون له زوجة واستدركت قائلةً :" أيقنت وقتها أن نجلي لا يريد عروس في الدنيا بل يريدها من أهل الجنة".

الشهيد المجاهد إياد درس كافة مراحل دراسته المختلفة في مدارس خزاعة، وبعد إنهاء المرحلة الثانوية بنجاح انتقل للدراسة الجامعة، حيث التحق بجامعة القدس المفتوحة وحصل منها على شهادة الدبلوم بتقدير جيد جداً في الخدمة الاجتماعية، وعمل ضمن مشاريع البطالة لمدة شهرين، وكان يرغب في إكمال دراسته الجامعية، لكن الوضع العام لم يسمح له.

وعرف الشهيد إياد بحبه لكرة القدم، حيث كان يلعب مدافع ضمن فريق "الوحدة"، ويسجل له إحراز عدة بطولات رياضية، ويقول صديقه حمد :" كان الشهيد إياد نجم حقيقي، وصاحب بصمة واضحة في البطولات التي قمنا بإحرازها"، مشيراً إلى  أن الشهيد كان يتمتع بلياقة عالية، وقدرة على المناورة ساهمت بشكل كبير في إحراز أهداف الفوز.

ويستطرد صديقه حمد في حديثه عن شخصية الشهيد وعلاقته بالآخرين:" ببساطة لم يكن الشهيد إياد ممن يجود الزمن بالكثير من أمثاله". وتابع قوله:" لقد خسرنا باستشهاد إياد شيئاً غالياً وثميناً ذهب وفقدناه إلى غير رجعة فعلى مثله يبكي الرجال".

أما رفيق دربه في حركة الجهاد "أبو مجد" فيكشف النقاب عن صفات أخرى في شخصية الشهيد إياد، حيث يقول:" كان تقبله الله مثالاً للشاب الشجاع الهمام الذي لا يعرف الراحة أو السكون، ويشهد له كل من عرفه في ساحات الوغى"، مشدداً على مدى حرص الشهيد على نيل الشهادة في سبيل الله، حيث كان يطلبها ويسعى لها دون تردد. ولفت أبو المجد إلى علاقة الشهيد الطيبة مع كل أبناء الاتجاهات الأخرى، سواء الوطنية منها أو الإسلامية.

مشواره الجهادي

وتحدثت الأم الصابرة عن الفترة التي التحق فيها نجلها بصفوف حركة الجهاد الإسلامي وذراعها سرايا القدس قائلةً:" منذ أن التحق نجلي في صفوف الحركة الجهادية، تغيرت حياته رأس على عقب، فزاد التزامه، وحرصه على تنفيذ كل ما أريد دون تردد، وكنت دائما ما أراه مهموماً حزين على ما يجري للقدس من انتهاكات، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من مجازر مروعة"، منوهةً إلى أن نجلها "إياد" كان يتمنى الشهادة في سبيل الله، وأنه كان يحزن حزناً شديداً حين كان يسبقه صديق او رفيق درب الى الشهادة.

والتحق الشهيد الفارس إياد في صفوف حركة الجهاد الإسلامي وهو شبلاً في المرحلة الإعدادية، وكان دائم الاشتراك في فعاليات وأنشطة الحركة والمخيمات الصيفية، فشب "إياد", وكبرت معه أحاسيسه بالألم وجراح شعبه، وحرص على الالتحاق بصفوف سرايا القدس، فكان له ما تمنى بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة، حيث تلقى العديد من الدورات العسكرية، فكان نعم المجاهد المخلص والملتزم بقرارات قيادته في المنطقة.

وعلى الرغم من أن عمله في سرايا القدس اقتصر في بداية الأمر على عمليات الرصد والرباط في حدود منطقته، إلا أن حلمه في الشهادة كان يكبر معه يوماً بيوم، حيث كان يرى الحقد الصهيوني يطال كافة أبناء وطنه، فلم يبقِ بيت إلا وفيه شهيد أو جريح أو أسير أو متضرر، ثم كان التحاقه بوحدة الإسناد ، لما كان يبديه الشهيد من التزام وحرص على نيل الشهادة، وارتقى فيها نظراً لما أبداه من بطولة وشجاعة في معركتي " بشائر الانتصار" و " كسر الصمت". 

أما عن عمله العسكري، فيؤكد رفيق دربه "أبو ساجد" أن الشهيد كان يتميز بإتقانه في وضع الإحداثيات للصواريخ ومدافع الهاون بدقة بالغة، عدا عن شجاعته وإقدامه بلا تردد على تنفيذ المهمات الجهادية الصعبة، لافتاً إلى الدور البطولي للشهيد في معركة "بشائر الانتصار" و"كسر الصمت" و"البنيان المرصوص" وغيرها الكثير من المعارك مع العدو الصهيوني.

وتجدر الإشارة إلى أن الشهيد المجاهد إياد تعرض لعدة محاولات اغتيال وخاصة في معركة "البنيان المرصوص" حيث تم استهداف بيت عائلته بصاروخ اف 16، ثم تم استهداف مكان آخر كان يتوجه إليه بين الفينة والأخرى، عدا عن محاولة اغتياله خلال تنفيذه لبعض المهمات الجهادية، ونجا منها حتى كان استشهاده في عملية بطولية أسفرت عن مقتل وإصابة عدد من جنود الاحتلال من وحدة النخبة " جفعاتي"، في كمين "خزاعة"، الذي قاده برفقة ثلاثة مجاهدين من كتائب القسام.

وفي مداخلة لوالده تحدث أبو سام عن اللحظات الأخيرة التي جمعته بنجله إياد بعد استهداف منزل العائلة من قبل طائرات الاف16، قائلاً :" جاءني إياد منحني الرأس حزين وقال لي: يا والدي لا تزعل، فقلت له : فداك المال والبيت المهم أنت، فوضع يده على كتفي دون أن يتكلم بكلمة واحدة، وغادر المكان على الفور".

قصة استشهاده

مع بدء العدوان الصهيوني البري على قطاع غزة،  تقدم فارس سرايا القدس النجم إياد أبو ريدة مع إخوانه المجاهدين لمواجهة رتل جنود الاحتلال الذين قدموا إلى حتفهم في منطقة "أبو ريدة" ببلدة خزاعة شرق خان يونس.

وهناك دارت معركة عنيفة بين المجاهدين الأطهار وجنود الاحتلال الصهيوني الذين فروا أمام بسالة فرسان المقاومة الذين كانوا يتنقلون من بيت لآخر بحكم معرفتهم لطبيعة المكان، ومن أجل تكبيد جنود الاحتلال خسائر فادحة، مستخدمين الأسلحة الرشاشة وقاذف صاروخ الـ "لاو" الذي اغتنموه من جنود الاحتلال، بعد أن باغتوهم وقتلوا منهم من قتلوا.

ليرتقي الشهيد المجاهد  إياد أبو ريدة الملقب بـ "النجم" برفقة شهيدين آخرين وهما معتز أبو ريدة، وبلال قديح الملقب بـ "ادهم"  عصر يوم الاثنين أول أيام عيد الفطر بتاريخ 28/7/2014 ،  بعد اشتباك عنيف بدأ الساعة الثانية والنصف ظهراً حتى الساعة الرابعة عصراً . مسجلين بدمهم المراق أروع صور التضحية والفداء في سبيل الله، محققين قوله تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا".


الشهيد المجاهد إياد أبو ريدة
الشهيد المجاهد إياد أبو ريدة
الشهيد المجاهد إياد أبو ريدة