خبر فلسطين بعد السودان -هآرتس

الساعة 09:09 ص|11 يناير 2011

فلسطين بعد السودان -هآرتس

بقلم: د. اوريئيل أبو لوف

يحاضر في قسم علوم السياسة في جامعة تل ابيب

(المضمون: هل يمكن نقل نموذج استفتاء الشعب في السودان الى فلسطين لحل الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني؟ - المصدر).

        في خلال الاسبوع الحالي سيُدعى اربعة ملايين من سكان جنوب السودان الى صناديق الاقتراع، حيث سيضطرون الى الاختيار بين ورقة تحمل صورة مصافحة واخرى صورت فيها يد تلوح بالسلام – تُبين للمصوت معنى الصور فاما الوحدة وإما الانفصال، اذا كان ذا حظ حسن في ان يكون واحدا من ربع الناخبين الذين يعرفون القراءة والكتابة.

        اذا تم استفتاء الشعب كما ينبغي فستنتخب أكثرية حاسمة أن تلوح للشمال بالسلام وأن تقسم أكبر دول افريقية الى اثنتين: شمال السودان، وفيه نحو من 35 مليون شخص، أكثريتهم الغالبة من العرب المسلمين؛ وجنوب السودان، والاكثرية الحاسمة من سكانه الـ 8 ملايين ونصف من الافارقة، وديانتهم المسيحية أو الوثنية. ولد استفتاء الشعب باتفاق السلام من سنة 2005، الذي وضع حدا لحرب أهلية دامت يوبيلا، وجبت أكثر من مليونين ونصف مليون من الضحايا أكثرهم مدنيون.

        ما تزال طريق جنوب السودان الى الاستقلال مزروعة بالألغام. وأكثرها تفجرا هو ضرورة حسم مصير المنطقة الفاصلة المليئة بالنفط آفييه، ويفترض ان يصوت سكانها في استفتاء شعبي مستقل تم تأجيله. ومع ذلك، ان مجرد وجود الاستفتاء الشعبي الآن هو نجاح كبير وهو أحد النجاحات المذهلة لسياسة اوباما الخارجية التي عرفت حتى الآن الفشل أكثر من الانجازات.

        إن ضمان استفتاء الشعب هو شق طريق في مجال "الدبلوماسية المانعة" التي تريد ان تسبق المرض بالدواء. حتى قبل نحو من سنتين، كان التقدير السائد أن زعيم السودان عمر البشير الذي صدر فيه في 2008 أمر اعتقال دولي عن مذبحة شعب في دارفور، سيحبط استفتاء الشعب بكل ثمن. وكان يبدو انه لا مناص من تجدد الحرب الأهلية. وهنا، الى جانب أرباح النفط العظيمة التي عرفتها السودان في السنين الاخيرة، جعل تدخل ادارة اوباما الحثيث والدائم خطر الاشتعال المتجدد أقل احتمالا.

        إن النجاح الدبلوماسي في السودان يتوقع ان يُحرك اجراءات امريكية ايضا في الساحة الاسرائيلية – الفلسطينية. ما تزال القوة العظمى الامريكية حتى بغير هيمنة، هي الوحيدة التي تستطيع ان تدفع هذه الصخرة صعودا في الجبل. اذا نجحت في فعل هذا في السودان فستتجه بسهولة أكبر الى "صخرة وجودنا" الاسرائيلية – الفلسطينية.

        إن نجاح استفتاء الشعب السوداني قد يمنح الولايات المتحدة ايضا إلهاما عمليا لعلاج الصراع المحلي – التوجه الى تسوية مرحلية في قلبها استفتاء شعبي. إن أسس هذا الاتفاق هي انشاء ادارة ذاتية مؤقتة ذات صلاحيات موسعة، وتجميد متبادل لاعمال العنف والمطالب المتضادة، وتحريم إقرار حقائق جديدة على الارض المختلف فيها واجراء استفتاء شعبي ملزم.

        إن هذا الطراز، بصيغ مختلفة، قد تم استعماله في عدد من الحالات، فيها بوجنفيل في جزر سليمان التي ارادت التحرر من بابوا – نيو – جيني؛ و"اتفاق بلفاست" (1998) على مستقبل ايرلندا الشمالية؛ وجنوب افريقية (1992)؛ واتحاد صربيا – مونتينغرو (2003 – 2006)؛ وتيمور الشرقية. اذا انضمت السودان الى القائمة فقد تكون فلسطين هي التالية.

        ليس هذا طرازا كاملا لكنه يمتاز بمزايا جليلة: فهو يرسم أفقا واضحا وسريعا نسبيا لانهاء الصراع، ويمنح الطرفين باعثا الى الحفاظ على الهدوء في الفترة المتوسطة: طالبي الاستقلال للتوصل بالسلام الى استفتاء الشعب، ورافضيه – كي يبرهنوا للمصوتين في المستقبل انه يجدر بهم جعل التسوية المرحلية دائمة.

        والطراز ينشيء ايضا قاعدة معيارية جديدة للسلام. فانه يصعب على القادة وعلى المعارضين حتى المتطرفين منهم، أن يرفضوا اجراء استفتاء الشعب لانهم في ظاهر الامر خُدّام ارادته. وبالمناسبة، يمكن ان يكون صحيحا في الحالة الاسرائيلية – الفلسطينية ان يُجعل استفتاء الشعب استفتاء شعبين، وأن يُطلب حسم في الجانب الاسرائيلي ايضا، تستطيع الأقلية العربية فيه ان تساعد على حل الصراع.

        اذا اختارت الولايات المتحدة، وتفضل الجانبان بأن يخطوا في مسار استفتاء الشعوب، فانه يجدر أن يتذكر الجميع ان مسارات بناء أمة وبناء دولة متصل بعضها ببعض. برغم استفتاء الشعب، ما يزال المجتمع في جنوب السودان ليس شعبا بل خليطا كبيرا من جماعات عِرقية ولغوية ودينية، القاسم المشترك الوحيد بينها هو رواسب الماضي وعداوة شمال السودان. وهي باعتبارها دولة في المستقبل ليس لها منفذ بحري، وتعتمد اقتصاديا على حقول النفط المختلف في مكانتها، متعلقة بجارتها – عدوتها. وكي لا تُجعل دولة مخالفة للقانون، دولتين فاشلتين، يجب على الجماعة الدولية ان ترى استفتاء الشعب بدء مسار لا نهايته.