خبر المُضلِّل -هآرتس

الساعة 09:12 ص|04 يناير 2011

المُضلِّل -هآرتس

بقلم: البروفيسور ليف غرينبرغ

مؤلف كتاب "سلام مُتخيل وخطاب حرب

 – تقصير الزعامة والسياسة والديمقراطية في اسرائيل، 1992 – 2006"

 (المضمون: عرفت الادارة الامريكية أخيرا ان اهود باراك ضلّلها وهذا أمر مهم وأهم منه ان يتنبه مؤيدو حزب العمل الذين ضلّلهم باراك وان يعزلوه عن قيادة الحزب - المصدر).

        الادارة الامريكية خائبة الأمل للطريق المسدود السياسي وتتهم اهود باراك بأنه ضللها مدة سنة ونصف (صحيفة "هآرتس"، 2/1/2011). اجل، باراك مُضلل خبير. في مناصبه المختلفة عندما كان رئيس اركان ورئيس حكومة ووزير دفاع ضلل مؤيدي السلام في اسرائيل والادارة الامريكية، وأفضى الى تصعيد مع الفلسطينيين ودمار سياسي لا يوصف. من المهم ان ندرس تقنية تضليل باراك، لكن من المهم ايضا ان نتذكر انها تشتمل على استعداد ليكون مُضللا.

        يستغل باراك موقعه في بنية القوة، لكنه يستغل ايضا التناقضات في موقف مؤيدي السلام والادارة. كان يجب عليه إذ كان رئيسا للاركان في السنين 1993 – 1995 ان يقبل سلطة الحكومة، لكن زعم انه لا يمكن الانسحاب من غزة ومن مدن الضفة لأسباب أمنية. فقد أعاق في البدء الانسحاب من غزة بزعم ان اسرائيل يجب ان تراقب الحدود مع مصر والاردن. وبعد ذلك أعاق الخروج من المدن حتى تركه العمل، وآنذاك فقط بدأ التفاوض في اتفاق اوسلو الثاني. كان زعم باراك انه لا يمكن الخروج من المدن دون منح المستوطنين أمنا، ويقتضي ذلك قبل ذلك بناء شوارع التفافية. وهكذا استغل التناقض في سياسة اسحق رابين بين الرغبة في الخروج من غزة ومدن الضفة والرغبة في إبقاء جميع المستوطنين في اماكنهم.

        قُبيل انتخاب باراك لرئاسة الحكومة في 1999 وعد باخراج الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان باتفاق أو بغيره. وقد علم ان الجيش الاسرائيلي يؤيد اتفاقا مع سوريا يتضمن خروجا منسقا متفقا عليه من جنوب لبنان ومن الجولان، لكن الجمهور في مقابلة ذلك يؤيد جدا الخروج من جنوب لبنان لكنه يعارض النزول عن الجولان. وكي يضلل الجيش أجرى تفاوضا مع سوريا، واتهمها بعد ذلك بالفشل (برغم ان شهودا امريكيين واسرائيليين يزعمون انه هو الذي أفشل التفاوض). آنذاك أرغم الجيش الاسرائيلي على الانسحاب من جانب واحد على نحو مُخزٍ. أثر هذا الاذلال تأثيرا سيئا في التفاوض مع الفلسطينيين الذي بدأ بعد ذلك فورا. وتم أنجح تضليل لباراك في مؤتمر كامب ديفيد عندما كان رئيس الحكومة. فقد امتنع مدة سنة عن اجراء تفاوض وأخذ الوقت ينفد. آنذاك اقترح "مؤتمر قمة حاسما" يعرض فيه اقتراحات بعيدة المدى. علم باراك انه يوجد فرق عظيم بين الاسرائيليين والفلسطينيين. لم يكن طموحه الى اجراء تفاوض بل الى ان يبرهن الى مؤيدي السلام الاسرائيليين والادارة الامريكية على انه مستعد للسلام وان الفلسطينيين ليسوا كذلك.

        كان يجب من اجل ذلك إثارة اقتراح يعده الاسرائيليون بعيد المدى لكن الفلسطينيين لا يستطيعون قبوله. كان شرط باراك في المؤتمر ألا تقترح الادارة مصالحات منها كان يمكن ان تُفسد العرض. اقترح في المؤتمر ان تأخذ السلطة الأحياء الفلسطينية في شرقي القدس، وهذه خطوة سخية في نظر الاسرائيليين، لكنه لم يكن مستعدا للتخلي عن السيادة الاسرائيلية على المساجد في جبل الهيكل (المسجد الاقصى) – وهذا شيء اعلن عرفات مسبقا بأنه لا يستطيع الموافقة عليه لان الحديث عن وقف اسلامي. وهكذا أفشل باراك التفاوض في حين جعل الاسرائيليين والامريكيين يظنون انه لا يوجد شريك فلسطيني في السلام.

        في 2007 انتخب حزب العمل باراك مرة اخرى زعيما له مؤملا ان يكون تعلم درسا وتغيّر. لقد ضلل بعمله وزير دفاع في حكومة اولمرت كل الجمهور الاسرائيلي. وتم الامر فورا بعد انتخاب براك اوباما رئيسا في الرابع من تشرين الثاني 2008. في ذلك اليوم دخل الجيش الاسرائيلي قطاع غزة بعد اربعة شهور ونصف من التهدئة، وفجر نفقا وقتل ستة من نشطاء حماس. وأطلق الفلسطينيون صواريخ القسام ردا على ذلك. ورد الجيش الاسرائيلي بخنق القطاع اقتصاديا. وهكذا نشأت ازمة أخذت تزداد حدة. كان البديل عن العملية العسكرية التحادث واحراز اتفاق مع حكومة حماس يشتمل على فتح المعابر مقابل وقف اطلاق النار، وتبادل الأسرى الذي يفضي الى اطلاق سراح جلعاد شليط.

        كانت عملية "الرصاص المصبوب" ترمي الى ان تفرض على الادارة الامريكية الجديدة واقعا سياسيا يُفرق بين الفلسطينيين الأخيار (في الضفة) والأشرار (في غزة)، وان تمنع بذلك اتفاقا عاما. صاغت العملية اطار رؤية مخطوءة عند ادارة اوباما لعلاقة اسرائيل بالفلسطينيين لم تنجح في التحرر منه الى اليوم. إن قسمة الفلسطينيين في منطقتين وحكومتين تُعكر كل مسيرة سياسية.

        تعرّف باراك سريعا على التناقض في سياسة اوباما بين الرغبة في تشجيع اتفاق، وبين قبول الشروط غير الممكنة التي تقررها اسرائيل. من الجيد ان الادارة الامريكية تنبهت وادركت ان باراك ضللها، لكن لا يقل عن هذا أهمية أن يتنبه مؤيدو حزب العمل الذين يسيرون وراء باراك بلا وعي منذ أكثر من عشر سنين. إن الدمار الذي زرعه يصعب اصلاحه جدا، واذا بقي في قيادة السلطة فانه يتوقع ان يستمر الوضع على التدهور.