خبر عالم يتحول باتجاهنا... فهل نواكب تحولاته ..معن بشور

الساعة 11:20 ص|30 ديسمبر 2010

عالم يتحول باتجاهنا... فهل نواكب تحولاته  ..معن بشور

عشية الذكرى الثانية للحرب الصهيونية على غزة، وعشية الذكرى السادسة والأربعين لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، ومع محاولات صهيونية حثيثة لتصفية القضية الفلسطينية، بالتهويد والتهجير والاستيطان والاغتيال والاعتقال، قامت في يوم واحد جملة فعاليات وفي أماكن متعددة، تكشف عن قوة الحق الفلسطيني بكل عناوينه في مواجهة مغتصبيه والمتآمرين عليه.

 

أول الفعاليات كانت مظاهرة المتضامنين الأوروبيين أمام حاجز قلنديا الفاصل بين رام الله والقدس وما رافقها من اشتباكات مع الشرطة الصهيونية، خصوصاً لدى اعتقال كوكبة من المناضلين الفرنسيين الآتين من بلادهم البعيدة لينددوا بالاحتلال والنازية الجديدة وهم أكثر شعوب الدنيا علماً بالنازية الأصلية، وأكثرهم مقاومة لها وأكثرهم تضحية في مواجهتها.

 

وثاني الفعاليات كان الاستقبال الشعبي التركي الضخم لسفينة "مافي مرمرة" التي هاجمها العدو الصهيوني في 31/5/2010 واغتال تسعة من روادها الأتراك الأبطال وجرح العشرات من أبطالها الموزعين على قارات الدنيا كلها، في هذا الاستقبال لسفينة عادت إلى مينائها الأصلي، بعد أشهر من "الاعتقال" الصهيوني، ثم من الترميم التركي للدمار الذي لحق بها، فارتفعت أعلام فلسطين جنباً إلى جنب مع الأعلام التركية ليبرز تصميم المجتمع التركي كله على مواصلة النصرة لفلسطين عموماً، ولغزة خصوصاً، بما في ذلك الإعلان المهم عن انطلاق أسطول "الحرية 2" من تركيا في الذكرى الأولى للجريمة الصهيونية بحق سفينة "ما في مرمرة"، وهي جريمة ما زال العدو الصهيوني يتنصل من مسؤوليته عنها، ويرفض الاعتذار مطالباً الضحية التركية بالاعتذار للجلاد الصهيوني، وموجهاً عبر وزير خارجيته أقذع التعابير بحق تركيا الكاظمة لغيظها حتى الآن.

 

أما ثالث الفعاليات، وربما أكثرها استحقاقاً للتأمل والتحليل والدراسة، فهو استعداد قافلة آسيوية لكسر الحصار على غزة (تضم 170 متضامناً من 20 بلداً آسيوياً) للانطلاق خلال أيام باتجاه غزة من ميناء اللاذقية السوري إلى ميناء العريش المصري، وهو الطريق ذاته الذي عبرته قوافل أخرى، أبرزها قوافل شريان الحياة بقيادة جورج غالاواي.

 

لم يغب الآسيويون من أقصى الشرق إلى أقصى غرب آسيا يوماً عن حملات التضامن مع فلسطين وعن قوافل كسر الحصار، وعن ملتقيات النصرة لعناوين القضية لاسيما القدس، لكن أهمية هذه القافلة (التي اختار لها منسقها المناضل الهندي المعروف فيروز موتوبوروالا اسم "آسيا 1" تأكيداً على إنها خطوة أولى في رحلة مستمرة)، تكمن في أنها جهد آسيوي خالص، بمشاركة آسيوية خالصة، وبخط مرور آسيوي خاص من الهند إلى باكستان فإيران فتركيا فسورية مع زيارة ذات دلالات رمزية إلى لبنان.

 

والقافلة التي اختارت الهند منطلقاً لها، وانطلقت من أمام ضريح المهاتما غاندي بالذات، حملت رسائل مهمة إلى العالم كله، والى الكيان الصهيوني بالذات الذي يسعى حثيثا إلى اختراق الهند سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وأبرز الرسائل أن في الهند عدداً متنامياً من الرجال والنساء ما زالوا على عهد المهاتما في حمل لواء الحرية والعدالة والاستقلال، وما زالوا على عهد نهرو في نشر روح باندونغ المعادية للاستعمار والصهيونية والمطلقة لحركة عدم الانحياز العالمية.

 

والقافلة التي انطلقت تحت شعارات من نوع "فلسطين قضية آسيوية" و"فلسطين توحد آسيا، وآسيا المتحدة قوة لفلسطين"، جاءت لتعلن "انحياز أكبر قارة لأعدل قضية" كما قال المفكر العربي الكبير منح الصلح لدى استقبال المتضامنين الآسيويين في (دار الندوة) في بيروت يوم الخميس الفائت، بل جاءت لتضم في صفوفها مناضلات ومناضلين من كل البلدان والأديان ومن التيارات الفكرية والمشارب والأجيال، أدركوا أن معركة تحرير فلسطين هي معركة تحرير البشرية بأسرها من رجس الاستعمار والصهيونية، فتجاوزوا الفوارق والحواجز والخلافات والحدود، فحمل المتضامنون الباكستانيون الراية من المتضامنين الهنود على الحدود المتوترة بين البلدين، واجتاز اليابانيون والماليزيون والاندونيسيون والأوزبك آلاف الأميال ليكونوا في عداد القافلة وليتلاقوا في سورية مع إخوة من عرب آسيا من الأردن وسورية ولبنان ودول الخليج.

 

إن دخول آسيا على خط فلسطين عبر هؤلاء الرواد يكشف بوضوح إن الحصار الذي أراده العدو الصهيوني على غزة، يتحول إلى حصار عالمي يشد خناقه على هذا العدو، وإن "المحرقة" التي جاهر ليبرمان قبل عامين بارتكابها في غزة (متناسياً أن دولته العنصرية نفسها قامت على استغلال المحرقة النازية ضد اليهود على أوسع نطاق) قد تحولت إلى محرقة سياسية وإعلامية وأخلاقية وقضائية للمشروع الصهيوني نفسه.

 

وإذا كان الموقف الشجاع لدول أمريكا اللاتينية بإعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، مظهراً جديداً من مظاهر التحول الدولي لصالح الحقوق الفلسطينية الثابتة، فإن تحذيرات المسؤولين الصهاينة، بمن فيهم نتنياهو وليبرمان وأخيراً موفاز، من أن هناك تحولاً في العالم ضد تل أبيب، أكدت أن هذا العدو بات يفقد أحد أبرز مرتكزات وجوده، وهو مساندة الرأي العام الدولي له "كضحية" محاطة بعدد كبير من الجلادين.

 

قد نبدو متسرعين، إذا انتظرنا نتائج سريعة ومباشرة لهذا التحول الذي يحتاج إلى زمن كي ينعكس على مستوى الحكومات أو الدول، لكن مبادرات فلسطينية وعربية على المستوى الرسمي، كما هي حال المبادرات العربية والإسلامية والدولية الشعبية والجارية في كل أنحاء العالم، من شأنها أن تجعل من هذا التحول المعنوي والأخلاقي مدخلاً لتحول فعلي في موازين القوى وفي المجالات السياسية والدبلوماسية والقانونية.

 

ولعل الحملة الكبيرة التي تشنها وزارة الدفاع الصهيونية على "مركز العودة الفلسطيني" في لندن دليل واضح على حجم الضيق الصهيوني من مبادرات مؤسسات المجتمع المدني التي باتت تحاصر العدو عبر مسيرات ومؤتمرات وملتقيات ومبادرات وعرائض وقوافل، مما يجعل هذا العدو يتحدث عن حملة عالمية لنزع الشرعية عنه ودعم المقاومة المتنامية لمشروعه.

 

قد يسعى العدو إلى عدوان جديد لإجهاض هذه التحولات، لكن صمود شعبنا الفلسطيني ومقاومته ومساندة الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم، كفيل بان يحول "المغامرة الصهيونية المرتقبة" إلى أكثر من "مغامرة غير محسوبة".. وربما إلى مقامرة "انتحارية".

 

القارات كلها تتحول بشعوبها، وبعض حكوماتها، باتجاه حقنا الفلسطيني، فهل نواكبها كوننا فلسطينيين وعرباً بما تستحق من جهد وعمل نوعي.

 

* كاتب ومفكر لبناني