خبر أهمية البحث عن مخرج من المأزق الفلسطيني ..بلال الحسن

الساعة 09:11 ص|09 يناير 2011

أهمية البحث عن مخرج من المأزق الفلسطيني ..بلال الحسن

عاد إلى الصدارة مجدداً، الحديث الفلسطيني عن طرح موضوع الاستيطان الإسرائيلي على مجلس الأمن، لاستصدار قرار إدانة دولية بصدده.

 

يحدث هذا بعد أن اتضح بشكل حاسم، انسداد طريق التفاوض الفلسطيني - الإسرائيلي. ويحدث هذا بعد أن أعلنت الولايات المتحدة الأميركية على مستوى الرئيس الأميركي نفسه، أنه لم يعد قادراً على مواصلة الضغط على "إسرائيل" لوقف الاستيطان، ولو بشكل مؤقت. ويحدث هذا بعد أن أعلنت الدول الأوروبية الأساسية موقفاً مراوغاً يدعو إلى وقف الاستيطان وإدانته، ثم يضيف أن ذلك سيكون مطلوباً إنما (في الوقت المناسب).

 

بهذه المواقف الثلاثة، يصبح مهما التساؤل عن مدى إمكانية النجاح الفلسطيني في المهمة الدبلوماسية التي «هرب» إليها، لمجرد أن تظهر وكأنها تتحرك، أو كأن لديها بديلاً، بعد أن فشلت علنا تجربة المفاوضات المباشرة. وسيتضح عاجلاً وليس آجلاً، أن الولايات المتحدة ستعمل على عرقلة تحرك الفلسطينيين باتجاه مجلس الأمن، وهي قادرة على ذلك. وإذا اضطرتها ظروف الدبلوماسية الدولية إلى التساهل قليلاً، والسماح بعرض الموضوع على مجلس الأمن، فستعمد الولايات المتحدة إما إلى التصويت لتخريب الموضوع من خلال الفيتو، أو ستعمد إلى تخريب نتائج التصويت من خلال موقف «الامتناع عن التصويت»، من قبلها، أو من قبل الدول الأوروبية أيضاً.

 

وبما أن الدبلوماسية الفلسطينية لا تعطي الاهتمام الكافي لروسيا أو للصين، فليس بإمكانها أن تراهن على موقف من نوع آخر تلجأ إليه هاتان الدولتان مساندة للموقف الفلسطيني. لا بل إن هاتين الدولتين، وانطلاقاً من قاعدة المصالح، قد تلجآن إلى مساندة الموقف الأميركي، ما دام الموقف الفلسطيني، ومن خلفه الموقف العربي، لا يقدم لهما مواقف بديلة.

 

خلاصة هذه الصورة السياسية، أن ما تعتقد السلطة الفلسطينية أنه دبلوماسية بديلة لفشل دبلوماسية التفاوض، هو دبلوماسية فاشلة سلفاً، ولا تتوفر لها فرصة من فرص النجاح، وهي تقدم عليها لأنها قد ألغت بنفسها، ومنذ سنوات، البديل المنطقي الآخر، وهو البديل القائم على مقاومة الاحتلال بالوسائل العسكرية. وهي لم تفعل ذلك فحسب، بل وعمدت إلى إقامة علاقة تعاون أمني مع الجيش الإسرائيلي ومع المخابرات الإسرائيلية، ضد كل فلسطيني يفكر مجرد تفكير بقضية المقاومة.

 

وكنوع من التغطية على هذا الواقع السياسي الفلسطيني المر، تلجأ السلطة الفلسطينية إلى محاولة استعمال إقدام بعض الدول في أميركا اللاتينية على دعم شعار دولة فلسطينية على أراضي 1967. ولا شك أن إقدام هذه الدول على دعم شعار الدولة الفلسطينية هو موقف إيجابي ومهم، لولا أنه موقف لا يستطيع أن يشكل بديلا للموقف الأميركي والغربي. إنه موقف تمارسه بعض دول أميركا اللاتينية كنوع من «النكاية» بالسياسة الأميركية، دون أن يكون له تحالف مواز بين فلسطين ودول أميركا اللاتينية، بل وعلى العكس، فإن دول أميركا تطرح موقفاً جديداً ضد السياسة الأميركية، بينما تقيم السلطة الفلسطينية أوثق العلاقات مع الإدارة الأميركية.

 

وكتغطية لهذا الخلل في الموقف الفلسطيني العاجز عن استثمار الموقف الجديد لبعض دول أميركا اللاتينية المتمردة على السياسة الأميركية، تواصل السلطة الفلسطينية القول: إن الموقف الفلسطيني قوي دولياً؛ لأن هناك الآن نحو 190 دولة تعترف بالدولة الفلسطينية. وهذا قول صحيح ولكنه ناقص، والناقص هنا هو أن توضح السلطة الفلسطينية أن نحو 180 دولة قد اعترفت بالدولة الفلسطينية منذ أكثر من عشرين عاماً، ومن دون أن يؤدي هذا الاعتراف إلى تغيير عملي على أرض الواقع، فالمسألة قديمة تعود إلى (بيان الاستقلال) الذي أعلنته منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988، وهو لا يمت بصلة إلى ما تسميه السلطة الفلسطينية الآن سياسة الاعتدال التي تمارسها منذ سنوات، فالاعتدال الفلسطيني قديم، وقد أنتج اعترافات بالدولة الفلسطينية أكثر بكثير مما يحدث الآن، من دون أن يؤدي ذلك إلى فرض أمر واقع جديد.

 

وعلى ضوء هذا الواقع، لا بد من الاعتراف بفشل السياسة الفلسطينية الأصلية، سياسة التفاوض، واحتمال الفشل أيضاً للسياسة البديلة التي تتغطى بها الآن. وهي إذا أرادت أن تبحث عن سياسة بديلة حقاً، فإن الطريق إلى ذلك معروف وواضح، وأبرز نقاطها منطقياً ما يلي:

 

أولاً: الاعتراف بالواقع المر كما هو. الواقع الذي يقول إنه لا يمكن إنتاج حل سياسي، عبر أميركا، أو عبر التفاوض مع "إسرائيل".

 

ثانياً: أنه لا بد من انتهاج سياسة الضغط على أميركا وعلى "إسرائيل"، ولا يكون ذلك إلا باعتماد سياسة المقاومة، مقاومة الاحتلال بالقوة المسلحة.

 

ثالثاً: يستدعي ذلك التوقف عن عمليات اعتقال المقاومين الفلسطينيين، وزجهم في السجون. والتوقف عن تقديم المعلومات عن المقاومين إلى "إسرائيل" لتتولى هي تعقبهم عندما ترى ذلك مناسبا لها. ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بعد وقف سياسة التعاون الأمني مع "إسرائيل" وجيشها وأجهزة مخابراتها.

 

رابعاً: يمكن بعد ذلك، وليس قبله، التوجه نحو العمل الجاد من أجل إنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية، ليس بين فتح وحماس فقط، بل مع جميع القوى الوطنية الفلسطينية، إذ لا يمكن الذهاب إلى الوحدة الوطنية على قاعدة التعاون الأمني مع المحتل الإسرائيلي.

 

خامساً: إن السعي لإنجاز وحدة وطنية فلسطينية، لا يمكن اختصاره بحوارات بين الفصائل الفدائية، إذ بعد التفكك الذي طرأ على الساحة الفلسطينية، استراتيجياً وسياسياً وشعبياً، أصبحت الحاجة ملحة لتشاور فلسطيني أوسع، تأتي إليه كل الفصائل الفدائية، وكل القوى السياسية، وكل الشخصيات ذات الوزن السياسي والفكري والاجتماعي، الشخصيات التي تمثل القوى الاجتماعية، من داخل المخيمات الفلسطينية، ومن داخل كل التجمعات الفلسطينية فوق أرض الوطن وخارجه. وبهدف القيام بعملية مراجعة شاملة، لكل ما جرى، ولكل ما يمكن أن يجري، من أجل استنباط خطة فلسطينية جديدة، تستقطب الشارع الفلسطيني، وتقيم الوحدة في الشارع الفلسطيني، باعتبارها وحدة الشعب لا وحدة فصائل بعينها فقط.

 

ولا بد من الاعتراف هنا بأن الوحدة الوطنية الفلسطينية، وحدة الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده، لا يمكن أن تستقيم من دون استعادة العلاقة النضالية الفلسطينية العربية، ومن دون أن تكون هذه العلاقة قائمة على مفهوم نضالي جديد يغادر كل السياسات والمراهنات التي اعتمدت حتى الآن، وفي مقدمتها القناعة بأن "إسرائيل" معنية بإنجاز تسوية مع الفلسطينيين أو مع العرب.

 

ومن دون رؤية شاملة من هذا النوع، ستتراجع القضية الفلسطينية، ولن يمكن انتزاعها من المأزق الذي تعيشه، وهو في العمق ليس مأزقاً فلسطينياً فقط، بل هو مأزق عربي أيضاً.

 

صحيفة الشرق الأوسط