خبر ساركوزي ومخطط التطهير الإجرامي ضد المسيحيين! ..ياسر الزعاترة

الساعة 03:32 م|11 يناير 2011

ساركوزي ومخطط التطهير الإجرامي ضد المسيحيين!  ..ياسر الزعاترة

لساركوزي معنا عربا ومسلمين سيرة بائسة منذ مجيئه إلى الحكم، إذ سجل مستوًى من الانحياز للكيان الصهيوني وللولايات المتحدة لم يسبقه إليه أي من الرؤساء السابقين، بشقيهم الاشتراكيين والديغوليين.

 

ولا حاجة لتعداد معالم هذه السيرة التي يقر بها القادة الصهاينة والصحافة الصهيونية التي تعترف بأن قصر الإليزيه لم يعرف ساكنا أكثر حميمية في علاقته بالدولة العبرية مثل ساركوزي، وما الجهود التي بذلها ويبذلها الرجل من أجل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي "الفرنسي" جلعاد شاليط سوى شاهد بسيط على ذلك.

 

قبل أيام علق الرئيس الفرنسي على جريمة الإسكندرية بالقول "لا يمكن أن نقبل ومن ثم أن نسهّل ما بات يشبه كثيرا مخطط تطهير إجرامي في الشرق الأوسط. وأكرر مخطط تصفية دينية في العراق كما هو الحال في مصر. مسيحيو الشرق الأوسط هم في أوطانهم. إنهم هناك في بلدانهم وأغلبهم منذ ألفي عام. لا يمكننا القبول بأن يختفي هذا التنوع البشري والثقافي والديني من هذه المنطقة من العالم".

 

ورغم تبرئته اللفظية للإسلام من الصلة بمن أسماهم المجانين الذين يقتلون المسيحيين واليهود والسنة والشيعة، بحسب قوله، إلا أن جوهر الكلام يتعلق بالإسلام والمسلمين، لأنهم هم المسؤولون عما يجري.

 

حتى لا يتهمنا أحد بالدفاع عن الجرائم التي ترتكب باسم الإسلام، فقد كنا من أول المبادرين إلى إدانة مجزرة الكنيسة في بغداد، تماما كما هو الحال بالنسبة لجريمة كنيسة الإسكندرية، و"غوغل" يتيح الاطلاع على النصوص لمن شاء ذلك، لكن المبالغة في توصيف المسألة لا تخلو من استهداف مبطن للظاهرة الإسلامية برمتها، وربما لدين الإسلام ذاته، لكأنه في جوهره دعوة إلى التطهير الديني، أو دعوة إلى العنف ضد الآخر غير المسلم.

 

سنكرر هنا ما نردده دائما حول حقيقة أن الإسلام لم يعرف لغة التطهير الديني كما عرفتها أوروبا ضد اليهود، وكما عرفتها ضد المسلمين في إسبانيا، وهذا الأمر يقر به المنصفون من المؤرخين والعقلاء في أوروبا، بما في ذلك اليهود، وجميعهم يدركون أن المسلمين هم الذين احتضنوا اليهود الفارين من الاضطهاد الديني في أوروبا. ولعل وجود هذه الأقليات المسيحية في هذه المنطقة من العالم دليل واضح على ذلك.

 

في الفزعة التي تابعناها عشية تفجير الكنيسة في بغداد، ومن ثم جريمة الإسكندرية، كان ثمة تعبيرات ومواقف تبدو مستفزة للغالبية المسلمة في هذه المنطقة، الأمر الذي لا يمكن أن يكون مقبولا بحال، وهو لن يكون في مصلحة التعايش بين الطوائف والأقليات في عموم المنطقة.

 

ما ينبغي أن يتذكره هؤلاء جميعا هو أن عدد الذين قتلوا من المسلمين بسبب العنف الأعمى هو أكبر بكثير ممن قتلوا من المسيحيين، حتى لو أخذت نسبة كل طرف من مجموع السكان في الاعتبار، ليس في العراق فحسب، وإنما في مصر أيضا، ونتذكر موجة العنف التي اجتاحت مصر خلال الثمانينيات والتسعينيات، وكيف أنها لم تستهدف أيا من المسيحيين، وإنما استهدفت الدولة ورموزها ومؤسساتها ضمن رؤية فكرية معروفة، ونتاج ظروف سياسية واجتماعية معروفة أيضا.

 

الذين فجروا كنيسة بغداد ومن ثم كنيسة الإسكندرية، بفرض أنهم ذات الفئة لم يفكروا أبدا في مسألة التطهير العرقي، وحين تنسب هذه الأعمال إلى تنظيم القاعدة، فإن جوهر التنظير الذي يتبناه هذا التنظيم لم يتطرق البتة للمسيحيين الذين يعيشون بين ظهراني المسلمين، وإنما تحدث عن اليهود والصليبيين، ربما لأن كلمة اليهود تعني عندهم الإسرائيليين وليس الهوية الدينية تبعا لعدم وجود يهود في العالم العربي باستثناء أعداد محدودة في اليمن هي في طور التلاشي. بل إن كثيرا من رسائل القاعدة في العراق كانت تشير صراحة إلى عدم استهداف المسيحيين قبل أن يختلط الحابل بالنابل ويحدث ما حدث، الأمر الذي قد ينطوي على خلل أو اختراق ما من الصعب استبعاده.

 

ليس دفاعا عن هؤلاء وأفكارهم، ولكن تأكيدا على أن قصة التطهير الديني هي وهمْ لا وجود له، وأن الأمر لا يعدو أن يكون جزءا من تداعيات العنف الأعمى الذي يستهدف مسلمين، كما ترفضه الغالبية الساحقة منهم، حتى حين يستهدف أبرياء في داخل الدول المسيحية ذاتها، فضلا عن أن يستهدف مسيحيين هنا في البلاد العربية.

 

أسوأ ما في هذه الحكاية هو ربط ما جرى بموجة التدين الإسلامي في المنطقة، وهو ربط تُشتم منه رائحة غير بريئة، لأن مشاكل أقباط مصر، كانت ولا تزال مع الدولة والحزب الحاكم وليست مع الناس، بما في ذلك ترخيص بناء الكنائس، أو التهميش السياسي. وإذا تحدث البعض عن بعض الحوادث هنا وهناك، فإن ثمة الكثير منها يتم بين المسلمين أنفسهم على خلفيات معروفة ولا يلتفت إليها أحد.

 

تبقى مسألة الهجرة، وهذه تنطوي أيضا على الكثير من التزييف، والسبب أن حلم الهجرة يراود المسلمين كما يراود المسيحيين بسبب جاذبية الغرب، وبينما يتردد بعض المسلمين في الهجرة بسبب الخوف على أبنائهم وهويتهم، لا يجد المسيحيون مشكلة في ذلك، لكن الأهم من ذلك كله هو أن فرص المسيحي في الهجرة أكبر من المسلم. وتعالوا نتساءل: ماذا لو كان الأقباط يعيشون بنفس وضع المسلمين على سائر المستويات، وتوفرت لهم سبل الهجرة، هل سيترددون؟ كلا بالطبع، لكن فرص المسيحي العراقي والفلسطيني واللبناني أكبر من القبطي المصري؟

 

لا ننكر أن ثمة سخفا يتوفر في خطابات بعض المسلمين (هناك تيار إسلامي يستفز الأقباط بالفعل، وهو يحظى بدعم السلطة في مواجهة الإخوان المسلمين)، لكن الطرف الآخر (أعني القبطي) لديه شيء من ذلك أيضا (مثال ذلك قول أحد قادة الكنيسة إن المسلمين ضيوف على الأقباط في مصر، أو تشكيك أحدهم في القرآن، أو قيام أحدهم بإعداد فيلم يسيء للإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام). أما الأهم فهو أننا إزاء خطاب يركز فقط على الجوانب السلبية من المشهد، ويتجاهل أن ثمة أقليات مسيحية في العالم العربي تأخذ أكثر مما تمنحها الحصة الديمغرافية كما هو الحال في الأردن ولبنان، وفي الأردن مثلا لم يحدث أن تورطت الحركة الإسلامية فيما يسيء للمسيحيين.

 

بقي القول إنه كان على ساركوزي أن يتذكر أن الفوضى التي أصابت المسيحيين (وبدرجة أكبر المسلمين) في العراق كانت نتاج حرب أميركا التي يتحالف معها، أما الحالات الأخرى فهي نتاج سياسات الأنظمة التي تحظى بدعم الغرب وليست نتاج عنصرية المسلمين.

 

بل إن مجمل حالة العنف بطبعته القاعدية التي نتابعها هي نتاج الظلم الأميركي والغربي، سواء بدعم الكيان الصهيوني، أم باحتلال العراق وأفغانستان وربط الإسلام بالإرهاب، ولو توقف ذلك كله لاختلف المشهد برمته، فالعنف ليس ظاهرة فكرية، بل هو في جوهره نتاج ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية، لكنه يتوسل الأفكار بحثا عن الدعم والشرعية.