خبر رحيل شاعر الثورة الفلسطينية الحسيني

الساعة 07:10 م|14 يناير 2011

رحيل شاعر الثورة الفلسطينية الحسيني

 

فلسطين اليوم- الجزيرة نت

 

حين كتب شاعر الثورة الفلسطينية صلاح الدين الحسيني "أبو الصادق" قصيدته الأكثر شهرة "طل سلاحي من جراحي"، اختار لسامعيها خاتمة مغناة تكتب تاريخ القضية وربما وصفا لحياته حتى وفاته، حين قال" دربي مر، دربك مر ادعس فوق جراحي ومر".

 

ومساء الثلاثاء، وضعت المرارة التي رسمت تاريخ الشاعر الفلسطيني صلاح الحسيني أوزارها، من النضال المفعم برحيل الأصدقاء ورفقة السلاح، إلى مرحلة أكثر شقاءً في غربة عنوانها المرض والفقر والتغني لأوطان صعبة المنال.

 

وتوفي أبو الصادق عن عمر 76 عاما بعد إصابته بالتهاب رئوي حاد في أحد مستشفيات القاهرة التي اتخذها سكنا إثر خروجه مع قوات الثورة الفلسطينية من لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982.

 

والتحق الشاعر الذي ولد في غزة عام 1935 بصفوف الثورة الفلسطينية وحركة فتح عام 1967 واشتهر بكتابة أول نشيد للثورة الذي أصبح يعرف بنشيد العاصفة وفيه ردد "باسم الله باسم الفتح باسم الثورة الشعبية، باسم الدم باسم الجرح إللي بينزف حرية، باسمك باسمك يا فلسطين أعلناها للملايين عاصفة.. عاصفة.. عاصفة".

 

وشغل أبو الصادق مهمة الناطق العسكري لجميع فصائل الثورة الفلسطينية عام 1971، وأنشأ مؤسسة المسرح والفنون الشعبية الفلسطينية ببيروت عام 1975، وفيها أيضا نجح في تشكيل فرقة فنية من أبناء الشهداء.

 

وكان له الفضل في تأسيس أول مسرح للطفل الفلسطيني بالعاصمة المصرية القاهرة، وذلك بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، وقدم خلالها عدة أعمال مسرحية أشهرها مسرحيتا "حارس النبع" و"طاق طاق طاقية".

 

الأصلب الأحن

وأبدى نجله الأكبر صادق سعادته لدعوته في المشاركة  بإحياء ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية مطلع العام، غير أن الأزمة الصحية التي ألمت به فجأة مؤخرا، حالت دون ذلك.

 

وينقل الابن أمنية والده الأخيرة التي ظل يعمل لأجلها حتى ساعاته الأخيرة، بأن يتم تجميع قصائده وأغانيه القديمة والجديدة بشكل لائق في مطبوعة واحدة كي تطلع عليها الأجيال الجديدة، لأنه وحسبما كان يقول "لا تكفي ذاكرة الكبار، على الصغار أن يتعلموا شعر وأغاني الثورة أيضا".

 

ويذكر صادق عن والده، شعوره الدائم بأنه الفلسطيني المسافر بلا حد "كان على تواصل دائم مع الوطن حيث معظم أصدقائه، ولم ينقطع إطلاقا حتى يومه الأخير".

 

وقد خانته الذاكرة لإحصاء عدد القصائد التي كتبها والده الأشهر في تاريخ الأغنية الفلسطينية الثورية، بسبب عدم تدوين بعضها وتشتت البعض الآخر في تسجيلات غير محفوظة لدى العائلة.

 

ويصف صادق والده "كان أحن رجل في العالم وأصلبهم في نفس الوقت، صاحب التناقض الصعب". ويضيف "عندما يكتب أبو الصادق عن الثورة والمقاومة يؤجج الدنيا بشحنات من الشموخ والقوة والصلابة، في نفس الوقت يدس بين قصائده بجملة أو جملتين عن حنين وعاطفة جارفة للوطن".

 

ويشير بحزن إلى وضع والده الذي مضى في حياة متقشفة وبراتب ضئيل من مخصصات منظمة التحرير "رغم أنه كان يستحق وضعا أكثر كرامة من الذي عاشه".

 

لكن الابن أيضا لا ينسى زهد أبيه منذ انخراطه في صفوف الثورة وحتى موته، وانحسار متعته واهتمامه عن الماديات إلى كتابة القصائد "للثورة والثورة فقط".

 

وفي حديث عن القصائد، يقول الصادق إن كل ما كتب الشاعر صلاح الحسيني كان قريبا منه حد الالتصاق، يقرأه ويعيد قراءته يوميا "لكن أنا شخصيا اعتبر قصيدة "الغريب ونهر الخل" الأقرب لي ولقلبي وهي أكثر ما يذكرني بأبي" وصدرت ضمن ديوان الشاعر الأول "ثوريات" وحملت طابعا مختلفا ومكثفا عن حياة وفكر أبي الصادق ورسالته "وهي ملحمة وطنية وقصيدة حب في نفس الوقت".

 

وهي القصيدة التي ظل أبو الصادق يبشر فيها بجيل النصر، حين قال "أنا بقطف عنب حزني في ليل الشوق بهدي للغريب لاسمر عناقيده وأبوس الثورة في إيــده, وأقول الكلمة للي يقـدر الكلمة, وأقول للي رفع فوق جرحه رايتنا, نزف شريانه واتمزع , وعلى صدر الوطن لسه هناك يزرع، نشيد النصر".

 

رافقت المقاتلين

 

ويروي الأمين العام لاتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين مراد السوداني تفاصيل قليلة عن زيارته الأخيرة لأبي الصادق بالقاهرة، حيث سجل مراد في مدونة جيبه كيف ينشغل شاعر الثورة الفلسطينية في أيامه الأخيرة بتفكير طويل عن حاله وحال شعبه "ماذا جرى وأين وصل".

 

يقول السوداني إن الفلسطينيين عموما والمشهد الثقافي الفلسطيني والعربي عموما، خسروا سادن الأغنية الثورية المقاتلة الذي استطاع أن يقترح ويجترح الكلمات التي رافقت المقاتلين في فترة المد الثوري منذ عام 1969 وحتى وفاته.

 

ورغم همه وفقره، يذكر السوداني أن الشاعر الراحل "ظل حتى أيامه الأخيرة منكبا على الكتابة ومشغولا ومهجوسا بوطنه وأجياله الجديدة".

 

كما أن "المؤلم في رحيل وخسارة أبو الصادق" وفق السوداني خسارة غياب الكلمة الثورية في ظل "انحياز بعض المثقفين إلى غير المقولة الثقافية الملتزمة أو النزوح نحو مناطق لا تعني هذا التراث الحر".

 

ورغم وفاته وعدم اكتمال مشروع الاتحاد العام للكتاب والأدباء بتجميع أعماله، فإن السوداني أكد أن 29 من قصائد الشاعر الراحل تم تلحينها أو إعادة تسجيلها لتغنيها فرقة العاشقين الفلسطينية التي كان له الدور الكبير في كتابة جزء كبير من أناشيدها الوطنية.

 

ولم ينسَ السوداني الذي انتهى من جولة قريبة ضمت عددا كبيرا من شعراء وأدباء الثورة الفلسطينية من الشتات وبينهم أبو الصادق، ذلك "الوضع المزري" الذي عاشه الشاعر الراحل ويعيشه الكثير من شعراء الثورة الذين ما زالوا على "قيد الحياة والألم في الشتات".

 

ويضيف "لو كانت هناك مؤسسة ثقافية فلسطينية لديها الإمكانيات لما احتاج أبو الصادق للخجل من دعوتنا إلى بيته المزري في حواري القاهرة" ورغم ذلك" لم ينتظر هذا الرجل مكافأة في حين غني الكثيرون من قليلي الفعل على حساب الثورة وعلى حساب الشعب الفلسطيني".