خبر في كواليس سياسة أوباما نحو العرب و« إسرائيل » ..عاطف الغمري

الساعة 09:54 ص|12 يناير 2011

في كواليس سياسة أوباما نحو العرب و"إسرائيل"  ..عاطف الغمري

كانت وزارة الخارجية الأمريكية ابتكرت في عام 1971، طريقة مثيرة، ضمن عملية رسم السياسة الخارجية، حين أنشأت نظاماً رقابياً خاصاً، أسمته قناة المعارضين أو المخالفين Dissent Channel يسمح لمجموعة من المسؤولين بالوزارة بتحدي سياسة الوزارة وانتقادها، وإظهار ما بها من قصور.

 

وكانت هذه المجموعة تمارس دورها بشكل غير معلن وبعيداً عن عيون الصحافة، وتقدم تقاريرها مباشرة إلى إدارة التخطيط السياسي بالوزارة، التي ترد عليها وتناقشها ولا يمكن الزعم بأن تأثير جماعة المعارضين كان أساسياً، لكنه على الأقل كان بمثابة تنبيه لعدم التسرع في اتخاذ القرار، أو إعادة النظر فيه.

 

تذكرت هذا الأسلوب وأنا أتابع إعلان وزارة الخارجية الأمريكية، رفضها عرض مشروع قرار عربي ضد الاستيطان "الإسرائيلي"، على مجلس الأمن.

 

وهذا النظام كان يمكن أن يكون مؤثراً في سياسة أمريكا في الشرق الأوسط، لولا أن هناك عوامل أضعفت من تأثيره، أهمها أن صانع قرار السياسة الخارجية، تكون لديه حرية أكبر في الالتزام بما يمثل المصالح الوطنية لبلاده، لو لم يكن لديه قلق من تأثير قراره على فرص إعادة انتخابه، وهي ما لا تتوافر في القرارات التي تخص "إسرائيل"، وفي غير هذه الحالة تكون لديه فرصة الاختيار بين بديلين أو أكثر، وليس الخضوع للضغوط، التي تدفعه لاتخاذ قرار متحيز.

 

ثم كان مما أضعف هذا النظام بعد ذلك، ما جرى من التخلص من طاقم الخارجية من النخبة الذين عرفوا باسم ( Arabists ) أو العروبيين، وهم الخبراء الذين يفهمون المنطقة ومصالح بلادهم فيها، لتحل محلهم شخصيات تصادف أن معظمهم يهود أمثال دنيس روس وآخرين.

 

هنا أتذكر حواراً مع السفير الأمريكي العتيد ريتشارد باركر في بيته بضاحية جورج تاون القريبة من واشنطن، وقد عمل دبلوماسياً في مصر، وسفيراً في دول عربية أخرى، يومها شرح لي جانباً مهماً من جوانب صناعة قرار السياسة الخارجية، فقال: إن الحكم على أي قرار بأنه صائب أو خاطئ، يعتمد على النتيجة النهائية، وعما إذا كان قد عاد بفائدة أم أنه سبب أضراراً لنا، وهو ما يمكن أن نطبقه على مشكلة احتلال "إسرائيل" الضفة وغزة.

 

.. إن آراء كثيرة تردد القول إن أمريكا دولة مؤسسات، وإن القرار تجاه العرب و"إسرائيل" ثابت لا يتغير بتغير الرؤساء، وهذا صحيح جزئياً، لكنه ليس صحيحاً في كل الحالات. بالطبع هناك استراتيجية عليا تحكم عمل السياسة الخارجية، لكن هذه السياسة بدورها خاضعة لحسابات اللحظة الزمنية، وهي قد تقود الرئيس أحياناً، إلى اتجاه يراعي المصالح الوطنية لبلاده، حتى ولو خرج على قاعدة التحيز التقليدي ل "إسرائيل"، وهو ما شهدناه في عهود الرؤساء: أيزنهاور (1957)، وكنيدي (1962)، وفورد (1975)، وبوش الأب (1991). ولو نظرنا في هذا الإطار إلى إعلان وزارة الخارجية الأمريكية منذ أيام، أنها سوف تعارض أي قرار يطرح على مجلس الأمن، يدعو "إسرائيل" إلى إنهاء الاستيطان، فإننا ينبغي في الوقت نفسه أن نلاحظ العناصر الحاكمة التالية:

 

 (1) إنه إذا كان التحيز ل "إسرائيل" يعد ثقافة سياسية نافذة في شرايين مؤسسات الدولة، فإن سلوكيات منع أي قرار يعارض سياسات "إسرائيل"، على مجلس الأمن، هو أكثر من ذلك يبدو وكأنه موقف غريزي وتلقائي، يتخذ حتى ولو كان المشروع العربي المطروح يتفق مع ما تعلنه الولايات المتحدة نفسها على لسان كبار مسؤوليها.

 

 (2) إن النظام السياسي الأمريكي تحكمه قاعدة الضغوط، فهي جزء من أركان وقواعد عمل النظام الذي يسمح رسمياً ودستورياً، لما تسمى بقوى الضغط، بأن تلعب دوراً حاسماً في محاولة دفع قرار السياسة الخارجية في الاتجاه الذي يرضيها، حتى ولو كان الضغط لحساب دولة أجنبية، كما هو الحال مع "إسرائيل".

 

.. والرئيس في هذه الحالة يتصرف حسب قوة الضغط الواقعة عليه، من هنا أو هناك، وهو يوازن بينها، فإذا كانت قوة الضغط بكاملها آتية من القوى اليهودية وأنصارها، بينما هناك غياب كامل لأي ضغوط عربية، تستخدم ما لديها من إمكانات، فقد كان يمكن للإدارة الأمريكية حينئذ أن تضعها في حسابها، لو أنها وجدت أنها تؤثر في مصالحها في هذه الدول.

 

 (3) إن الساحة الأمريكية مفتوحة لمن يريد أن يدخل ويمارس دوراً في شرح مشكلته وعدالة قضيته، من وجهة نظره. وهناك مراكز إعلام يهودية تعمل يوماً بيوم، في إعداد أوراق ترسل بالبريد الإلكتروني، للبيت الأبيض، والوزارات المختصة، وأعضاء الكونغرس، في أي لحظة تجري فيها مناقشة حول اتخاذ قرار سياسي وشيك يتعلق ب "إسرائيل" والعرب، ولا يوجد موقع عربي واحد مماثل، بالإضافة إلى مراكز البحوث Think Tanks التي أعتبرها مصانع السياسة الخارجية هناك، وبينها عدد كبير، مبدؤه الأول الدفاع عن "إسرائيل" مهما فعلت.

 

 (4) بدأ عهد أوباما باندفاع قوي يربط بين حل القضية الفلسطينية، ووقف الاستيطان، وبين الأمن القومي للولايات المتحدة، وطبقاً للمبدأ المحوري لسياسة أوباما الخارجية، مبدأ الشريك، الذي قال عنه بنفسه: أريد شركاء يتعاونون معي في حل المشكلة، فإن عدم استجابة العرب لهذه الدعوة لابد أن يترك تأثيره السلبي على مواقفه. والشريك، حسب مفهومه، هو من يملك رؤية واضحة لدوره، واستراتيجية كاملة ومؤثرة وضاغطة، تعزز مصالحه القومية، لكن العرب لم يتقدموا للعب دور الشريك، واكتفوا بأن يترقبوا ما سيفعله أوباما.

 

.. إن السياسة ليست سوى لعبة مصالح، وتوازن قوى، وحركة نشطة مبنية على استراتيجية علمية، وفعل مؤثر، ومغير لأفعال الآخرين.. وليس الجلوس في غرفة الانتظار.

 

صحيفة الخليج الإماراتية