تحليل « إسرائيل » تبحث عن مخرج: مفاوضات القاهرة وورقة القرار الدولي

الساعة 10:05 ص|18 أغسطس 2014

كتب نضال محمد وتد

لى الرغم من التصريحات التي أطلقها رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، في الأسابيع الأخيرة، لجهة اعتماد المبادرة المصرية باعتبارها "العرض الوحيد في المدينة"، وجهود إسرائيل الدبلوماسية في إفشال المبادرتين القطرية والتركية، إلا أن الخلافات الداخلية في صفوف الحكومة الإسرائيلية، ستدفع باتجاه رفض المبادرة المصرية بحجة عدم توفير "الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية". وهو آخر شعار طرحه نتنياهو، أمس الأحد، خلال جلسة الحكومة الأسبوعية، كورقة يلوّح بها ويختبئ خلفها لرفض المبادرة المصرية.
كل هذا، على الرغم من أن المبادرة بدأت بعد الأسبوع الأول من العدوان، كثمرة تنسيق أمني رفيع المستوى بين حكومة الاحتلال والنظام المصري. وكانت المبادرة المصرية، في صيغتها الأولى، مجرد إملاءٍ مُذلّ للمقاومة الفلسطينية، رفضته الأخيرة، فيما تذرّعت إسرائيل برفض المقاومة لها لتكثيف هجماتها الوحشية ضد القطاع.
لكن نتنياهو عاد واعترف، تحت ضغوط وزراء حكومته، بحسب ما نشرته الصحف العبرية أواخر الشهر الماضي، بأن القبول بـ"المبادرة" (الإملاءات) كان بفعل تقديرات إسرائيل بأن المقاومة سترفضها.

وتبيّن لاحقاً أن المبادرة كانت بالتنسيق بين حكومة الاحتلال والسلطات المصرية. ومع أن حكومة الاحتلال أعلنت، على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، أنها ترفض التفاوض مع حركة "حماس"، وأنها لن تقبل بأقل من تجريد المقاومة من سلاحها، ولا بالتفاوض تحت النيران، إلا أن أداء المقاومة وثباتها في وجه المجازر الإسرائيلية، قلب السحر على الساحر، ودفع بالسلطة الفلسطينية (التي دعت المقاومة، في بدايات العدوان، إلى القبول بالنص الأول للمبادرة المصرية) إلى تبنّي مجمل شروط المقاومة.
وهو ما مكّن من تشكيل الوفد الفلسطيني الموحّد للمفاوضات في القاهرة، وأجبر إسرائيل على الخوض في مفاوضات مع المقاومة، وإن تذرّعت بأنها غير مباشرة.
وتبدو أجواء المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية، التي استؤنفت في القاهرة، أمس الأحد، لا تبشّر باحتمالات التوصّل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، بسبب رفض نتنياهو، والأصح عجزه عن فرض موقف مؤيّد للمبادرة المصرية بشكلها الحالي على أعضاء مجلس "الكابينيت" الإسرائيلي.
وكان نتنياهو قد اضطر، الأسبوع الماضي، إلى نقل موافقة إسرائيل على تمديد وقف إطلاق النار لخمسة أيام، تنتهي مساء اليوم الاثنين، من دون الرجوع لوزراء "الكابينيت"، خوفاً من رفضهم للاتفاق.
ولاحقاً، أظهر اجتماع "الكابينيت"، الذي عقد صباح الجمعة الماضي، عمق الخلافات داخله، سواء كانت أسبابها داخلية حزبية أم أعمق لجهة التصوّر المستقبلي لوضع القطاع والمنطقة بعد العدوان.
ودفعت هذه الخلافات بوزراء في الحكومة و"الكابينيت"، إلى رفض أي اقتراح أو اتفاق من شأنه أن يسجل إنجازات للمقاومة. وتُرجم هذا الموقف في تفاهم وتوافق بين أقطاب متناقضة في الحكومة، فالتقى كل من نفتالي بينيت، زعيم البيت اليهودي المتطرف، وتسيبي ليفني، زعيمة حزب هتنواه الوسطي، وفي معسكر واحد مع زعيم حزب "ييش عتيد"، يئير لبيد. وهو معسكر يسعى إلى الهروب من كل اتفاق مع المقاومة، يمنح "حماس" شرعية إسرائيلية قبل أن يمنحها شرعية دولية كطرف في المفاوضات مع الحكومة، وإن كانت الأطراف الثلاثة تختلف في تصوراتها للحل؛ فليفني تريد إعادة السلطة وأجهزتها إلى غزة، بعد إضعاف "حماس"، ولبيد يروّج لمؤتمر دولي يمكن له أن يشكل آلية لضبط تسلّح الحركة الإسلامية وقدراتها القتالية، بينما يدعو نفتالي بينيت إلى تسهيلات من جانب واحد، شرط وقف أي مفاوضات مع "حماس".
وتعكس هذه الخلافات الداخلية، التي تظهر نتنياهو "اليساري" الذي يقبل بالتفاوض مع "حماس"، عمق الشلل وانعدام الأفق بين أقطاب الحكومة الإسرائيلية، الخائفين من اتفاق يكرّس حركة المقاومة الإسلامية طرفاً أساسياً في المعادلة، حتى ولو قبلت الحركة، تحت مظلة حكومة الوحدة الفلسطينية، بعودة السلطة الفلسطينية وأجهزتها إلى غزة.


وترى الصحف الإسرائيلية والمحللون أن الحكومة الإسرائيلية أمام ثلاثة خيارات:


1 ـ إما الذهاب لاتفاق مع "حماس"، وهنا تتساءل الصحف لماذا تقبل الحكومة اليوم بما رفضته قبل الحرب؟ في إشارة إلى تنازلات إسرائيلية لجهة رفع الحصار.


2 ـ أو قبول اقتراحات بينيت، والإعلان عن وقف العدوان من جانب واحد وإعطاء تسهيلات على المعابر، وبالتالي لا تكون قدمت تنازلات لـ"حماس"، لكنها في هذه الحالة تخاطر بأن تستأنف المقاومة قصف إسرائيل، ما سيظهر الحكومة الإسرائيلية بأنها تعمّدت الحديث عن كسر "حماس" وتحقيق أهدافها من الحملة، لكنها لم تضمن عودة الأمن لمستوطنات الجنوب، وهو ما سيضع الحكومة الإسرائيلية، وليس حركة المقاومة الفلسطينية، في مواجهة سكان دولة الاحتلال.


3 ـ أما الخيار الثالث، فهو عدم التوصل إلى اتفاق، وهذا هو الخيار الأكثر ترجيحاً في المرحلة الحالية، وهو يفرض استئناف العدوان والقصف بانتظار تدخل دولي يرغم الطرفين، عبر قرار أممي، على وقف القتال، ويضع ترتيبات يمكن للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني القبول بها كاستجابة للموقف الدولي وليس كتنازل للطرف الآخر.


في المقابل، فإن المقاومة، التي تمكنت من كسر الشروط الإسرائيلية التي أعلنها نتنياهو بشكل تصاعدي، بدءاً من "كسر حماس"، وتجريدها من سلاحها، وجعل غزة منزوعة السلاح، والتراجع إلى حد التصريح بأن حكومة إسرائيل "لن توقّع على تفاهمات لا تضمن احتياجاتها الأمنية" من دون تحديد هذه الاحتياجات، ووضع سقف لها، تملك، باعتراف الصحف الإسرائيلية، كل الخيارات، فهي باتت طرفاً في المعادلة، إذ إن ورقة "إعادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس" إلى القطاع بديلاً لـ"حماس"، احترقت كلياً بعد تشكيل وفد موحّد.


كما أن مطلب تجريد المقاومة من سلاحها تراجع إلى "المطالبة بمنع حماس من إعادة بناء قوتها وتعزيزها"، وانكسر التعنت الإسرائيلي بشأن رفع الحصار وفتح المعابر. كما انكسر كلياً الشرط المصري ـ الإسرائيلي بـ"وقف العمليات العدائية المتبادلة بين الطرفين"، كشرط أولي للمفاوضات.


ويعني هذا مجدداً، أن المقاومة باتت هي صاحبة المبادرة، فيما تجد إسرائيل نفسها، باعتراف وزراء "الكابينيت" والصحف، تراوح في دائرة رد الفعل، الذي يسعى نتنياهو الآن إلى مغادرته، والتعويل على "التدويل"، وصدور قرار أممي بوقف الحرب على قطاع غزة، ما يعني، عملياً، صفعة أخرى توجهها إسرائيل للنظام في مصر ومبادرته، ولكل مَن ظلّ يكرر أن المبادرة المصرية هي الورقة الوحيدة المعروضة على المقاومة والشعب الفلسطيني.


من شأن أي قرار أممي يقضي بوقف الحرب، أن يمنح "حماس" مكانة دولية، وقراراً يفتح الحرب الداخلية في إسرائيل وعلى مستقبل نتنياهو نفسه، وقد يوفر لخصوم "بيبي"، وفي مقدمتهم ليبرمان، الذريعة المناسبة لترك الائتلاف الحكومي، وجر إسرائيل إلى انتخابات جديدة.