خبر الشرارة الالكترونية لثورة الياسمين -هآرتس

الساعة 09:24 ص|24 يناير 2011

الشرارة الالكترونية لثورة الياسمين -هآرتس

بقلم: آنشل بابر

(المضمون: اذا تبين في الايام القريبة القادمة بان الجيش استولى على الحكم يحتمل ألا يحصل الالاف الذين أموا الشوارع مطالبين بالديمقراطية الحقيقية مبتغاهم. ولكن كثيرين آخرين في تونس، وفي واشنطن ايضا سيتنفسون الصعداء - المصدر).

في الانترنت يعرف كحمدي كلوشا وتحت هذا الاسم نجح في الاختفاء حتى الاسبوع الماضي حين وصل الى شقته أفراد من الشرطة بلباس مدني واعتقلوه. وهو لا يعرف بانهم عثروا على أثره، "ولكن الان لم يعد لي ما يبرر الاختباء، فقد باتوا يعرفون من أنا"، يقول سفيان بوالحق. "لم يعذبوني"، يروي عن الايام الثلاثة التي كان فيها قيد الاعتقال. "بل انهم تعاملوا معي على نحو لطيف، يبدو أنهم فهموا بان من ناحيتهم القصة انتهت تقريبا". وقد افرج عنه يوم الاحد، غداة هرب الرئيس زين العابدين بن علي الى السعودية.

هو ابن 28، وحتى قبل سنة كان يدرس العلوم السياسية في بلجيكيا. وقد عاد الى تونس وكالكثير من ابناء جيله من الطبقة الوسطى المثقفة، لم يجد عملا. وهو يقضي قسما كبيرا من وقته على الفيس بوك والتويتر والشبكات الاجتماعية الاخرى. قبل شهرين، عندما نشر ويكيليكس الوثائق التي سربت من وزارة الخارجية الامريكية ترجمها الى العربية والفرنسية. فقد وصف الدبلوماسيون الامريكيون بالتفصيل وبلغة تصويرية ما وصفوه بانه نوع من المافيا التي اقامتها عائلة الرئيس المطاح به، ولا سيما اقرباء زوجته ليلى طرابلسي. "سواء كان هذا مالا نقديا، خدمات، اراضي، املاك بل وحتى اليخت خاصته، فان عائلة بن علي تحصل على كل ما تريد"، كتب دبلوماسي امريكي الى واشنطن. "كان واضحا لي بان الاعلام هنا، الذي تحت سيطرة الحكومة، لن ينشر هذا بأي شكل كان ولا حتى الصحف العربية"، يقول بوالحق. "الفيس بوك كان السبيل لتجاوز الرقابة".

وأصدر بوالحق الترجمات في الفيس بوك في حساب فتحه تحت اسمه الحركي، كلوشا، وفي غضون اسبوع قرأها 170 الف متصفح. الحكم التونسي وجد صعوبة في ازالة الحساب على الفيس بوك، الذي سجل بشكل غير مباشر في مفاعيل الانترنت لدول اخرى. وبعد نحو شهر فقط نجحوا في التسلل الى الحساب وشطب الصفحة، ولكن حتى ذلك الحين كان مئات المتصفحين وكتاب الصفحات في المواقع الالكترونية في تونس ودول عربية اخرى قد نسخوا الامور.

بوالحق لا يعرف اذا كان محمد بوعزيز، الخريج الجامعي الذي احرق نفسه احتجاجا على اغلاق الشرطة لبسطته لبيع الخضار، كان موته هو الذي أضرم نار الاضطرابات، قرأ المنشورات ولكن ليس لديه شك في أن الحديث يدور عن جزء من ذات المسيرة. "ويكيليكس، تويتر، فيس بوك، صبوا الوقود للثورة"، يقول. "بوعزيز كان الشرارة التي أشعلت كل شيء".

يبدو انه كان للفيس بوك ايضا دور في تحرير بوالحق السريع من السجن بعد ثلاثة ايام فقط، بعد أن نشرت زوجته على الفيس بوك امر اعتقاله وجندت المتصفحين لنشر الخبر. بوالحق يعرف أن تونس بعيدة عن الديمقراطية التي يطالب بها الاف المتظاهرين في الشوارع، ولكنه يشعر بانه جزء من المسيرة التاريخية. "حتى اليوم كان للتونسيين موعدا تاريخيا واحدا، 1956، حين حصلنا على الاستقلال واقام الحبيب بورقيبا الدولة. اما الان فقد حصلنا على موعد جديد في 2011".

حسب التقديرات، أكثر من عشرين في المائة من سكان تونس يستخدمون الفيس بوك وليس الشباب وحدهم. فاطمة مرودي – سودي، ابنة 53، معلمة فرنسي في مدرسة ثانوية في تونس، تقول انه "منذ ان بدأنا المظاهرات، فانا على الحاسوب عدة ساعات كل يوم أبحث عن مادة، صفحات، بلاغات، افلام نشرها الناس عن المظاهرات، وأعيد نشرها".

ليس للتونسيين ثقة بوسائل الاعلام التي يسيطرة عليها حزب السلطة، حزب التجمع الدستوري. "التلفزيون هنا لم يبث المظاهرات"، تقول مرودي – سودي، "كل ما عرفناه حصلنا عليه عبر الانترنت. الهامنا استمديناه من المظاهرات في السنة الماضية بعد الانتخابات في ايران".

وحسب اقوالها، "يصعب عليّ أن اثير اهتمام التلاميذ بذلك، فهم معتادون على الوضع. تعلمت استخدام الانترنت كي أجد سبلا لاثارة اهتمامهم بما يحصل حولهم. قمنا باشياء اخرى على التويتر والفيس بوك – نشرنا أسماء لنشطاء معتقلين، تناقلنا أرقام هواتف منظمات حقوق الانسان، محامين وأطباء كانوا مستعدين لتقديم المساعدة".

في تونس وجد على مدى السنين تضارب بين القمع السياسي شبه المطلق الذي تحقق بقدر كبير من خلال السيطرة الكاملة على وسائل الاعلام والواقع اليومي للمجتمع العلماني، مع مساواة كاملة لحقوق النساء، مستوى التعليم العالي، مستوى المعيشة الاعلى مما هو في دول اخرى في افريقيا وعلاقات وثيقة مع الغرب. وتقول مرودي – سودي: "كان بوسعي أن اعلم عن الثورة الفرنسية، عن الديمقراطية والحرية، ولكنهم منعوني من ان أتطرق لما يحصل هنا داخل الدولة".

أي حزب

في تونس يوجد نوعان من المعارضة: الاحزاب "القانونية" التي سمح بوجودها ضمن قيود متشددة والاحزاب "غير القانونية" التي حُبس ونفي زعماؤها. وبينما لم تعرف المعارضة القانونية ابدا كيف تتصرف كمعارضة، كما ثبت هذا الاسبوع عندما وافق ممثلوها على الانضمام الى الحكومة المؤقتة فمنحوا بذلك الشرعية لحزب بن علي، حتى بعد ان هرب، فان المعارضة غير القانونية غير موجودة عمليا.

ظهر يوم الثلاثاء احتشد جمهور كبير في القاعة المكتظة لمطار تونس الدولي، حول زعيم المعارضة العائد من المنفى، منصف مرزوقي. بوالحق وقف جانبا، يرقب المشهد بابتسامة طفيفة. وفقط بعد ان بدأ المواطنون يتفرقون، اقترب وعرض نفسه على المحامية راضية نصراوي، المكافحة القديمة في سبيل حقوق الانسان. لم تكن تعرفه، ولكن عندما قدم نفسه باسمه الحركي الذي استخدمه في الشهرين الاخيرين، انتشرت ابتسامة كبيرة على وجهها وقبلته على خديه.

 ولكن حتى في هذا الاستقبال لزعيم حزب الكونغرس من أجل الجمهورية، لم يعرف نفسه أحد كعضو في الحزب والمشاركون لم يعرفوا ماذا يقولونه عن برنامجه، غير تقدم الديمقراطية. مرزوقي ابن 65، مع أنه أعلن قبل أن يقلع من باريس عن نيته التنافس على الرئاسة حين يعرف عن انتخابات حرة، ولكن ليس واضحا متى ستعقد هذه وفي أي ظروف. يبدو مرزوقي تعبا ومريضا وفي هذه الاثناء ليس لديه نشطاء أو بنية تحتية حزبية كي يخوض حملة انتخابية.

الطغيان قمع ليس فقط الديمقراطية، بل وقمع الدين ايضا. في شوارع تونس يكاد لا يكون هناك شابات تعتمرن الحجاب او أي نوع آخر من غطاء الرأس. نساء تونس تفضلن الجينز الملتصق وسترات الجلد القصيرة. "اريد لخطيبتي أن تغطي رأسها بعد أن نتزوج"، يقول ابراهيم شوشان، الذي أنهى قبل سنة لقبا جامعيا في الاقتصاد ويعمل في بسطة لبيع الهواتف النقالة، "ولكنها لن توافق. يوجد هنا تمييز شديد ضد النساء المحجبات. اذا ما تحجبت طالبة فلن يسمحوا لها بالدخول الى المحاضرات وللامتحانات ولن تتمكن من ايجاد عمل. أنا لا اقول لاحد اني اسلامي، لانهم سيعتقلونني".

رشيد الغنوشي، زعيم الحزب الاسلامي الكبير النهضة، في المنفى منذ 22 سنة. بعد هرب بن علي، أعلن من مكان مستقره في بريطانيا انه يعتزم العودة الى وطنه. حزب السلطة قام على المبادىء العلمانية لبورقيبة، ولكن المعارضة للاسلاميين ليست فقط ايديولوجيا. التهديد الاسلامي شكل ذريعة مريحة لكل قمع، تجاه الداخل وفي العلاقات مع الغرب ايضا.

في صباح يوم الاربعاء دخل جنديا كوماندو يلبسان الاسود الى قاعة فندق "افريقيا" في شارع بورقيبة. وكانا يختلفان عن افراد الشرطة والجنود في الحواجز في الخارج ببزاتهم المختلفة وبنادقهم الفرنسية القديمة. وكان رجلا الكوماندو مسلحان ببنادق امريكية، احداهما ذات ناظور تصويب قنص. نائب المدير رافقهما الى الطابق العلوي الـ 22، واحتلا موقعيهما. وحظر دخول الطابق على نزلاء الفندق.

الجيش التونسي صغير نسبيا وخلافا لدول اخرى في المنطقة لم يحاول ابدا الاستيلاء على السلطة. اما الان فيبدو أن هناك من يتمنى انقلابا عسكريا. سليم جبالي، مهندس في الاربعينيات من عمره قال انه "سيكون جد صعب على الدولة الانتقال الى الديمقراطية. نحن نعتقد ان في هذه الاثناء من الافضل للجيش ان يسيطر على الوضع". ويحظى الجيش بشعبية كبيرة، ويضع المواطنون باقات الورود على الدبابات، والاطفال يتصورون الى جانبهم. وقادة الجيش نشروا في المدينة شائعة بانهم خرقوا امرا من الرئيس المطاح به امرهم فيه باطلاق النار على المتظاهرين.

عندما تمر مروحية عسكرية فوق المتظاهرين فانهم يصفقون. وعندما يبدأ صدام عنيف آخر بين الشرطة والمتظاهرين، الجنود والضباط يبتعدون. فهم ليسوا جزءا من هذا. في الليل يحترم حظر التجول في المدينة ولكن بين الحين والاخر يسمع اطلاق الرصاص. وزارة الدفاع ترفض الشرح ما هو مصدر النار وفي المدينة تدور الشائعات بان مطلقي النار هم من الموالين للنظام القديم. آخرون يؤمنون بان الجيش يطلق النار كي يبرر سيطرته على المدينة.

في السنوات الاخيرة يتعاوةن الجيش التونسي مع الحرب الامريكية ضد القاعدة. الادارة الامريكية تخشى تسلل الاسلام المتطرف الى بلدان المغرب وترى في تونس العلمانية حليفا مخلصا. في اطار هذا الحلف كانوا مستعدين لان يتجاهلوا فساد عائلة الرئيس وقمع المواطنين. اذا تبين في الايام القريبة القادمة بان الجيش استولى على الحكم يحتمل ألا يحصل الالاف الذين اموا الشوارع مطالبين بالديمقراطية الحقيقية مبتغاهم. ولكن كثيرين آخرين في تونس، وفي واشنطن ايضا سيتنفسون الصعداء.