خبر عام انصرم وآخر آت... منجمون واحتفالات ومناحات! / عبد اللطيف مهنا

الساعة 10:06 ص|02 يناير 2011

عام انصرم وآخر آت... منجمون واحتفالات ومناحات! / عبد اللطيف مهنا

هو عام انصرم وانصرف مثقلاً ينوء تحت وطأة ما غشته من البلايا والرزيا والأعياد والمناحات، كمالم تبارحه عجائب نقائضه الكثر ولا إرهاصات تؤكد الآتي من التحولات... غادرنا متثاقلاً دون أن يلوي تاركاً من خلفه من تنازعتهم أحاسيس من يودعون عامهم غير آسفين ويودون لو تسنى لهم أن يمسكوا بذيله المنسحب فرقاً وخشية مما قد يحمله لهم عامهم القادم ... القادم بغيبه وما يحبل به من استحقاقات...

 

كان عاماً قد ترك لنا أكثر من سوانا من أمم هذا الكون ومخلوقاته، ما يظل لنا من بعده، مما لا يقوى راهننا على فراقه... وما بين أزوف انقضائه وإطلالة ما سيخلفه، ما بين شموع أعياد الميلاد وفرقعة الإيذان بحلول الواصل الآتي، شُغلنا بما لا نملك إلا أن ننشغل به، وما علينا أن نلقى به خليفته وما سيتبع من قادم الأعوام.

 

... رحل تاركاً لنا من بعده وقفاً جارياً مما يغدو مضافاً إلى ندعوه أعياداً ونعيشه أقرب إلى المناحات... واقع ووقائع أودعها أيامنا وتواريخنا المقبلة واللاحقة... أورثنا إياها وقفاً دُرياً. مناسبات يلاقيها مستقبلنا، ومن الآن فصاعداً نحيي ذكراها مع ما نحيي، وتغدو لدينا واحدة من متراكم الإحياءات!

 

 ونخصص... نحن العرب... كفانا منه، والعالم من حولنا منشغلاً بويكيليكسه ومنجميه، وبما زينه من أشجار وما دس تحتها من هدايا أعياد الميلاد، وحيث يتسلى بإطلاق الأسهم النارية، ويقرع الكؤوس احتفاءً بعامه الجديد... كفانا من عامنا الراحل هذا ما تشيب له ولداننا، وما لن تسامحنا عليه أجيالنا اللاحقة... كفانا، سماع عويل نائحات العراق، واستغاثات نسوة القدس، والحرائر اللاواتي تُهدم بيوتهن على رؤوس أطفالهن... استجارات أكناف بيت المقدس المنهوشة التي تدوسها وتطحنها وتلتهمها جرافات التهويد... كفانا سماع صرخات جياع تونس الخضراء، وما ينتظره اليمن السعيد... عذابات الصوماليين، وحديث الفنتازيا اللبنانية، واقتراب موعد بتر أجزاء سودانية، أو هذا المنذر والمشجّع على احتمالات مثيل عراقي يقترب...

 

... إنما هو بعض من سمات زمننا العربي الرديء، وشيء من أشياء خصنا بها عام من أعوامه الأسوأ... بيد أن هناك لدينا من نسوها، أو تناسوها... نسيها عامنا المنصرم، وضاعت أخبارها في ضجيج طغى على احتفالات لهثت ما بين توديع الراحل واستقبال خليفته الآتي... توارت خلف أصداء عويل النائحات وصراخ الجوعى، وأنين معذبي الأطراف السائبة المنسية، وفداحة أحزان الأطراف المبتورة والتي قيد البتر...  إنها غزة، التي لم يتذكرها هذه الأيام إلا مرور الذكرى الثانية للحرب الإبادية التي شُنت عليها... غزة الأميرة، التي لازالت تلعق جراحها ويحتضن العراء الأحياء من أهل بيوتها المهدمة، والتي توالي بعنادها الفلسطيني النكهة ملحمة صمودها الأسطوري في وجه حصار الموت المضروب عليها لأعوام خلت...

 

غزة... السجن المهمل المكتظ، المعتقل الإبادي، العنفوان المحاصر، والإرادة التي تتجاهلها غيبوبة أمتها... اللعنة التي تطارد عجزاً عربياً وصل حد التواطؤ وجاوزه إلى التآمر... غزة، التي يوجعها ويضحكها في آن أن تسمع الأمين العام لجامعة الدول العربية، وهو يعرض حصاد عامه المنقضي، يكتشف أن ما دعاه عملية السلام "تواجه أزمة كبيرة"... لماذا؟

 

يجيبنا: "نتيجة فقدانها قوة الدفع"... ويستدرك، فيطمئننا على مستقبل هذه المأزومة لانعدام قوة دفعها لافتاً إيانا إلى: أن "العرب استفادوا كثيراً من تجربة 20 عاماً من المفاوضات "... لعلها هذه الإفادة التي أفضت إلى تهويد القدس جغرافياً والعمل على اتمام هذا التهويد ديموغرافياً. انتهت إلى الإجهاز على ما تبقى في الضفة من أراض لم تهود بعد، ومحاصرة تجمعاتها السكانية المقطعة الأوصال. محاصرتها أسوراً وطرقاً التفافية وسكك حديد، وجديد المستعمرات... أدت إلى مرحلة الجرافات التي غدت ساحتها التهويدية تمتد من النهر إلى البحر ومن اللد حتى مجاهل النقب... حيث سلطة رام الله، وفي ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة المغدورة أوسلوياً، منشغلة بملاحقة دحلانها، والحديث عن الدولة "لاتينياً"، أو ما دعاه داني آيالون "دولة على فيسبوك فقط"... وأخيراً رست على اشتراطات "الدفع" النتنياهوي القائلة:

 

"في حال وافق الفلسطينيون على دولة منزوعة السلاح، وتراجعوا بحكم الأمر الواقع عن حق العودة، عندها سأذهب إلى نهاية المطاف"... سيذهب إلى ملاقاة عمر موسى لبحث شجون وشؤون دولة داني أيالون... لكنما، نتنياهو قبل هذا وبعده، يشترط وجوب الاعتراف بـ"يهودية الدولة"، والقبول برؤيته للحل المؤقت!!!

 

عام انصرم وانصرف يجر من ورائه واقعة ووقائعه ومناسبات وأعياداً ومناحات... لكنما كان أيضاً لا يخلو من ارهاصات تعد بالآتي من التحولات... التحولات اقليمياً ودولياً، وبما هو حري بأن يذكرنا بقول ينسب لأرنستو تشي غيفارا: لنكن واقعيين ونطلب المستحيل... ونحن، وبواقعية بريئة من شبهة واقعية المنهزمين، لا نطلب مستحيلاً إذا ما قلنا: هذه الأمة المقهورة المغيّبة لا تستحق ما يلحق بها... لعلها تستحق منا غير مثل هذا الذي يجري لها وتكابده بين رزايا أعوامها المنصرمة وغوائل استحقاقات تلكم الآتية.