خبر الكلمة الطيبة تنشر روح المحبة والمودة

الساعة 09:02 ص|16 يناير 2011

 بقلم/ أحمد عبد المجيد

قال الحسن بن علي بن ابي طالب رضي الله عنه: اللسان أمير البدن، فإذا جنى على الأعضاء شيئا جنت، وإذا عف عفت. وكان الربيع بن خثيم إذا أصبح أعد قلما ودواة وقرطاسا، فكل ما يتكلم به يكتبه، ثم يحاسب نفسه عند المساء. وقال عمر: (من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به)... فنحن نزرع بأقوالنا وأعمالنا الحسنات أو السيئات، وكلنا سيحصد ما زرع يوم القيامة، فمن زرع منا خيراً حصد كرامة (وليحمد الله)، ومن زرع منا شراً حصد ندامة (ولا يلومن إلا نفسه). وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يظن أن تبلغ ما بلغت يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب).

 

الطيب من القول

قال ابن عباس: قوله عز وجل: (وهدوا إلى الطيب من القول): هو شهادة أن لا إله إلا الله. وقال ابن زيد: لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله. وقال السدي: أي القرآن.

 

وقيل: هو قول أهل الجنة: (الحمد لله الذي صدقنا وعده) (الزمر: 74)، و(هدوا إلى صراط الحميد): إلى دين الله؛ وهو الإسلام. و(الحميد) هو الله المحمود في أفعاله. قوله عز وجل: (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله) عطف المستقبل على الماضي، لأن المراد من لفظ المستقبل الماضي، كما قال تعالى في موضع آخر: (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) (النساء 167)، معناه إن الذين كفروا فيما تقدم ويصدون عن سبيل الله في الحال أي وهم يصدون. (والمسجد الحرام) أي ويصدون عن المسجد الحرام. (الذي جعلناه للناس) قبلة لصلاتهم ومنسكا ومتعبدا، كما قال: (وضع للناس) (آل عمران 96). (سواء) قرأ حفص عن عاصم ويعقوب: «سواء» نصبا بإيقاع الجعل عليه، لأن الجعل يتعدى إلى مفعولين، وقيل معناه مستويا فيه، (العاكف فيه والباد). وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء، وما بعده خبر، وتمام الكلام عند قوله: «للناس»، وأراد بالعاكف المقيم فيه، وبالبادي الطارئ المنتاب إليه من غيره.

 

توطيد العلاقات البشرية

إن ديننا الحنيف يعتبر الكلمة الطيبة ركيزة مهمة، ولبنة من لبنات توطيد العلاقات البشرية ونشر روح الحب والمودة والإخاء بين الناس على اختلاف مشاربهم وألسنتهم، لا فرق بين أعجمي ولا عربي ولا أسود ولا أبيض إلا بالتقوى التي تعد الكلمة الطيبة شعبة من شعابها، وبندا مهما في قانونها، إذ بفضلها يصبح الناس كالبنيان المرصوص يكمل بعضه البعض، وفي سيرته صلى الله عليه وسلم مع زوجاته الكرام أمهات المسلمين اكبر مدرسة لتعليم الأزواج سر ديمومة المودة والحب المتبادل، إذ كان يتغزل بهن بصورة راقية ملموسة تعبر عن أسمى معاني العشق والهيام،

 

فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تشرب من القدح، وتناوله إياه فيشرب من نفس الموضع الذي شربت منه رضي الله عنها، ويقول لها قولا ملؤه الحب والحنان.. بالكلمة الحلوة الدافئة التي تؤجج مشاعر الحب والمودة، وتغذي الروح والوجدان، وتقي القلب من الصدأ، حيث إن الكلمة الطيبة بين الأزواج لها مفعول جيد لدوام السعادة وتحقيق الاستقرار النفسي، وهي بحق أنجع مصل ضد داء الفتور والنفور الذي أصبح مرضا عضالا يفتك بالعديد من الأسر في صمت رهيب، نتيجة إهمالهم التحاقن بحقنة الكلام الطيب الذي يعد من أحسن الأدوية التي اخترعت من طرف أطباء النفوس لحد اليوم.

 

ولو اتبعنا نهج رسولنا الكريم في كيفية مخاطبته للأطفال، لربحنا كنزا عظيما، ولصرنا أمة يحتذى بها، بدل أن تشرئب أعنقانا إلى البحث عن طرق النجاح في التربية في آلاف الكتب الموضوعة من البشر، ناسين أو متناسين بأن لنا دستورا عظيما وهبه لنا رب البشر، ألا وهو كتاب الله الذي إذا أنزل على جبل لتصدع وتفتت من خشيته الحجر. يقول صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت». صدقت يا خير من تكلم وخير من تعلم وعلم، وما هذا الحث على الكلمة الطيبة إلا لدورها الفعال في إسعاد الفرد والمجتمع لما لها من مفعول على نفسية الإنسان، وما يترتب عن ذلك من دفء المشاعر، وحنان القلوب، وقضاء على الكروب، وسمو عن الذنوب.. فإذا صفت النفوس تعالت عن الحقد والمكر والضغينة، وإذا فزت بحب الناس فقد أوتيت خير الدنيا والآخرة، ومتى أحبك الناس وشهدوا لك بذلك جازت شهادتهم عند المليك المقتدر، ومتى تحققت هذه الأمور تآخى الناس بينهم، وساد السلم والسلام والطمأنينة.

 

الناس ثلاثة

وورد في مأثور الحكم: (الناس ثلاثة: غانم، وسالم، وشاحب، فالغانم: الذي يذكر الله، والسالم: الساكت، والشاحب: الذي يخوض في الباطل).

 

وقال (صلى الله عليه وسلم): «إن لسان المؤمن وراء قلبه، فإذا أراد أن يتكلم بشيء تدبره بقلبه، ثم أمضاه بلسانه. وإن لسان المنافق أمام قلبه، فإذا هم بشىء أمضاه بلسانه ولم يتدبره بقلبه». وقال (صلى الله عليه وسلم): «أمسك لسانك، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك»... ثم قال: «ولا يعرف عبد حقيقة الإيمان حتى يخزن من لسانه».

 

وقال لرجل أتاه: «ألا أدلك على أمر يدخلك الله به الجنة؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: أنل مما أنالك الله! قال: فإن كنت أحوج ممن أنيله؟ قال: فانصر المظلوم. قال: فإن كنت أضعف ممن أنصره، قال: فاصنع للأخرق ـ يعني أشر عليه ـ. قال: فإن كنت أخرق ممن أصنع له؟. قال: فاصمت لسانك إلا من خير، أما يسرك أن تكون فيك خصلة من هذه الخصال تجرك إلى الجنة؟». وقال (صلى الله عليه وسلم): «نجاة المؤمن حفظ لسانه». وجاء رجل إليه (صلى الله عليه وسلم) فقال: «يا رسول الله أوصني! قال: احفظ لسانك. قال: يا رسول الله أوصني! قال احفظ لسانك. قال: يا رسول الله أوصني! قال: احفظ لسانك. ويحك وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟».

-عن صحيفة البيان الإماراتية