خبر استحلال يفوق الاستيطان! ..خيري منصور

الساعة 08:04 ص|29 ديسمبر 2010

استحلال يفوق الاستيطان! ..خيري منصور

إذا كان لا بد من وسيلة إيضاح مدرسية لهذا العالم المصاب بنوبات متعاقبة من العمى والصمم، فهو يطة، تلك القرية الهاجعة تحت خاصرة الخليل لكنها الآن أشبه بسيف جرد من غمده المطرز بعد أن صحت من النوم لتجد القطعان من المستوطنين وقد سيجوها واختطفوا اسمها ليقولوا بأنها وعد إليهم من الأنبياء.

 

إن ما حدث في هذه القرية هو مجرد عينة لكنها تقدم عند الاختبار الدراما الفلسطينية كلها، ما دام المشروع الاستيطاني والاستحواذي قد تأسس على ركيزتين هما السطو المسلح وتزوير التاريخ ولأن الدست كما يقال لا يركب إلا على ثلاث، فالركيزة الثالثة الآن تتشكل من صمت العالم ولامبالاته، مما أسال المزيد من لعاب سمكة القرش الصهيونية.

 

إن تهويد وتزوير تواريخ أكثر من خمسمئة قرية عربية في فلسطين حوّل مثل هذه الجرائم إلى أسلوب عمل واستراتيجية مستمرة، رغم ان الجرة اليهودية لن تسلم إلى الأبد إذا سلمت لأسباب يعلمها الضليعون في فقه التخلي والخذلان لعقود عدة.

 

المستوطنون محروسون بالجيش، وهم يتمتعون بضوء أخضر من رئيس وزرائهم ووزير خارجيتهم وقائد أركانهم، لأن هذا الثالوث لا يكف عن التحريض بمختلف الوسائل والأساليب، عندما شاهدت ما يحدث في يطة تذكرت جدتي الأميّة والتي كانت تسمي الاحتلال استحلالاً، واعتذرت لها عشرين مرة عن التصويب اللغوي الأخرق الذي كنت أمارسه وأنا تلميذ، فما يجري هو ما عبرت عنه جدتي ولا أحد سواها..

 

إنه استحلال المحرّم، وتحويل المسروق إلى استحقاق لمجرد إن عمر الجريمة ستون عاماً، رغم أن الأوطان لا تسقط من ذاكرة أهلها بالتقادم ما دام هناك صينيون قد تظاهروا قبل شهر من أجل استرداد أرض أخذتها اليابان منهم قبل ستة قرون وليس ستة عقود كما حدث في فلسطين،

 

إن الضابط بلوم، الذي كتب عنه الراحل هشام شرابي في كتابه التاريخ الشفوي والذي كان يستحل الطيبّة.. هو مجرد اسم حركي لضباط وجنرالات وحاخامات ومستوطنين يفعلون الشيء ذاته..

 

إنها لمفارقة أن تتوالى اعترافات دول العالم بفلسطين بحيث تجاوز عددها المائة في الوقت الذي تتوالى فيه هجمات القطعان على الخليل وشقيقاتها من المدن والقرى الفلسطينية، وتفسير ذلك هو ببساطة أن هناك من لا يتعاملون مع التاريخ إلا بوصفه خرافة فهم حولوا الجيتو من منعزل جغرافي مكاني إلى جيتو فكري وثقافي، يعيشون داخل شرنقتهم فقط والآخرون هم مجرد "جوييم"..

 

إن لعبة التناوب بين الجيش الإسرائيلي والمستوطنين أصبحت مكشوفة وفاحت منها رائحة كريهة، فما لم ينجزه الجيش تتولاه هذه القطعان، لكن تحت حراسته واستكمالا لمشروعه العسكري الذي لم يكن إلا الاستيطان منذ اليوم الأول للاحتلال ما من عدو أوضح من هذا، وما من معتدى عليه كالعرب أشد غموضاً والتباساً مما نرى ونسمع.. فالقدس بحت أصوات شيوخها ورجال دينها من مسلمين ومسيحيين وأصبحت قاب عدوانين جديدين من الدمار التام ولا نظن أن لون الدم أصبح هو الآخر غامضاً وملتبساً بعد أن سفح على مرأى من العالم وعبر الشاشات..

 

من الطنطورة إلى يطة، سردية حمراء تردد صداها كل شقيقة نعمان على تلك السفوح الوحيدة، أما وسائل الإيضاح وعلى النحو الخاص بتلاميذ الابتدائية فقد ظننا بأننا تجاوزناه.. وعلينا الآن أن نعتذر لأن العودة إلى المربع الأول تحولت إلى قدر.

 

صحيفة الدستور الأردنية