خبر يفضلون أن يكونوا اسرائيليين .. اسرائيل اليوم

الساعة 09:48 ص|21 يناير 2011

بقلم: نداف شرغاي

 (المضمون: تقسيم القدس الذي سيكون سيئا جدا للعرب واليهود على حد سواء، مرفوض من كثير من عرب شرقي المدينة ولكنهم يشترطون وحدتها فقط على اساس المساواة).

        ولدوا في واقع القدس الموحدة، تحت حكم اسرائيل. اغلبيتهم الساحقة لا يتذكرون الحكم الاردني او المدينة المنقسمة وحكم السلطة الفلسطينية يردعهم جدا. فلتتفضلوا بالتعرف الى سكان شرقي القدس. ليسوا ما ظننتم. نحو 260 الف نسمة، يعيشون منذ سنين تحت حكم اسرائيلي، ويصرخون ضد التمييز والجور. ولكن في الاختيار بين الانتقال الى حكم السلطة وبين استمرار العيش تحت حكم اسرائيلي، فانهم يفضلون مواصلة العيش مع الديمقراطية الاسرائيلية، مع مستوى المعيشة العالي والامتيازات التي تنشأ عن مكانتهم كمقيمين اسرائيليين. كل هذه، كما تبين هذا الاسبوع، تفوق القضية الفلسطينية الوطنية.

        ممثلو السلطة تلووا هذا الاسبوع في ضوء نتائج الاستطلاع، الذي اجري في 19 حي عربي في شرقي القدس. النتيجة، بأقل تقدير، لم تكن مريحة بالنسبة لهم: نحو 35 في المائة من سكان شرقي القدس يفضلون العيش تحت سيادة اسرائيلية والاحتفاظ بجنسية اسرائيلية في حالة تقسيم القدس في اطار اتفاق سلام. 30 في المائة سيفضلون ان يكونوا مواطني الدولة الفلسطينية و 30 في المائة آخرون يفضلون الا يجيبوا على السؤال او أنهم لم يقرروا بعد.

        اذا لم يكن هذا بكاف، فان 40 في المائة من سكان شرقي القدس قالوا انه اذا قسمت القدس فسينتقلون للعيش في الجانب الاسرائيلي، كي يبقوا مواطنين اسرائيليين. بالمقابل 29 في المائة فقط سينقلون سكنهم الى الجانب الفلسطيني، اذا تقرر بان مكان سكنهم سيبقى في نطاق اسرائيل.

        من الصعب القول ان نتائج الاستطلاع الذي أجراه معهد الاستطلاعات الامريكية "بيتشر" والمركز الفلسطيني للرأي العام مفاجئة. نتائج مشابهة سبق أن أظهرتها استطلاعات سابقة. الوفد الفلسطيني الى محاثات جنيف مثلا وجد منذ العام 2003 في استطلاع اجراه للرأي العام، ان 48 في المائة من سكان شرقي القدس يؤيدون أن تبقى القدس مدينة مفتوحة تماما، و 9 في المائة فقط يرغبون في تقسيم مطلق. سؤال آخر أظهر ان 35 في المائة يعارضون أي تقسيم. أنا نفسي انشغلت قبل سنتين، في اطار بحث نشره المركز المقدسي للشؤون العامة والسياسية، بالميل الواضح لسكان شرقي القدس لمواصلة العيش تحت حكم اسرائيلي. وقد تعرض في حينه لوابل من الانتقادات من جانب ممثلي السلطة الذي نفوا ذلك ولكن هذه المرة تستقبل الامور بشكل مختلف. بعد سنوات من الضغط المكثف من جانب السلطة وحماس تجاه كل من يتجرأ على الخروج عن الخط الرسمي، يوجد في شرقي القدس من هو مستعد لقول الامور بصراحة، رغم أن الكثيرين لا يزالون يخافون الحديث علنا. حاتم عبد القادر عيد هو ممثل القدس في فتح، وزير شؤون القدس في السلطة سابقا. ومثل شخصيات كثيرة يرتبطون بحبل سري بالسلطة، مع أن عبد القادر عيد يقول لـ "اسرائيل هذا الاسبوع" ان النتائج لا تعكس الواقع وانه حتى لو كان فيها شيء "فانه لا يبرر الاحتلال". ولكن حتى هو يتحدث عن "حساب النفس" الذي ينبغي للسلطة أن تجريه في ضوء هذا المزاج.

        باسم عيد، شقيق الوزير السابق، من سكان مخيم شعفاط ونشيط حقوق الانسان، ذات مرة في "بتسيليم" واليوم في منظمة خاصة به، لا يكتفي بالدعوة الى "حساب النفس".

        يقول عيد ان النتائج غير مفاجئة: "هذا هو الواقع. هذا حقيقي. أنا وكثيرون آخرون في شرقي القدس واعون لما يجري في الضفة وفي غزة. الجمهور وكذا أنا لا نريد أن نعيش تحت حكم ليس فيه للناس حقوق ولا تأمين صحي ولا تأمين وطني ولا مخصص أولاد ولا ضمان دخل ولا بدل بطالة وبدل عجز.

        "الناس، حتى تحت الاحتلال، يبحثون عن مستوى معيشة معين. يوجد فارق بين راتب 8 الاف شيكل في الشهر في شرقي القدس وبين 800 – 1.200 شيكل في السلطة. حتى الجندي في السلطة لا يكسب اكثر من 2.100 شيكل.

        "إذن الناس يقولون لانفسهم: فلتذهب السلطة الى الجحيم. الناس ينظرون الى طبيعة السلطة، طبيعة القيادة. فيرون هناك سكان كثيرين فقراء امام شريحة من الزعماء السياسيين والعسكريين الذين جاءوا من تونس، سيطروا على الاراضي، على الاقتصاد، يعيشون في منازل فاخرة، يسافرون في مرسيدس ولا يهمهم ان يكون الشعب حافيا. صحيح أن الجمهور يشعر بانه جزءا من الشعب الفلسطيني، ولكن كل القضية الوطنية آخذة في الخروج رويدا رويدا من نفسه، سواء في غزة، ام في الضفة وبالتأكيد في شرقي القدس. الوطنية هامة، ولكن مستوى المعيشة اهم".

        يطلبون جنسية اسرائيلية

        ويواصل باسم يقول: "في شرقي القدس الانسان الذي يشعر بسوء يصل الى مستشفى هداسا ويتلقى علاجا طبيا مناسبا دون ثمن. الناس في الضفة لا ينجحون حتى في الحصول على الادوية، فما بالك على الدخول الى المستشفى. أنا اسمع عن أدوية انتهى مفعولها تعرض هناك على الرفوف. اذا استخدمتها فانك تعرض حياتك للخطر، اين السلطة؟ أين الرقابة؟ لا يهمهم هذا على الاطلاق؟".

        ويصف عيد ظاهرة معروفة: اقامة الجدار في القدس ادى الى هجرة نحو 70 الف فلسطيني يحملون بطاقات الهوية بمكانة مقيم، ممن لم يرغبوا في خسارة حقوقهم، الى الجانب الاسرائيلي من الجدار.

        "عندما بدأت اسرائيل تبني الجدار في الشمال، فرغت الرام. 30 في المائة من السكان هناك، ممن يحملون بطاقات الهوية الزرقاء ويسكنون في منازل من ثلاثة طوابق، ذهبوا ليستأجروا عرائش في العيسوية وفي سلوان، وذلك فقط كي لا يخسروا هويات الاقامة ويخسروا الحقوق، وكي يبتعدوا عن السلطة".

        هل انتم اسرائيليون أم فلسطينيون؟

        "الحقيقة هي اننا أقرب اليوم الى عرب اسرائيل، الذين كادوا يفقدون هويتهم. نحن لا نعرف بالضبط لمن ننتمي".

        ما المعنى العملي من هذه المواقف بالنسبة لتسوية مستقبلية في شرقي القدس؟

        "الناس في شرقي القدس لا يبحثون عن حل. هم يبحثون عن مستوى معيشة. 30 الف منهم ساروا بعيدا عن مجرد الاكتفاء بهوية مكانة مقيم. ولديهم جنسية اسرائيلية. اذا ما فتحت الحكومة غدا باب التجنس فاني اقدر بان نحو مائة الف سيتوجهون الى وزارة الداخلية ليطلبوا الجنسية ولكن الحكومة لا تزال تقيد ذلك.

        "سأروي لك قصة رمزية تجسد المزاج في الشارع: في يوم الاستقلال الفلسطيني، في 15 تشرين الثاني الماضين اوقفتني امرأة قرب باب العمود وطلبت أن اترجم لها الى العربية رسالة تلقتها من وزارة الداخلية. نظرت الى الورقة. كان هذا إقرار باستلام طلبها لنيل الجنسية. هذه المرأة، في يوم الاستقلال الفلسطيني، رقصت أمامي بفرح. أتفهم ما يعني هذا؟".

        ماذا سيحصل على الارض اذا ما كان تقسيم؟

        "ستكون هجرة كبيرة الى الجانب الاسرائيلي. لا شك عندي في ذلك. منذ اليوم الالاف ينتقلون الى ابو غوش وعين رافه والى النبي يعقوب وبسغات زئيف. هذا ليس سرا. في شرقي القدس يبحثون عن مجتمع مفتوح، مستوى معيشة، حقوق، ديمقراطية. كل هذا غير موجود في السلطة".

        إذن لماذا يقاطعون انتخابات البلدية؟

        "يوجد خوف من عصابات فتح وحماس. عندما اراد حنا السنيورة التنافس في انتخابات البلدية احرقوا له ولبناته سياراتهم. عندما تنافس عثمان من بيت صفافا لانتخابات البلدية جعلوا له الموت. السلطة الاسرائيلية لم تكن قادرة على حمايتهم".

        إذن ما هو الاستنتاج؟

        "السكان في شرقي القدس يريدون الهدوء. الحكومة قد ترى فيهم عاملا من شأنه أن ينشر الارهاب، ولكنها مخطئة. السكان هنا يعرفون كيف يقدروا حرية الحركة، القدرة على الوصول الى أماكن العمل، حرية التعبير، الحقوق الكثيرة، الامكانيات لنيل الرزق.

        "الانتحاريون القلائل الذين خرجوا من شرقي القدس هم حالات شاذة. ومع ذلك يجب أن نأخذ بالحسبان بان استمرار هدم المنازل في شرقي القدس من شأنه أن يزيد من دوائر الارهاب في شرقي المدينة، والتي هي ضيقة جدا اليوم".

        خالد ابو طعمة، هو الاخر، مراسل الشؤون العربية في "جيروساليم بوسط"، يصف واقعا مشابها. ابو طعمة، في الماضي من سكان وادي الجوز واليوم من سكان بسغات زئيف يقول انه رغم ان وضع عرب القدس ليس مثاليا فانهم يفضلون الحكم الاسرائيلي على الوضع الراهن الحالي.

        "على مدى السنين تعرض وسائل الاعلام طروحات عابثة بشأن عرب شرقي القدس. كتبت انهم يريدون ان يكونوا جزءا من فلسطين. حذرت من انتفاضة اذا ما اغلق بيت الشرق، اذا ما بنيت هار حوما. اذا بنوا في سلوان. ترهات. الجمهور الاسرائيلي قد يعتقد ان شرقي القدس هي مثل مخيم بلاطة للاجئين، ولكن بعد 44 سنة، عقلية العرب هنا أقرب بكثير من عقلية عرب اسرائيل. وهذا يجد تعبيره في اللباس، في الحديث، في الفكر، في العمل، في التجربة، وكذا بالنسبة للمعاملة التي يتلقونها حين يدخلون نطاق الضفة.

        "الشرق مقدسيون، كما يمكن أن يقال، ليسوا شعبيين جدا هناك، وكانت هناك غير قليل من الاحداث نكل فيها بالناس بل وتعرضوا لهم بالضرب".

        "هذا الاستطلاع هو طرف الجبل الجليدي"

        هذا الاسبوع التقيت بخمسة رؤساء لجان ومخاتير في شرقي القدس. كلهم يقولون أمورا مشابهة. هم لا يزالون غير مستعدين لقول ذلك علنا، ولكن لغير الاقتباس يوضحون: "كله إلا السلطة. يفضل اسرائيل".

        لديهم عائلات في نابلس، في رام الله وفي اريحا، وهم يخشون من أنهم اذا قالوا الامور علنا، فسيمس بهم. "الذراع الطويلة الى السلطة تصل الى شرقي القدس. حبذ لو كان بوسعنا أن نقول الامور علنا دون أن نخشى من أن نتخذ صورة العملاء"، يقول احدهم، مقيم معروف في احد الاحياء الجنوبية.

        ومع ذلك هناك المزيد ممن لا يخافون رغم انه سبق الاضرار بهم. زهير حمدان من صور باهر، اطلق في الماضي انتقادا علنيا على السلطة وطالب باجراء استفتاء شعبي في اوساط سكان شرقي القدس قبل تقرير مستقبلهم. ردا على ذلك حاول مجهولون اغتياله واصيب بجراح خطيرة.

        كما أنه اطلقت النار على يونس صادق عويضة مرتين. يونس، اب لـ 12 ابن وبنت وجد لـ 69، يعيش في راس العمود ويقول ان "ديمقراطية كدولة اسرائيل لا توجد في كل العالم". انا مواطن اسرائيلي منذ 30 سنة، وخسارة انني لم اسبق ان كنت كذلك قبل عشر سنوات. لو كان هذا منوطا بي لمولت من جيبي خمسة باصات وانقل فيها كل كبار رجالات السلطة ممن وصلوا من تونس وابعث بهم عائدين الى هناك".

        لماذا؟

        "كل واحد بنى لنفسه قصرا. وهم يرسلون النساء والبناء للتعلم في الاردن على حساب الجمهور، ولكن ماذا عن الشعب الذي يدعون قيادته وتمثيله؟ فهل يحرصون على الاطلاق على مصلحتنا". حتى لو قامت دولة فلسطين، أنا لا اريد أن أكون هناك".

        مزيد من الاشخاص يفكرون مثلك؟

        "هذا الاستطلاع هو طرف الجبل الجليدي. الناس لا يزالون يخافون الحديث. برأيي 85 في المائة سيطلبون مواصلة العيش هنا في حالة التقسيم. أغلبية كبيرة تعارض كل فكرة تقسيم المدينة".

        يونس، الذي عمل في الماضي في الصيانة في مستشفى هداسا جبل المشارف وكان مسؤولا عن المجاري في ساحة المبكى يمثل على ما يبدو شريحة من عشرات الاف العاملين الذين يتمتعون بنيل الرزق في الفنادق، في المستشفيات وفي المؤسسات البلدية والحكومية في القدس. احاديث عابرة مع كثيرين منهم على مدى السنين تظهر مزاجا مشابها.

        ولكن لا غرو في ذلك. فحسب الكتاب الاحصائي السنوي فان 85 في المائة من 265 الف من سكان شرقي القدس ولدوا بعد 67، في قدس موحدة واسرائيلية. في السنوات الاخيرة تعاظم تيار الطلب للجنسية الاسرائيلية من جانب سكان شرقي القدس. واذا كان في الماضي يدور الحديث عن 200 حتى 500 طلب في السنة، ففي كل واحدة من السنتين الاخيرتين رفع نحو الف طلب، نحو ثلثيهم استجيب.

        "أ"، احد الشخصيات العامة في العيسوية المجاورة لجبل المشارف، التقيته هذا الاسبوع في مقهى في غربي المدينة وهو في سنوات الاربعين من عمره ويقول ان كثيرين سيخرجون علنا بمواقفهم بل وسيكافحون في سبيلها، اذا ما اظهرت اسرائيل سخاء أكبر وخلقت مساواة حقيقية. "أ" يعرف تقارير جمعية "بمكوم" وتقارير البلدية التي تدل على فوارق لالاف في المائة في الاستثمار في البنى التحتية بين شرقي المدينة وغربيها في مجالات المجاري، التعليم (نقص الف صف)، الارصفة، الطرق، الحدائق وما شابه.

        كما ان "أ" مستعد لان ينضم الى مبادرة تتدحرج خلف الكواليس (اعتراف: انا اشارك فيها) في محاولة لخلق قاسم مشترك بين يهود وعرب، من اصحاب الاراء والمواقف السياسية المختلفة، ضد التقسيم المادي للمدينة، دون صلة بالحل السياسي.

        وهو يقول: "نحن يمكننا ان نكافح معا ضد تقسيم القدس، والذي سيكون سيئا جدا للعرب واليهود على حد سواء، ولكن فقط على اساس المساواة، وذلك لان القيادة السياسية، عندنا وعندكم، تدحرج صيغا في الغرف المغلقة، ولكنها لا تفهم حقا ما معنى التقسيم، وكيف سيؤثر هذا علينا".