خبر إسرائيل" بعد اندثار «العمل».. نتائج وتوقعات ..عريب الرنتاوي

الساعة 10:40 م|18 يناير 2011

إسرائيل" بعد اندثار «العمل».. نتائج وتوقعات ..عريب الرنتاوي

ينهض الانشقاق الأخير في حزب العمل الإسرائيلي، كشاهد على انهيار آخر "قلاع" ما أسمي حتى الآن، بمعسكر "العمال" أو "اليسار" في الإسرائيلي، وهو انهيار يتوّج سلسلة من الانهيارات المتلاحقة، وصلت بالحزب المؤسس للدولة العبرية، والفائز الأول في كل انتخاباتها، منذ التأسيس وحتى الانقلاب اليميني في 1977، إلى مستوى الحزب الثالث، المهدد باستمرار بأن يحلّ رابعاً وخامساً.. كما يأتي انشقاق العمل الذي قاده رئيس الحزب شخصياً، بعد سنوات قلائل من "اندثار" حركة ميريتس "اليسارية"، التي عُدت ركناً ركيناً لما أسمي بـ"معسكر السلام الإسرائيلي"، ولسنوات طوال.

 

اندثار ميريتس وانهيار العمل، هما الوجه الآخر، لصعود الليكود وانشقاقه إلى حزبين يمينيين رئيسين (بالإضافة إلى كاديما)، كل واحد منهما بحجم الليكود في سنواته الأخيرة، وهو الوجه الآخر أيضاً لتنامي دور أحزاب يمينية، علمانية ودينية، لعل أبرزها على الإطلاق حزب إسرائيل بيتنا بزعامة ليبرمان وحركة شاس وغيرهما.

 

ما نشهده من حراك سياسي - حزبي خلال السنوات الأخيرة، يشير إلى تفاقم ظاهرة "الانزياح نحو اليمين"، التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي، وهي ظاهرة تسير في اتجاه واحد، ولا تعرف التناوب كما في كثير من الدول والمجتمعات التي تختبر كل أربع أو خمس سنوات، تداولاً على السلطة، عبر انتخابات منتظمة وصناديق اقتراع تعكس إرادة الرأي العام.

 

والحقيقة أن "الانحراف يميناً" على المستوى السياسي، هو النتيجة المنطقية لسلسلة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي، الذي استقبل خلال السنوات العشرين الفائتة، أكثر من مليون ونصف المليون من المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي المنحل، وغيره من "يهود إفريقيا والعالم الثالث" هؤلاء وفّروا لأفيغدور ليبرمان، قاعدة "تصويتية" صلبة وراسخة، ومنحوا حزبه مكانة لم يكن يحلم بها، على الخريطة السياسية والحزبية الإسرائيلية.

 

ثم، إن نجاح "إسرائيل" في الحفاظ على زخم توسعها الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس، قد مكّن "لوبي الاستيطان والمستوطنين" فيها من لعب دور متزايد في الحياة السياسية والاجتماعية الإسرائيلية، هذا اللوبي الذي قد لا تزيد "كتلته التصويتية" في أحسن الأحوال عن 10 بالمائة من "الكتلة العامة"، إلا أنه بحكم "صوته المرتفع" ووجوده على خطوط التماس في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يحتل موقعاً في قلب الخريطة الحزبية والسياسية الإسرائيلية، يفوق بكثير وزنه الحقيقي، حتى إنه بات "رقماً صعباً" ليس بمقدور أي حزب أو ائتلاف في "إسرائيل"، أن يتجاوزه أو أن يقفز عليه، لا الآن، ولا في المستقبل.

 

إيهود باراك غادر حزبه، حزب العمل، ومعه أربعة نواب في الكنيست، مشكلاً كتلة برلمانية جديدة تحمل اسم "كتلة الاستقلال"، تاركاً للحزب الأم، ثمانية مقاعد في الكنيست فحسب، والغريب في الأمر، أن انشقاق باراك عن حزبه، الخصم التاريخي لليكود، تم بالتنسيق مع بينيامين نتنياهو، الذي طالما حمّل وزراء حزب العمل المسؤولية عن "صلابة" الموقف الفلسطيني و"تشدده"، باعتبار أن السلطة الفلسطينية تستقوي بهذه المواقف، وتبدي تصلباً أكبر بانتظار أن يتراجع نتنياهو تحت ضغط انهيار الائتلاف الحاكم.

 

باراك جاء ليضع نفسه ورفاقه الأربعة، في جيب نتنياهو، بين يديه وعلى مائدته، فهم لم يعودوا محسوبين على معسكر اليسار، هم باتوا جزءاً من "التيار الصهيوني المركزي"، الذي يضم بالتصنيفات الإسرائيلية، كل من الليكود وكاديما.

 

ليس المهم أين يتموضع باراك أو حزبه القديم (العمل) أو الجديد (الاستقلال)، المهم أن يبقى وزير الدفاع في الحكم وفي قلب بؤرة الضوء ودائرته، المهم أن يتوحد التيار المركزي في مواجهة "تعنت" عباس وتصلبه، أنظروا بالله عليكم؟.

 

خلاصة ما ذهبنا إليه، هو أن "إسرائيل" التي لم تستطع أن "تنتج" شريكاً للسلام مع الفلسطينيين طوال السنوات العشرين الفائتة، منذ مدريد، لن تكون قادرة على فعل أمرْ كهذا طوال العشرين سنة القادمة، والذين يقبعون في مكاتبهم في رام الله وعواصم الاعتدال العربي، بانتظار أن تأتي على حكم "إسرائيل"، حكومة تجنح للسلم، وائتلاف يقرأ المبادرة العربية باللغة العبرية، عليهم أن يدركوا أن ما حصلوا عليه، هو أقصى ما بمقدروهم تحصيله بوسائلهم وأسلحتهم المثلومة التي استخدموها طوال العقدين المنصرمين، وأنه يتعين عليهم البحث عن أسلحة أخرى وأدوات أخرى وأوراق أخرى، إن هم أرادوا "حلاً" يعيد لهم بعض حقوقهم المغتصبة، وهذا أمر أكدته نتائج الانتخابات المتعاقبة في "إسرائيل" بصورة لا تدع مجالاً للشك، وهذا أمر يبرهن عليه إيهود باراك مجدداً بعد أن قرر إلحاق حزب العمل بخانة الطمس والنسيان التي طوت حركة ميريتس من قبله، فهل من يريد أن يقرأ الخريطة الإسرائيلية جيداً، هل ثمة من يسعى لتعلم الدرس الإسرائيلي، أم أن الدرس التونسي، هو أكثر ما يشغل، أكثر العواصم العربية؟.

 

صحيفة الدستور الأردنية