خبر عام الدولة أم نهاية مرحلة؟../ هاني المصري

الساعة 10:49 ص|04 يناير 2011

عام الدولة أم نهاية مرحلة؟ هاني المصري

سألني المذيع في فضائية فلسطين عن توقعاتي للعام 2011، وهل ستنجز المصالحة الوطنية في هذا العام؟ وهل سيكون كما يشاع عام الدولة الفلسطينية؟

 

أجبت عن السؤالين بسرعة ودون تردد، إذا استمرت العوامل القائمة في العام الماضي، وهي بكل آسف لا تزال قائمة، فلن تنجز المصالحة، ولن تقام الدولة.

 

وإذا كان الأمر بالنسبة إلى المصالحة يتعلق بالعامل الفلسطيني بشكل أساسي على الرغم من التأثير الهائل للعوامل الخارجية، فإنه بالنسبة إلى الدولة يتعلق بالعوامل الخارجية أكثر من العامل الداخلي.

 

إن المصالحة لا يمكن أن تتحقق ما لم تتوفر إرادة فلسطينية تغلب المصالح الوطنية العليا على المصالح الفردية والفئوية والفصائلية.

 

أما الدولة فلا يكفي لتحقيقها الإرادة الفلسطينية وحدها، فالدولة لا يمكن أن تقوم دون القدس وقطاع غزة، أي دون إنهاء الاحتلال والانقسام، وإنهاء الاحتلال لا يبدو على الإطلاق قريباً.

 

فإنهاء الاحتلال يتحقق إما بالتحرير من خلال مقاومة قادرة على دحر الاحتلال أو بالمفاوضات التي تصل إلى اتفاق يتضمن الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة العام 1967 بما فيها القدس.

 

إن التحرير ليس قريباً لأن المقاومة لم تعد على جدول الأعمال لأسباب مفهومة وأخرى غير مفهومة. الشيء المؤكد أن المقاومة المسلحة والشعبية أصبحت إستراتيجية للصراع الداخلي أكثر ما هي إستراتيجية لدحر الاحتلال، فهي في أحسن الأحوال مؤجلة عملياً حتى إشعار آخر.

 

أما المفاوضات باعتراف المنظرين لها وأبرز دعاتها وصلت أو تكاد تصل إلى طريق مسدود.

 

كيف يمكن الرهان على نجاح المفاوضات بالاعتماد على الدور الأميركي، وعلى المجتمع الدولي، وهو لم ينجح بإقناع حكومة نتنياهو حتى بتجميد جزئي ومؤقت للاستيطان مقابل مكاسب إستراتيجية أمنية وعسكرية وسياسية تقدمها الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل. كما أن الإدارة الأميركية أصبحت الآن بطة عرجاء بعد الانتخابات النصفية للكونجرس وفي ظل تزايد حاجة أوباما لدعم اللوبي المؤيد لإسرائيل له في الانتخابات الرئاسية القادمة.

 

إن استئناف المفاوضات، إذا حصل فهو سيكون:

إما للحفاظ على الوضع القائم والاكتفاء بإدارة الصراع وليس حله. أو يكون هدف المفاوضات محاولة الإدارة الأميركية فرض حل، وهو لن يكون في أحسن الأحوال بعيداً عن الخيارات المفضلة لإسرائيل، والتي يعني تنفيذها تصفية القضية الفلسطينية تحت مسميات مختلفة مثل اتفاقية إطار تغطي على حل انتقالي طويل الأمد متعدد المراحل، أو دولة ذات حدود مؤقتة دون القدس واللاجئين ودون اتفاقية إطار، أو حل إسرائيلي أحادي الجانب أو إحياء للخيار الأردني والوصاية المصرية دون مساس بأهداف ومصالح إسرائيل.

 

إن الدولة ليست على مرمى حجر، حتى لو أصبحت مؤسسات الدولة جاهزة تماماً في شهر آب المقبل وفقاً لخطة الحكومة، وحتى لو أثبتنا أننا جديرون تماماً بالدولة. فالصراع لم يكن على المؤسسات والجدارة وإنما هو صراع على الأرض بين الشعب صاحب الأرض وبين الاحتلال الغاشم الذي لن يتنازل عن احتلاله وأطماعه وأهدافه إلا عندما يخسر من احتلاله أكثر مما يربح. وهذا أمر لن يتحقق إلا بتوفر قناعة عميقة لدى الفلسطينيين، وقيادتهم تحديداً، بأنه لا بديل عن بلورة إستراتيجية جديدة بديلة عن إستراتيجية المفاوضات الثنائية .

 

إن الإستراتيجية الجديدة تبدأ بتوفير عوامل الصمود وبناء المؤسسات الضرورية لذلك في سياق إعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على أساس شراكة حقيقية والاحتكام للشعب، وإعادة الاعتبار للبرنامج الوطني وإعادة تشكيل منظمة التحرير على أساسه بحيث تضم الجميع، وتنظيم مقاومة لا تكتفي بالمقاومة الشعبية الرمزية ولا بمقاطعة خجولة للاستيطان، وإنما تزج الشعب كله في مقاومة شاملة بالأشكال المتاحة، وعلى أساس ضرورة مقاطعة كل البضائع الإسرائيلية التي لها بديل محلي أو عربي أو أجنبي، ومقاومة التطبيع مع الاحتلال بكل أشكاله، وإطلاق تحرك سياسي لا يكتفي بالحصول على اعتراف الدول بالدولة الفلسطينية على أهميته أو باللجوء مجدداً للمؤسسات الدولية، وإنما يهدف إلى تطوير حركة التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية وتفعيل القرارات الدولية خصوصاً الفتوى القانونية لمحكمة لاهاي وتقرير غولدستون حتى تصل إلى فرض المقاطعة على إسرائيل سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعسكرياً وأكاديمياً، وفرض العزلة والعقوبات عليها، حتى لا تجد مفراً من الانسحاب من الأراضي المحتلة، لأن عدم الانسحاب يضعها في موقف أسوأ كونه يعرضها لخسارة كل شيء.

 

إن أسوأ ما يحصل حالياً هو أن القيادة الفلسطينية بدلاً من أن تمضي جدياً في بلورة بدائل حقيقية عن المفاوضات الثنائية لا تزال هي والعرب بحالة انتظار لنجاح الجهود الأميركية، أو تقديم عرض أميركي أو دولي جاد لحل الصراع، وضعت سقفاً زمنياً جديداً للانتظار هو شهر أيلول المقبل.

 

إن الذي يدفع القيادة الفلسطينية إلى التراجع عما هددت به سابقاً مثل اللجوء لمجلس الأمن للاعتراف بالدولة وحل السلطة ووقف التزاماتها مع إسرائيل واستقالة الرئيس ليس اقتناعها بأن هذه الخيارات ليست صحيحة وإنما محاولة تجنب المجابهة السياسية مع الإدارة الأميركية التي هددت باستخدام الفيتو في مجلس الأمن، وطالبت بسحب التهديدات الفلسطينية بالاستقالة أو بحل السلطة. إن من يريد حقاً دولةً عليه أن يستعد لمجابهة سياسية طاحنة مع الإدارة الأميركية وإسرائيل لا يمكن دونها الحصول على الدولة إلا إذا أردنا دولة البقايا دولة ميكي ماوس.

 

إن الاستقالة ليست حلاً، وحل السلطة ليس خياراً، وإنما الخيار هو إعطاء التركيز كله على إعادة توحيد الشعب الفلسطيني ووضع طاقاته وجهوده وكفاءاته في سياق الكفاح ضد الاحتلال، حتى يستطيع إنجاز أهدافه بالحرية والعودة والاستقلال مهما احتاج الأمر من دراسة وتدرج ولكن مع تصميم على الوصول إلى النهاية مهما طال الزمن وغلت التضحيات.

 

لسنا بحاجة إلى مواعيد جديدة، فالمواعيد ليست مقدسة كما قال إسحق رابين قبل اغتياله، وكما حدث عندما تم تجاوز شهر أيار 1999 دون التوصل لاتفاق نهائي، وعندما فشل كلينتون في قمة كامب ديفيد العام 2000، ولم يف جورج بوش الابن بوعده بإقامة دولة فلسطينية العام 2005، هذا الوعد الذي التزمت به أيضاً خارطة الطريق. وانتهى العام 2008 ولم تقم الدولة وفقاً لوعد مؤتمر أنابوليس.

 

ليس هناك ما يدعو للتفاؤل بالوعد الجديد الذي أطلقه أوباما بإقامة الدولة في أيلول المقبل، خاصة أن هذا الوعد مرتبط بالتوصل إلى اتفاق عبر المفاوضات. والمفاوضات متوقفة وإذا استؤنفت يجب أن نخاف لأنها يمكن أن تؤدي لمحاولة أميركية جادة لفرض حل جائر على الفلسطينيين، فلا إمكانية للتوصل إلى اتفاق يحقق الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية خلال تسعة أشهر، ليس فقط هذا مستحيل مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، بل مع أي حكومة إسرائيلية قادمة في ظل انتعاش الميول العنصرية والتطرف واليمين في إسرائيل، وفي ظل موازين القوى التي لا تجبر إسرائيل على إعطاء شيء للفلسطينيين لا يستطيعون الحصول عليه بأنفسهم.

 

إن العام 2011 يمكن أن يكون عاماً مهماً وحاسماً، ليس لأنه سيشهد قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، بل لأنه سيسدل الستارة على الفصل الأخير من مرحلة اتفاق أوسلو واعتماد المفاوضات كأسلوب وحيد لحل الصراع، وهذا أمر مهم لأنه سيكون عام الخلاص من وهم التوصل إلى التسوية عبر المفاوضات فقط دون أن نكون قادرين على فرضها.