خبر صحفيو غزة: نجحنا في فضح جيش الاحتلال ونيران حربه لم ترهبنا

الساعة 05:02 م|17 يناير 2011

ضربوا أروع صور التحدي

صحفيو غزة: نجحنا في فضح جيش الاحتلال ونيران حربه لم ترهبنا

فلسطين اليوم: خاص

في مثل هذا اليوم من العام قبل الماضي انتهت الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة بعد 23 يوماً على التوالي، كان فيها الصحفيين بكافة أطيافهم جنوداً يكشون الحقيقة ويلاحقون الاحتلال باقلامهم وعدسات كاميراتهم حيث ضربوا أروع أمثال التضحية والفداء من أجل مهنتهم ووطنهم، فكشفوا وفضحوا جرائم العدو الصهيوني المتواصلة ضد شعبهم.. وتركوا الأهل والأبناء على مدار أيام الحرب لينقلوا حقيقة ما يجري للعالم عبر شاشات التلفزيون والصحف والراديوها والمجلات المحلية والدولية.

ونجح الصحفي الفلسطيني خلال الحرب في مواجهة آلة الدعاية الصهيونية وكشف زيفها بصموده وإصراره وإرادته وتحديه لآلة الحرب التي استهدفت كل ما هو متحرك على مدار أيام الحرب.. وهو ما أكده مجموعة من الصحفيين خلال أحاديث منفصلة أجراها مراسل فلسطين اليوم الإخبارية.

نجحنا في كشف الجرائم للعالم رغم استهدافنا

الصحفي عادل الزعنون مراسل وكالة الأنباء الفرنسية قال هناك ملاحظتين لابد من الإشارة إليهما عند الحديث عن تجربتي في الحرب وهما الملاحظة الأولى ما ينطبق عليا كصحفي والثانية ما ينطبق عليا كإنسان.

كصحفي

فإسرائيل حرصت على أن تحرم الصحفيين من العمل في الميدان كي لا ينقلوا الحقيقية لأنها تعني الكثير لإسرائيل، وسيكشف وجهها الحقيقي أمام العالم من الجرائم التي ترتكبها بحق الكل الفلسطيني، لذا كان إطلاق النار الإسرائيلي من كل مكان ويستهدف كل شيء يتحرك.. بمن فيهم الصحفي الذي كان يحمل علامات بارزة كالخوذة والدرع والدليل استشهاد عدد من الصحفيين وإصابة البعض واستهداف مكتب أبو ظبي ، ومجموعة من الصحفيين أعلى برج الجوهرة.

ووصف الزعنون العمل بأنه غاية في الصعوبة .. وقال "كنا في الحرب محاطين بخطر الموت في البيت والمكتب والميدان ورغم كل هذه الخطورة في الميدان من الحرب كنا دائما نجد لأنفسنا ثغرات لنكون في الميدان، وأشار إلى أن الكثير من الأحداث كنا نصل إليها متأخرين بفعل القصف المستمر كما حدث مع عائلة السموني شرق مدينة غزة، وبعضها لم نستطع الوصول إليها الا بعد انتهاء الحرب بسبب السيطرة الإسرائيلية الكاملة كما هو الحال في منطقة العطاطرة شمال بيت القطاع.

وعن الملاحظة الثانية وهي ما ينطبق على الصحفي كإنسان، قال الزعنون:" كإنسان كانت أكثر قسوة أمام واجبك المهني وتتعرض للموت من أجلها في نفس الوقت أسرتك كيف يمكن الحفاظ عليها والتواصل معها .. وكيف توفر قوات يومهم من الخبز والمياه والكهرباء حيث كانت الحاجات الأساسية في نقص شديد أثناء الحرب.

وتساءل كيف لك أن تعمل في الميدان وان توفر ذلك الحاجات الاساسية لأسرتك.. وكيف يمكن أن تواجه الخوف والرعب المفروض عليك كصحفي وكإنسان كيف يمكن أن تزيل أو تخفف الرعب والخوف وكل ما له علاقة بالحرب على أسرتك.. وأكد أنه على الرغم من هذه التحديات الكبيرة استطعنا كصحفيين التغلب عليها ونواكب عملنا دون كلل أو ملل.

واستذكر الزعنون مشهد قصف منزل أهله في حي تل الهوى أثناء تواجده في المكتب يغطي الأحداث أولاً بأول.. وقال صعب أن تكون إنسان وصحفي بالذات في غزة في حرب لا ترحم مشاعر صعبة لا يمكن أن توصف. وأضاف أن المشاعر امتزجت ولم استطع الوصول إليهم وبقيت في حالة توتر حتى اطمأنيت على جميع أهلي وأسرتي.

وأضاف بالحد المقبول استطعنا أن نحافظ على مشاعرنا والتواصل مع الأهل ونغطي بطريقة مقبولة. والحمد لله نجحنا في التغطية خلال الحرب رغم كل ما واجهنا.

وفي السياق ذاته أكد الصحفي الزعنون أننا كصحفيين خرجنا من الحرب بحاجة إلى دعم كبير على المستويين المعنوي والنفسي، والبعض من الصحفيين بحاجة إلى إعادة تأهيل من جديد على المستويين.

وأوضح مراسل وكالة الأنباء الفرنسية أن الصحفي الفلسطيني المحلي بحاجة إلى تطوير قدراته وكيف يحمي نفسه أثناء الحرب، مشيراً إلى أن مركز الدوحة لحرية الإعلام - فرع غزة الذي يرأسه سيعمل على عقد ورشات عمل ودورات تدريبية في الداخل والخارج من أجل تحقيق هذا الهدف. والاستعانة بخبراء محليين ودوليين في هذا الجانب.

واعتبر أن صقل الصحفي المحلي رسالة سامية يجب أن يساهم بها الجميع وعلى رأسها نقابة الصحفيين وكل المؤسسات في الضفة والقطاع ويجب أن نكون مدعومين من الكل اتحاد  الصحفيين العرب والاتحاد الدولي للصحفيين كل هؤلاء يجب أن تتوافر جهودهم لتطوير الصحفي الفلسطيني المحلي من الأخطار خلال الحرب.

الرجل والمرأة جنباً إلى جنب في العمل خلال الحرب

ووافقت لنا شاهين مراسلة قناة النيل المصرية للأخبار الزعنون الرأي وطالبت بعقد العديد من الدورات للصحفيين خصوصاً في مجال التعامل وقت الحرب ودورات إسعافات أولية، وتعريف الصحفي بنوع القصف، حتى لا يكون حقلاً للتجارب. وشددت على ضرورة تأهيل الصحفي بشكل مهني للتعامل مع الحروب حتى كيفية الاحتماء والمعالجة الأولية. كما شددت على ضرورة أن تلعب نقابة الصحفيين دوراً في هذا المجال بالإضافة للمؤسسات الدولية. وقالت سئمنا دورات التنظير على حقوق الإنسان والجندر والحكم الرشيد، مطالبة بدورات مفيدة ومهمة.

وعن كيفية ممارسة الزميلة الصحافية لنا شاهين عملها وقت الحرب، قالت:" بداية لا يوجد فرق بين الرجل والمرأة على صعيد العمل، فكنتُ متواجدة في الميدان رغم صعوبة الحركة والتنقلات نتيجة ظروف الحرب.

وأوضحت أنها لم تستطع أن تنام خارج البيت نظراً لعدم توفر مكان يناسبها كامرأة في شركة الإنتاج التي تعمل بها وأكدت لو توفر المكان لما ترددت في المبيت خارج البيت، وأشارت إلى وجود نحو عشرين شاب في الشركة هي المرأة الوحيدة بينهم، حيث كانت تخاطر على حياتها أثناء عودتها لبيتها في ساعات الليل. وأضافت أنها لم تتأخر يوماً عن العمل باستثناء اليوم الذي سيطرت فيه الدبابات الاسرائيلية على حي تل الهوى الذي تسكن فيه ولم تستطع الخروج من بيتها وواصلت عملها عبر الرسائل الصوتية عبر الهاتف من منزلها، فيما باقي الايام كانت تخرج صباحاً وتعود في ساعات الليل من أجل تغطية الأحداث أولاً بأول.

وأشارت إلى أن بعض الزميلات في مؤسسات أخرى كانوا ينامن خارج البيت لتوفر المكان المناسب بهن.

وقالت كل يوم كنت اخرج من البيت أودع أبنائي بالنظرات فربما لا أعود إلى البيت مرة أخرى، وأضافت كنا كصحفيين واضعين أرواحنا على أكفنا". ولكنها مهنة الموت في غزة ورسالتنا وواجبنا الوطني كان في تلك الأيام يتطلب منا أن نكون في الميدان.

وعن الصعوبات التي اعترضتها أثناء عملها أوضحت الزميلة شاهين أن الوصول للمعلومة كان ليس بالأمر السهل والهين بسبب سوء الاتصالات وانقطاع الكهرباء، بالإضافة إلى كثرة الصعود على سلم البرج في الطابق السادس من برج الجوهرة الذي تعرض للقصف الإسرائيلي بسبب توقف المصعد عن العمل، وهو ما سبب إرهاق جسدي إضافة للإرهاق النفسي الذي لازم الجميع على مدار أيام الحرب.

واستذكرت شاهين القصف الإسرائيلي الذي استهدف سقف برج الجوهرة حيث كانت مع مجموعة من الصحفيين أعلى البرج يقومون بعملهم الصحفي، وقالت :" كنت قد انتهيت من إعداد خاتمة تقرير صحفي وما أن لفت ظهري باتجاه السلم للنزول للطابق السادس واذا بالقصف الإسرائيلي من حولنا، حينها نزلنا مسرعين على السلم ومن شدة الارتباك تدحرجت على السلم وأصابني الألم في قدمي إلى يومنا هذا.

وأشارت إلى أنها تبكي كلما تذكرت العديد من المشاهد التي تقشعر لها الأبدان من القصف الإسرائيلي بقذائف الفسفور الأبيض، ومشهد الطفلة التي نهشتها الكلاب الضالة في بيت لاهيا ودماء الشهداء والجرحى في المستشفيات.

لم أر أسرتي على مدار 23 يوماً

هذا وانقلبت حياة الزميل الصحفي وائل الدحدوح مدير مكتب قناة الجزيرة القطرية في قطاع غزة رأساً على عقب منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب، فخرج من بيته ولم يعد له إلا بعد انتهاء الحرب، حتى أن نداء أسرته له بمساعدتهم في إخلاء المنزل لم يستطع أن يلبيها نظراً لخطورة الموقف وضغط العمل.

وقال الدحدوح بالإجمال لا توفيق بين العمل والأسرة وقت الحرب ولم استطع أن أرى أسرتي على مدار 23 يوما من الحرب، حيث كانت 23 يوما عبارة عن يوم عمل واحد – كان على الهواء مباشرة – تحريك الطواقم توفر المستلزمات والدعم اللوجستي فضلاً عن مخاطر الذهاب إلى البيت.

وأشار إلى أن بيته  تم قصفه وتدميره من قبل الطائرات الإسرائيلية والذي يقع في منطقة تل الهوى التي احتلت بالكامل وأسرته توزعت على عدة مناطق.

وأوضح أن طبيعة العمل التلفزيوني تختلف عن أي وسيلة إعلامية أخرى بالإضافة إلى قناة بحجم الجزيرة التي تعتبر الأولى في التغطية كانت عوامل ضغط للعطاء والاستمرار في العمل، وبحاجة إلى جهد مضاعف وفق هذه المرتبة، مقارنة بفضائية أخرى.

وأوضح الدحدوح أن ظروف العمل كانت غاية في التعقيد وقرار النزول للميدان ليس سهلاً لأن المنطقة التي تتحرك فيها هي مدينة غزة المستهدفة في الحرب بشكل أساسي، ولكي تصل لأي مكان لابد وأن تمر عبر سلسلة من الغارات سواء أكانت مناطق استهدفت أو تستهدف أثناء الذهاب لمكان التغطية، لافتاً إلى أن قرار العمل هو القرار رغم هذه الصعوبات.

وأشار إلى أنه عندما تم استهداف المجلس التشريعي صممنا أن ننقل الحدث مباشرة من المكان وبالفعل نقلنا الرسائل مباشرة من المجلس التشريعي وهو مُهدم والطيران في الأجواء يحلق على أجواء منخفضة. والعديد من المواقف المماثلة.

وعن دور الصحفيين الفلسطينيين في العمل أثناء الحرب .. قال الدحدوح صراحة كان عمل الصحفيين مذهل والصحفيين أنفسهم ربما تفاجئوا من إمكانياتهم وقدراتهم في كل هذه الفترة 23 يوم وفي ظروف غاية في القسوة والصعوبة والتعقيدات ومع ذلك تمكنوا من العمل.حيث "إسرائيل" ذُهلت منهم ولم تتوقع أن يكونا على هذا المستوى.

ومن المواقف الانسانية التي تعرض لها الدحدوح استذكر عندما اتصوا به أهله ليساعدهم إخلاء المنزل، علماً أن والده لا يترك على كرسي متحرك والقذائف تأتي على البيت، وعجزت عن مساعدتهم ووقفت عاجزاً حيث لم استطع أن أصل البيت وأولادي موجودين كلهم وكنت عاجزاً عن تلبية ندائهم.

وأشار إلى أن الظروف كانت صعبة للغاية حيث كانت براكين داخله كان يخفيها عن الآخرين وواكب عمله، وهو أمر لا يستطيع الكل القيام به، وهذا ناتج عن الفروق الفردية من صحفي لآخر ومن شخص لآخر، مشيراً إلى أن بعض الصحفيين لم يستطيعوا تحمل ذلك.

واختتم حديثه بأنه رغم كل المشاهد الفظيعة التي شاهدها على مدار أيام الحرب لم تذرف دمعة منه، لكنه انهار بعد أن انتهت الحرب أمام الطفلة ألماظة السموني التي استشهد نحو 30 شخصاً من عائلتها ودمرت منازلهم بالكامل، والتي كانت تتحدث وكأن عمرها 100 عام خاضت خلالها عدة حروب، وكانت كلماتها القوية البريئة العفوية لها الأثر الأكبر التي جعلتني أبكي.