خبر إرث صدام.. هآرتس

الساعة 10:30 ص|14 يناير 2011

بقلم: الوف بن

(المضمون: مع كل تأثيرها على الوعي، فان حروب الجبهة الداخلية وتطور التهديدات لن تحسم الخلاف التاريخي بين اليسار واليمين. فقد بقي هذا على حاله، بالضبط مثلما اراد شمير الاحتفاظ بالمناطق ورابين الانسحاب منها مقابل السلام - المصدر).

أحدثت حرب الخليج انعطافة في مفهوم الامن الاسرائيلي. لاول مرة منذ 1948 جرت المواجهة في الجبهة الداخلية وليس في الجبهة. صواريخ سكاد العراقية التي اطلقت نحو غوش دان وحيفا تجاوزت الاستحكامات، فرق المدرعات واسراب سلاح الجو وضربت التجمعات السكانية المدنية. شخص واحد فقط قتل، والضرر الذي لحق بالاملاك لم يكن كبيرا، ولكن الدولة شلت في ستة أسابيع من الحرب. عشرات الالاف فروا من منازلهم في مناطق الخطر، ورفضت شركات الطيران الاجنبية الهبوط في اسرائيل، والسكان الذين بقوا في بيوتهم وأماكن عملهم وتحصنوا في الغرف المأطومة شعروا بان الجيش الاسرائيلي لا يمكنه أن يدافع عنهم.

لقد نجح صدام حسين في اخافة الاسرائيليين، وأثار نجاحه سلسلة من المحاكاة. فقد نقل الفلسطينيون الانتفاضة من المناطق الى داخل اسرائيل، بداية بطعن السكاكين وبعد ذلك بالعمليات الانتحارية. سوريا، ايران، حزب الله وحماس تزودوا بمنظومات واسعة من المقذوفات الصاروخية والصواريخ التي تهدد "دولة تل أبيب"، حيث يتركز معظم السكان ويكاد يكون كل النشاط الاقتصادي.

الحرب التي انتهت بانتصار امريكي ادت الى المسيرة السلمية الاسرائيلية – العربية، التي بدأت في مؤتمر مدريد. ولكن رئيس الوزراء اسحق شمير لم يحسب الضرر الذي لحق بالجبهة الداخلية كسبب لتغيير سياسته التي رفضت كل انسحاب من المناطق أو ابطاء للاستيطان. وقد جر الى مدريد فقط تحت الضغط الامريكي.

خليفته، اسحق رابين، كان أول السياسيين الاسرائيليين الذين استوعبوا التهديد على الجبهة الداخلية واستخلص منه استنتاجات سياسية. كوزير للدفاع قلق رابين من قدرة صمود السكان حتى قبل حرب الخليج حين رأى اصابات الصواريخ في "حرب المدن" بين بغداد وطهران في المراحل الاخيرة من الحرب الايرانية – العراقية. الايرانيون، الذين تعرضوا لقدر اكبر من الصواريخ، استسلموا وطلبوا وقف النار. في اثناء حرب الخليج، عندما كان نائبا في المعارضة، نزل رابين ثماني طوابق من شقته في حي نافيه افيفيم الى الملجأ. التجربة غير اللطيفة أثرت عليه، لدى عودته الى الحكم، للسعي نحو حل وسط مع الفلسطينيين والسوريين. وعلل رابين نهجه بالخوف من أن يجد مواطنو اسرائيل صعوبة في الصمود امام هجوم واسع على الجبهة الداخلية.

وجد الجيش الاسرائيلي صعوبة في الاعتراف بالتهديد الجديد. وزير الدفاع في حرب الخليج، موشيه آرنس فرض على الجيش تغييرات تنظيمية في أعقاب الحرب: اقامة قيادة الجبهة الداخلية ومنظومة الوسائل الخاصة، وحيث تطوير منظومة "حيتس" لاسقاط الصواريخ. ولكنه اعتبر في نظر الجنود كمواطن مثير مشاكس. ايهود باراك، الذي عين رئيسا للاركان بعد الحرب، رأى في منظومة الدفاع مبادرة مدنية "معارضة للخطة متعددة السنين". نهج الجيش كان أنه لا يمكن الانتصار في الحرب بوسائل دفاعية، ومن الافضل تعزيز الذراع الهجوم.

مرت 15 سنة وقدرة الصمود للجبهة الداخلية اختبرت مرة اخرى في حرب لبنان الثانية. الثلث الشمالي لاسرائيل تعرض للهجوم الصاروخي من لبنان. هذه المرة اطلق على اسرائيل نحو 4 الاف صاروخ، اكثر بمائة ضعف مما في حرب الخليج. مئات الالاف فروا من مناطق الخطر، المنظومات المدنية وجدت صعوبة في اداء مهامها والجيش الاسرائيلي لم ينجح في وقف نار حزب الله. مخيم اللاجئين الذي اقامه في رمال نيتسانيم، رجل الاعمال اركادي غايدمك كشف عجز الحكومة والجيش. الحرب انتهت بالتعادل. ولكن في الجيش فهموا الحاجة الى ملاءمة المفاهيم ومبنى القوة مع التهديد المتغير.

لقد دارت حرب الخليج في معظمها بعيدا عن اسرائيل: مركز البلاد بقي خارج مدى الصواريخ في حرب لبنان الثانية. ولكن الحربين اوضحتا التحديات التي ستقف امامهما اسرائيل في حرب شاملة. من الصعب على الاستخبارات ان تحذر من نار الصواريخ، التي لا تحتاج الى استعدادات بارزة مثل تحريك فك المدرعات. ومن الصعب على الاذرع الهجومية العثور على صواريخ العدو وتدميرها ولا سيما الصواريخ قصيرة المدى. ويتمزق جنود الاحتياط، الذين يعتمد عليهم الجيش الاسرائيلي والعاملون في المشاريع الحيوية بين شقي المعضلة: فهي يدافعون عن البيت والعائلة أم يمتثلون الى الخدمة أم في خط الانتاج والاعتماد على الدولة بان تحرص على اطفالهم؟ الطرق الرئيسة التي يفترض ان تخدم انتشار الجيش تغلق بالاف السيارات الفارة. منشآت حيوية، من محطات توليد الطاقة والموانىء وحتى المستشفيات والمخابز تجد صعوبة في اداء مهامها. منظومات المعلومات والاتصالات متعرضة للشلل.

العدو يفهم ذلك جيدا ويتزود بالصواريخ والمقذوفات الصاروخية، يحسن قوة التدمير والدقة فيها، بحيث تتمكن من ضرب قواعد سلاح الجو ومواقع هامة اخرى.

ايهود باراك، الذي عين بعد لبنان 2 وزيرا للدفاع تبنى نهجا معاكسا لموقفه كرئيس للاركان. وهو اليوم يؤيد بحماسة منظومات الدفاع ضد الصواريخ مثل حيتس وقبة حديدية، ويؤمن بانه في غضون خمس سنوات سيكون ممكنا تحصين الجبهة الداخلية. الجيش الاسرائيلي يفهم بان قيادة الجبهة الداخلية، التي خلفت الدفاع المدني العجوز، ستكون القيادة الاهم في الحرب التي "ستصبح فيها تل أبيب جبهة"، على حد قول رئيس شعبة الاستخبارات المعتزل اللواء عاموس يدلين.

الخطة متعددة السنين الجديدة التي يبلورها رئيس شعبة التخطيط في الجيش الاسرائيلي، اللواء أمير ايشل، تعزز المدماك الدفاعي في مبنى القوة. منظومات اسقاط الصواريخ، وسائل الدفاع السلبية، مثل توزيع المنشآت والاحتياط، وتدريب المنظومات الحيوية على العمل تحت نار الصواريخ، يفترض أن تعطي حرية عمل للقيادة السياسية. في الجيش لا يرون في هجوم صاروخي على الجبهة الداخلية تهديدا وجوديا، مثل التخوف – الذي ازيل حاليا – من غزو لقوات مدرعة تمزق اجزاء من الدولة. في الحرب القادمة، كما يقدرون، سيقع مئات القتلى المدنيين وليس الالاف، مثلما في التوقعات المقلقة التي تنشر احيانا. يتوقعون بان بعد امتصاص الضربة الاولى سينجح الجيش الاسرائيلي في تخفيض نار العدو حتى وان لم يتمكن من وقفها تماما.

الاعتراف بقوة النار المتصاعدة لحزب الله وحماس يؤثر على اسرائيل التي تبتعد عن نشاطات عسكرية وتمتنع عن هجوم على منشآت النووي في ايران. ولكن حتى لو تغير التهديد على اسرائيل، فان الرد العسكري يبقى على حاله من حيث الاساس. ومثلما في عهد وينغيت ودافيد بن غوريون اليوم ايضا يستعد الجيش الاسرائيلي لنقل الحرب الى ارض العدو، اذا ما تعرضت اسرائيل للهجوم. وضد التهديد على الجبهة الداخلية الاسرائيلية، يقترح الجيش الاسرائيلي الهجوم على مواقع حيوية في الجانب الاخر يهدد حكمه وبقائه، ما يسمى "عقيدة  الضاحية". وبلغة أقل كياسة، دمار مقابل دمار. مثل بن غوريون فان كبار قادة الجيش الاسرائيلي اليوم يعتقدون بان اسرائيل ملزمة بان تسعى الى حرب قصيرة – يوم، يومين، ثلاثة – والا تنجر الى مواجهة طويلة تتآكل فيها شرعية عملها، ويتسع الضرر المعنوي والاقتصادي بالجبهة الداخلية ويتمكن العدو من الادعاء بانه "بقين واقفا على قدمي وانتصرت".

ولكن مع كل تأثيرها على الوعي، فان حروب الجبهة الداخلية وتطور التهديدات لن تحسم الخلاف التاريخي بين اليسار واليمين. فقد بقي هذا على حاله، بالضبط مثلما اراد شمير الاحتفاظ بالمناطق ورابين الانسحاب منها مقابل السلام. من يؤمن، مثل شمعون بيرس، انه في عصر الصواريخ توجد للارض اهمية اقل، مستعد لان يخرج من الضفة الغربية وهضبة الجولان. ومن يعتقد، مثل بنيامين نتنياهو بان لا بديل عن السيطرة على الارض، حتى عندما تتطاير الصواريخ من فوق، يرغب في أن يبقى الجيش الاسرائيلي على الارض.