خبر هل تتخلى حماس عن حكم غزة وتتفرغ للمقاومة؟ ..غازي التوبة

الساعة 10:11 ص|01 يناير 2011

هل تتخلى حماس عن حكم غزة وتتفرغ للمقاومة؟ ..غازي التوبة

تمر علينا هذه الأيام ذكرى إنشاء حماس قبل ثلاثة وعشرين عاما, وقد احتفلت قياداتها بهذه الذكرى في غزة وغيرها, والأرجح أن خير احتفال هو مراجعة بعض المواقف في مسيرتها, وإلقاء الضوء على وضعها بشكل خاص, ووضع القضية الفلسطينية بشكل عام, والتوصل إلى بعض الخلاصات والعبر والنتائج, وإلى بعض الواجبات في المرحلة القادمة.

 

لقد نشأت حماس كحركة مقاومة، وقد أشعلت الانتفاضة الأولى في نهاية عام 1987، وقد كانت وقوداً لهذه الانتفاضة، وقد جاء اشتراكها في المقاومة كأول مشاركة إسلامية في القضية الفلسطينية بعد غياب للتيار الإسلامي عنها استمر لمدة عقود بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي سادت فيها التيارات اليسارية والشيوعية الساحتين: العربية والفلسطينية.

 

إنني أذكّر بهذه الوقائع البارزة من أجل أن أوضح أهمية استمرارية حضور حماس في الساحة الفلسطينية، وأحذر من تعثرها، وخفوت شعلتها، فهذا سيؤدي إلى مزيد من التعثر للتيار الإسلامي في مجال القضية الفلسطينية، وإلى مزيد من التراكمات السلبية التي سترتد إلى مسيرة الأمة وذلك نابع من أهمية القضية الفلسطينية وتأثيرها في عموم كيان الأمة.

 

من نافلة القول الحديث على أن مسار السلام السابق الذي قام على توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993 مسار خاطئ، لأنه لم يقم دولة بعد تحرير كامل للأرض، وإنما أقام دولة على وهم التحرير، فاعتبر أن تخلي الأردن عن مسؤولية حكم الضفة الغربية في 3171988، اعتبر ذلك تحريراً، لذلك أعلن ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية في 15 من نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1988 في أثناء انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، مع أن الذي حدث هو أن المسؤولية المعنوية عن الضفة الغربية انتقلت من الأردن إلى منظمة التحرير، ولم تكن هناك أية سيطرة حقيقية على شبر واحد من الضفة الغربية لا للأردن من قبل، ولا لمنظمة التحرير الفلسطينية من بعد، بل ما زالت إسرائيل هي المسيطر الحقيقي على الضفة في الحالتين.

 

ومما يؤكد المسار الخاطئ لاتفاقيات أوسلو النتائج التي انتهت إليها الاتفاقيات، فلم تقم دولة مستقلة ذات سيادة، ولم تعد القدس ولم يعد أي جزء من الأرض، بل هناك مزيد من الاستيطان، وهناك جدار للفصل العنصري ابتلع 18% من الضفة، وهناك تهويد مستمر للقدس والأقصى، وهناك تلويح مستمر بـ"الترانسفير" لفلسطينيي 48 وفلسطينيي 67.. إلخ.

 

والأنكى من ذلك مزيد من التمكين للدولة العبرية عبر وعد بوش لشارون عام 2004، ودفع أميركا العرب إلى مزيد من التنازلات العربية عبر مبادرات السلام التي رفضتها إسرائيل.

 

لقد عاد عرفات إلى غزة عام 1994، وأجرى انتخابات رئاسية وتشريعية، ورفضت حماس المشاركة في تلك الانتخابات بحجة أنها تحت سقف أوسلو وهي لا تعترف بها، ثم شاركت في الانتخابات التشريعية عام 2006، وفازت بالأكثرية في المجلس التشريعي، ثم وقعت تصادمات بينها وبين فتح انتهت باستلامها مسؤولية الحكم في قطاع غزة في عام 2007م .

 

لا أريد أن أناقش الوضع السابق وهو مدى سلامة وصوابية الدخول في الانتخابات تحت حكم الاحتلال الإسرائيلي وتحت سقف اتفاقات أوسلو، وعن تفصيلات التصادم مع فتح، لأن ذلك أمر قد انقضى ولا جدوى من مناقشته الآن. لكني أريد أن أناقش وضع حماس في الحكم وانعكاس ذلك على المقاومة التي هي الأصل في مشروعية نشوء حماس، وهي القيمة الحقيقية في وجودها الإسلامي، وعن مدى إمكانية الجمع بين العملين: الحكم والمقاومة.

 

وقبل أن أبدأ بمناقشة القضية السابقة أحب أن أشير إلى بعض الحقائق على ضوء الوقائع التي عرفتها القضية الفلسطينية خلال الحقبة الماضية، وهي:

 

الأولى: ليس من شك بأن المقاومة هي الفعل المجدي والمشروع والمطلوب في هذه المرحلة من تاريخ القضية الفلسطينية، وهو المطلوب أكثر من أي مرحلة سابقة، لأنه لم يتحقق تحرير لأي شبر، ومازال التحرير الحقيقي هو الأمر الذي تنشده أمتنا، ويتطلبه وضع القضية الفلسطينية.

 

الثانية: ليس من شك بأن التفاوض السياسي يكون ذا نتائج حقيقية إذا كان مبنياً على تحرير حقيقي على الأرض، أو مبنياً على توازن قوة مع العدو، لذلك فإن ياسر عرفات لم يخرج بأية مكاسب حقيقية مع العدو الإسرائيلي مع كثرة المؤتمرات المعقودة والاتفاقات الموقعة من مثل اتفاق واشنطن واتفاق القاهرة وطابا وواي ريفر, بسبب عدم وجود تحرير حقيقي على الأرض، وبسبب اختلال موازين القوى بين إسرائيل والعرب لصالح العدو.

 

الثالثة: إن جماهير الشعب الفلسطيني التفت حول حماس وأيدتها، ورجحت كفتها على فتح في انتخابات 2006 بسبب إصرار الأولى على المقاومة وتأكيدها على الاستمرار فيها، وجنوح الأخرى إلى التهادن والمفاوضات وإلقاء السلاح.

 

الرابعة: من المؤكد بأن حكم قطاع غزة غرم وليس غنماً، وذلك واضح من الكثافة السكانية التي هي الأعلى في الدنيا من جهة، وإلى صغر مساحته من جهة ثانية، وإلى افتقاره إلى كل الموارد الضرورية للعيش كالطعام والشراب والكهرباء ومواد البناء من جهة ثالثة.

 

الخامسة: ورثت حماس حكم قطاع غزة وهو مكبّل بعدة اتفاقات وبروتوكولات سياسية واقتصادية وإدارية, فلا يملك القطاع أي مقوم من مقومات السيادة والاستقلال، ولا يملك حرية التصدير والاستيراد، ولا يملك مواطنوه حرية التنقل والسفر.

 

السادسة: إن العمل المقاوم للشعوب عمل تراكمي، بمعنى أن حركة ما تبني لبنة، ثم تأتي أخرى فتبني لبنة أخرى حتى يتحقق التحرير، ويجب أن يبقى مؤشر العمل التراكمي في صعود مستمر، لكن اتفاقيات أوسلو عام 1993 عطلت هذه العملية التراكمية لأنها جعلت العدو ينعم بفترة هدوء وراحة بعد أن أوقفت الانتفاضة الأولى التي هددت كيانه تهديداً مزلزلاً من جهة، ولم تحقق تحريراً حقيقياً من جهة ثانية. لذلك من أولى واجبات حماس –الآن- إبقاء المقاومة من أجل إبقاء سهم العملية التراكمية في صعود، وإنقاذ ما أفسدته اتفاقات أوسلو.

 

والآن على ضوء الحقائق السابقة: هل تستطيع حماس أن تحافظ على السلطة وأن تحافظ على المقاومة مع أن مسؤوليها يصرحون باستمرار بأنهم لن يتخلوا عن المقاومة بحال من الأحوال؟

 

الأرجح أن ذلك صعب إن لم يكن مستحيلاً، فالموضوع ليس موضوع نوايا فقط، ولكن موضوع ظروف موضوعية تفرض نفسها، ومما يؤكد ذلك أن حماس اضطرت إلى إعلان هدنة في بداية عام 2008 على أساس أن تفتح كل المنافذ للشعب الفلسطيني في غزة، لكن العدو لم يف بذلك، فاضطرت إلى عدم تمديد الهدنة في نهاية عام 2008، واتخذ العدو هذا السبب ذريعة لشن عدوانه على غزة نهاية عام 2008 ومطلع عام 2009، وقام بعملية عسكرية عدوانية سمّاها (الرصاص المسكوب).

 

ثم اضطرت حماس إلى القبول بإيقاف القتال من أجل ألا تحمّل الشعب الفلسطيني فوق طاقته، وهي محقة في ذلك، وقد استكملت ذلك بالاتفاق مع الفصائل الرئيسية على عدم القيام بأي عمل عسكري من أجل عدم استفزاز العدو، ومنعه من شن عدوان جديد على شعبنا في غزة، وتحميله ما لا يُحتمل.

 

ومن الملاحظ –أيضاً- أن وتيرة العمليات قد تراجعت في السنتين الأخيرتين في أرض العدو، إن لم تكن انعدمت بالمقارنة بما كانت عليه قبلها.

 

إن الوقائع السابقة تجعلنا نرجح أنه من الصعب الجمع بين المقاومة والحكم، وأن القيام بأعباء الحكم سيكون على حساب المقاومة، وعلى حساب العملية التراكمية المطلوبة لانتصار القضية الفلسطينية، وبخاصة في بلد كقطاع غزة محدود الموارد والإمكانيات، وفير عدد السكان، مكبّل بقيود سياسية واقتصادية, وهذا يقودنا إلى سؤال: هل تتخلى حماس عن الحكم لصالح المقاومة؟

 

- الجزيرة نت